رياح الحكومة الموازية في السودان تهب على حزب الأمة القومي

حزب الأمة القومي ينخرط في تحالف "صمود" الذي يقوده رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك.
السبت 2025/03/01
جذور الخلافات داخل حزب الأمة تعود إلى مشكلات بنيوية

الخرطوم - طالت ارتدادات التوقيع على ميثاق سياسي يقود لتشكيل سلطة موازية في السودان، حزب الأمة القومي وهو من أقدم الأحزاب في البلاد، بعد أن شارك رئيسه فضل الله برمة ناصر في التوقيع على ميثاق الحكومة المزمع تشكيلها في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.

واتخذ الحزب عبر مؤسساته موقفا داعما نحو الانخراط في تحالف “صمود” الذي يقوده رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك، المنبثق عن تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) وله موقف رافض من الانضمام لأي من طرفي الصراع الرئيسيين، وهما الجيش وقوات الدعم السريع.

وتسارعت وتيرة القرارات داخل الحزب عقب قرار مؤسسة الرئاسة في الحزب بسحب الثقة من فضل االله برمة، مساء الاثنين، قبل أن يُصدر الأخير قرارا في اليوم التالي بإنهاء تكليف نواب ومساعدي الرئيس ومستشاريه وإلغاء مهامهم.

وقرر برمة إعادة تعيين وتشكيل مؤسسة الرئاسة على أسس جديدة على أن يتم التشاور مع رئيس المكتب السياسي والأمين العام حول ترتيبات الدعوة لعقد مؤتمر عام استثنائي، معتبرا ما صدر باسم مؤسسة الرئاسة مخالف لدستور الحزب ولا يعبر عن مؤسساته المنصوص عليها في دستوره.

إمام الحلو: الأزمة الحالية لن تقود إلى تفتت حزب الأمة القومي
إمام الحلو: الأزمة الحالية لن تقود إلى تفتت حزب الأمة القومي

تعبر القرارات الصادرة من مؤسسات مختلفة داخل الحزب أن وحدة القرار غائبة وأن الانقسامات التي كانت واضحة منذ بدء الحرب على مستوى القواعد وصل تأثيرها إلى رأس الحزب، ومهددة بتفكيك العمل داخله ككيان موحد، وأن انشطاره إلى أحزاب صغيرة أمر ليس مستبعدا، خاصة أن جذور الخلافات ترجع لوجود مشكلات على مستوى البنية الدستورية للحزب، التي لم تتطرق إلى مسألة قيادة الحزب بوفاة زعيمه الراحل الصادق المهدي.

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وحزب الأمة يعاني مشكلات قادت لوجود مراكز قوى، بعضها يدعم هذا الطرف وذاك فيما اختارت مجموعة تشكل عصب الحزب أن تمضي في طريق القوى المدنية التي عملت على الضغط لوقف الحرب دون الانحياز لأي من طرفي الصراع، غير أن الانتماءات السياسية والعائلية والقبلية لبعض القيادات ساهمت في تصاعد حدة الخلافات.

ويعتبر البعض هذه التطورات انعكاسا لأوضاع السودان بوجه عام في هذه المرحلة التي يبدو فيها قادته وزعماء الأحزاب غير قادرين على التوحد خلف مشروع بعينه يحافظ على وحدة البلاد ويقوض مشروعات التقسيم.

وقال رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي إمام الحلو إن الأزمة الحالية لن تقود إلى تفتت حزب الأمة وهناك محاولات لإنهاء الخلافات وإيجاد حل سريع يُرضي جميع الأطراف، لأن القرارات التي جرى اتخاذها بعد وفاة الصادق المهدي قبل خمس سنوات، خاصة أن مسألة اختيار رئيس الحزب كانت وفقا للعرف وليس الدستور الذي لم يتطرق لآلية انتقال السلطة حال وفاة رئيس الحزب.

وأضاف الحلو في تصريح لـ”العرب” أن مؤسسة الرئاسة التي تضم خمسة من نواب الرئيس الراحل بينهم فضل الله برمة، وتسعة مساعدين له، ومستشاران، جرى تعيينهم مباشرة من جانب الرئيس السابق اتفقوا على أن يتم تكليف اللواء برمة وحولوا هذه التوصية إلى مجلس التنسيق الذي يضم رؤساء الأجهزة المركزية ومهمته التنسيق بين الأجهزة المختلفة، وأقر التوصية وأرسلها إلى المكتب السياسي لإجازتها.

وأوضح أن الأوضاع سارت على المستوى المؤسسي بلا أزمات قبل أن تظهر خلافات في إدارة العمل بين الرئيس المكلف ونواب مؤسسة الرئاسة عند اندلاع الحرب منذ نحو عامين، وأدى ذلك إلى شلل في عمل الحزب على مستوى الأجهزة المركزية، ومن إفرازاته أن شارك رئيس الحزب في تظاهرة نيروبي السياسية دون الرجوع إلى المؤسسات، فيما كان موقف الحزب الذي صدر به بيان رسمي هو رفض الانضمام للحكومة الموازية والاستمرار في تحالف “صمود.”

وشدد على أن مؤسسة الرئاسة التي أصدرت توصية بتكليف رئيس الحزب اجتمعت وقررت سحب تكليفه، وحسب الإجراءات يفترض أن يتم رفع هذه التوصية إلى مجلس التنسيق، لكن ظهرت مشكلة أن هذا المجلس الذي يدعو إليه رئيس الحزب المكلف لم ينعقد، ما جعل بيان المكتب السياسي الصادر بإنهاء تكليف رئيس الحزب صائبا.

وتكمن خطورة ما يجري في حزب الأمة أن رئيسه فضل الله برمة ناصر لديه علاقات أسرية في جنوب كردفان سهلت مهمة انحيازه إلى الميثاق السياسي الذي تشارك فيه الحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو، بجانب بعض قيادات الحزب في دارفور والنيل الأبيض والأزرق، ما يشي بالواعز القبلي.

ولن تكون التعقيدات التنظيمية داخل الحزب سهل تجاوزها، لأنها ارتبطت بحالة من الاستقطاب الحاد في السودان، وأن مواقف الشخصيات السياسية لن يكون من السهل التراجع عنها، فهي على صلة بتحركات انطلقت بالفعل نحو خلق واقع سياسي جديد في البلاد، كما أن التحالفات السياسية التي كان ينضوي داخلها الحزب وحافظت على التوحد بشأن تحركات القوى السياسية مجتمعة أصابها تفتت.

◙ تحالف الميثاق التأسيسي رابع التحالفات النشطة في الساحة السودانية حالياً بجانب تحالف القوى المدنية الديمقراطية المعروف باسم "صمود" ويتألف من أكثر من 70 كيانًا سياسيًا ومهنيًا وأهليًا

أصبح تحالف الميثاق التأسيسي رابع التحالفات النشطة في الساحة السودانية حالياً، بجانب تحالف القوى المدنية الديمقراطية المعروف باسم “صمود”، ويتألف من أكثر من 70 كيانًا سياسيًا ومهنيًا وأهليًا، وهو الأكبر والأكثر تأثيرا.

وتحالف “الكتلة الديمقراطية”، انبثق عن التحالف الحكومي السابق “قوى الحرية والتغيير” وأيد الانقلاب على السلطة المدنية في أكتوبر 2021، ويؤازر الجيش في معاركه.

ويشكل التحالف الرابع بعض القوى التي ترفض الانخراط