رياض سطوف سوري منحته "عربي المستقبل" أكبر جائزة فرنسية للشرائط المصورة

جاء فوز رياض سطوف ذي الأصول السورية بأكبر جائزة فرنسية للشرائط المصورة عن سلسلته المصورة "عربي المستقبل" ليكشف لأبناء جلدته العرب، ممن لا يعرفونه، اسما موهوبا وقصة تكاد تشبه قصص الآلاف منهم والذين أجبرتهم ظروف المنطقة على خوض رحلة هجرة صعبة ولا نهاية لها.
أنغوليم (فرنسا) - ربما لم يكن رسام الكاريكاتير السوري رياض سطوف حين صور وسرد في سلسلته المصورة "عربي المستقبل" حكايته وعائلته مع الهجرة والترحال، يفكر أنه يوما ما في المستقبل القريب سيفوز بأكبر الجوائز الفرنسية. وفاز الفنان الذي يحمل أيضا الجنسية الفرنسية، بالجائزة الكبرى في مهرجان أنغوليم، التي تصنّف كأرفع مكافأة في مجال الشرائط المصورة في فرنسا.
وحصل الرسام البالغ 44 عاماً، الذي اختاره زملاؤه مؤلفو كتب الشرائط المصورة للفوز بالمكافأة الكبرى خلال الدورة الخمسين للمهرجان الشهير، على الجائزة خلال حفل الافتتاح في مسرح أنغوليم إحدى مدن غرب فرنسا. وقال سطوف وسط تصفيق حار من الحاضرين "إنه أمر مثير للإعجاب للغاية".
وأشاد بجدته لأمه التي كانت أول من آمن بموهبته. وتحدث الرسام عن "عربي المستقبل" قائلا "أردت أن أصنع شرائط مصورة بطريقة تجعلها تود قراءتها، هي التي لا تحب هذا النوع". وأضاف "لقد تشرفت بشدة وتأثرت.. إنها القطعة المركزية التي كانت مفقودة في قمة هرم الأنا لديّ". وتابع سطوف “اصنعوا كتباً، المزيد من الكتب. هذا ما سأفعله أيضاً".
وتغلب رياض سطوف على منافستين، بينهما الفرنسية كاترين موريس التي خسرت في النهائي للمرة الرابعة على التوالي. أما المنافسة الثانية الأميركية أليسون بشدل فكانت قد تلقت أخيراً شكلاً من أشكال التقدير، عندما اختارت جائزة ميديسيس الأدبية الفرنسية كتابها "سر القوة الخارقة" ضمن التصفية الأولى في فئة الأدب الأجنبي في سبتمبر.
لكن المنافسة كانت صعبة مع سطوف في ظل الجانب العاطفي الذي يربطه بعالم الشرائط المصورة. فقد بيع من سلسلة سيرته الذاتية "عربي المستقبل" المكونة من ستة أجزاء، أكثر من ثلاثة ملايين نسخة حول العالم. كما حقق نجاحا كبيرا مع "دفاتر إستر" و"الممثل الشاب".
ولد الكاتب والمخرج رياض سطوف في باريس وقضى طفولته في ليبيا خلال حكم الزعيم الراحل معمر القذافي وأيضا سوريا وبعض دول الشرق الأوسط. ويسرد المخرج ورسام الكاريكاتير السوري في كتابه "عربي المستقبل" قصة طفولته وترحال عائلته بين الدول ومنها سوريا.
وكان المصور لم يتجاوز الثالثة من عمره عندما بدأ رحلته الصعبة بين مختلف الدول. ويروي الكاتب هذه الرحلة في قالب هزلي وفكاهي، يحاول من خلاله نقل صورة العالم العربي في تلك الفترة. أما من الناحية الشكلية فيعتمد على صور وألوان مختلفة للتعبير عن مختلف الدول والأماكن التي عاش فيها خلال طفولته.
وسلط سطوف الضوء في سلسلته المصورة بدرجة أكبر على الحقبة الزمنية الممتدة بين عامي 1978 و1984، الغنية بالصراعات الثقافية. وسبق أن تُوج هذا العمل الفني في النسخة الثانية والأربعين من مهرجان أنغوليم بجائزة السخرية الأوروبية الرئيسية كأفضل رواية مصورة عام 2014.
وتعتبر هذه القصة المصورة - التي صدرت نسختها الألمانية عام 2015 - من أكثر كتب الرسوم رواجاً في فرنسا عام 2014. ويلخص الكتاب أيضا حالة الرعب التي عاشها السوريون على مدار نصف قرن في ظل حكم عائلة الأسد. وفي مرحلة أولى تم إصدار 150 ألف نسخة من الترجمة الألمانية لكتابه "عربي المستقبل"، ولقي رواجا كبيرا.
◙ من الناحية الشكلية يعتمد سطوف على صور وألوان مختلفة للتعبير عن مختلف الدول والأماكن التي عاش فيها خلال طفولته
وفضلاً عن روايته المصورة، اشتهر رياض سطوف في فرنسا بمنشوراته الأسبوعية في مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، التي عمل فيها على مدى عشر سنوات. وتعتبر المراهقة واحدة من المواضيع المفضلة التي قام بتصويرها في رسومات كاريكاتيرية والكتابة عنها ثم قام بجمع كتاباته لـ"شارلي إيبدو" من 2007 و2013 في كتاب أطلق عليه عنوان "أسرار المراهقين".
وأصبح المخرج والرسام رياض سطوف من أشهر رسامي الكاريكاتير في فرنسا، وفي بعض الدول الأوروبية المجاورة. ويذكر أن الجائزة الكبرى لمدينة أنغوليم تُمنح منذ عام 1974، مع إدراج جميع الأسماء الكبيرة في مجال الشرائط المصورة، ولاسيما الفرنسية والبلجيكية على قائمتها.
وانفتح المهرجان بشكل طفيف على القارات الأخرى، مع تكريم عدد قليل من المؤلفين من الولايات المتحدة واليابان، رغم تجذر فن الشرائط المصورة بقوة في هذه البلدان. وفي عام 2022، فازت بجائزة المهرجان الكندية جولي دوسيه. وعملاً بالتقليد المتبع، منحت دوسيه الجائزة الكبرى لخلفها، ويُخصَّص لها معرض خلال المهرجان.
وحضرت الحفل وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبدالملك المتحدرة من لبنان. ويستقطب المهرجان في أفضل الأحوال مئتي ألف زائر سنويا، لكن يتعين عليه إعادة جذب الجمهور بعد إلغاء نسخة 2021 وعدم تحقيق نسخة 2022 القدر نفسه من النجاح كما في السابق إثر إرجائها إلى شهر مارس.