ريادة صناعة الطيران المغربية تجذب المزيد من الاستثمار

صناعة الطيران في المغرب تمثل إحدى قصص النجاح الاقتصادي البارزة في منطقة شمال أفريقيا.
الأربعاء 2025/06/18
هكذا نرسم آفاقا أوسع للقطاع

باريس - أجرى وزير التجارة والصناعة المغربي رياض مزور الثلاثاء مباحثات مع شركاء صناعيين ومستثمرين دوليين بصناعة الطيران بهدف إبراز المؤهلات التنافسية التي تزخر بها بلاده بهذا القطاع، ولتعزيز موقعها كوجهة استثمار بهذه الصناعة.

ويمثل قطاع الطيران نموذجًا ناجحًا للشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وقدرتهما على إدماج الاقتصاد في منظومة صناعية عالمية متطورة.

ومع استمرار الجهود الرامية إلى تعميق التصنيع المحلي وتوسيع الحضور في السوق الدولية، يبدو أن البلد في طريقه إلى تعزيز موقعه كفاعل إقليمي صاعد في مجال صناعة الطيران.

وذكر مزور في منشور على منصة إكس أنه عقد لقاءات مع شركاء صناعيين ومستثمرين دوليين على هامش مشاركته بالدورة 55 للمعرض الدولي للطيران والفضاء (باريس أير شو) المنعقد حاليا بمدينة لوبورجيه الفرنسية.

ولفت إلى أن مشاركة وفد بلاده “تجسد الديناميكية المتواصلة التي تشهدها المنظومة الصناعية الوطنية تحت قيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي جعلت من صناعات الطيران رافعة إستراتيجية للتنمية الصناعية، ومجالا واعدا لتوطيد السيادة الصناعية والتكنولوجية لبلادنا.”

وأشار إلى أنه سيوقع عددا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الرامية إلى إطلاق مشاريع صناعية جديدة في هذا القطاع الإستراتيجي “بما يعكس الثقة المتزايدة في مناخ الأعمال ببلاده، ويعزز من ديناميكية الاستثمار والتشغيل عالي القيمة المضافة.”

وعلى هامش المعرض أبرمت وزارته مع وزارة النقل واللوجستيك مجموعة من الاتفاقيات الإستراتيجية مع شركات عالمية لتعزيز مكانته كقطب صناعي رائد في مجال الطيران.

ومن أبرز الاتفاقيات، توقيع شراكة مع شركة سافران الفرنسية لإنشاء وحدة لصيانة محركات الطائرات، ما يعزز قدرات البلد في مجال صيانة الطائرات ويُسهم في تطوير صناعة أجزاء الطائرات محليًا.

كما تم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة إمبراير البرازيلية لإطلاق مشاريع مشتركة في مجالات الطيران التجاري والدفاع والتنقل الجوي الحضري، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين وتطوير منظومة توريد متكاملة.

رياض مزور: الاتفاقيات الجديدة تعكس الثقة المتزايدة في مناخ الأعمال
رياض مزور: الاتفاقيات الجديدة تعكس الثقة المتزايدة في مناخ الأعمال

وتمثل صناعة الطيران في المغرب إحدى قصص النجاح الاقتصادي البارزة في منطقة شمال أفريقيا، حيث استطاع القطاع أن يتحول خلال العقدين الأخيرين من مجال محدود النطاق إلى صناعة متقدمة تشكل ركيزة مهمة في الاقتصاد.

ويعكس هذا التحول قدرة البلد على التموقع الإستراتيجي ضمن سلاسل القيمة العالمية، مستفيدًا من موقعه الجغرافي القريب من أوروبا واتفاقياته التجارية المتعددة وسياساته الصناعية الداعمة للاستثمار الأجنبي المباشر.

وبحسب بيانات مكتب الصرف، فقد حققت صادرات القطاع أداء لافتا خلال الثلث الأول من العام الجاري تجاوزت قيمتها 9.5 مليار درهم (950 مليون دولار).

ويمثل هذا الرقم قفزة بنسبة 14 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ما يؤكد الحيوية المتزايدة لهذا القطاع الإستراتيجي.

ونمت صادرات القطاع خلال العام الماضي بمقدار 17.3 في المئة خلال أول عشرة أشهر من العام الماضي لتبلغ حوالي 2.18 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبا صادرات عام 2023 بأكمله.

ويعزى هذا النمو إلى الطلب العالمي القوي وتنوع المنتجات، التي تشمل قطع الغيار والمعدات الكاملة للمصنعين الكبار في قطاع الطيران رغم التداعيات التي شابت التجارة بسبب الحرب في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وبدأت ملامح هذه الصناعة تتشكل بوضوح مع بداية الألفية الجديدة، حين أطلقت الحكومة بشراكة مع فاعلين دوليين، مخطط الإقلاع الصناعي الذي وضع قطاع الطيران ضمن أولوياته.

وسرعان ما اجتذبت السوق المحلية استثمارات من شركات عالمية رائدة مثل بوينغ وأيرباص وسافران وهاني ويل، التي اختارت المغرب كمركز إنتاج وتصدير نحو الأسواق الأوروبية والأميركية.

وساعدت البنية التحتية المتطورة، لاسيما في المنطقتين الصناعيتين ميدبارك قرب الدار البيضاء ونور أرو في النواصر، على توفير بيئة ملائمة لتوطين هذه الاستثمارات.

صادرات القطاع حققت أداء لافتا خلال الثلث الأول من العام الجاري تجاوزت قيمتها 950 مليون دولار

واستطاع المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، استقطاب العديد من الشركات ليصل عددها إلى 142 شركة تشتغل في مجالات متنوعة، من تصنيع أجزاء الطائرات والمحركات، إلى الخدمات الهندسية وتجميع مكونات عالية الدقة، توفر نحو 20 ألف فرصة عمل.

وتهدف الحكومة إلى مضاعفة عدد الوظائف في قطاع الطيران بحلول عام 2030، في استكمال لمخطط شامل لترقية هذه الصناعة وجعلها جزءا أساسيا في التنمية الاقتصادية.

ويطمح البلد إلى صناعة طائرة كاملة تقلع من المغرب لأول مرة، وفق مزور، خاصة أن البلاد ضمن لائحة الدول العشرين المصنعة لأجزاء طائرات دوليا.

وتقدر مساهمة القطاع بما يقارب مليار دولاري سنويًا من الصادرات، كما يتمتع بمعدل إدماج محلي يتجاوز 40 في المئة، وهو رقم يعكس تطور الخبرة الصناعية المغربية وقدرتها على المنافسة الدولية.

ويعكس معدل النمو السنوي الذي يحققه القطاع، والذي يتجاوز في بعض الفترات 15 في المئة، ثقة المستثمرين في استقرار الإطار التنظيمي وجودة الكفاءات المحلية.

ومن بين أبرز المؤشرات الإيجابية التي تعزز مكانة المغرب في هذه الصناعة هو التقدم الكبير في الموارد البشرية، حيث تم إنشاء معاهد متخصصة مثل معهد مهن الطيران (آي.أم.أي)، الذي يواكب حاجيات السوق عبر تأهيل مهندسين وفنيين مهرة بمعايير عالمية.

ويقول المتابعون للشأن الاقتصادي المغربي إن هذا الاستثمار في الرأسمال البشري ساهم بشكل واضح في تعزيز ثقة الشركاء الدوليين وضمان جودة الإنتاج.

ورغم الإنجازات المحققة، لا تزال أمام الصناعة الجوية المغربية تحديات تتطلب معالجة مستدامة، مثل تعزيز الابتكار المحلي، وزيادة الاستثمار في البحث والتطوير، وتحسين تكامل سلاسل التوريد المحلية.

كما يظل الرهان الأكبر هو توسيع قاعدة المزودين المحليين لتقليل الاعتماد على الواردات وتحقيق استقلالية أكبر في إنتاج مكونات الطائرات.

11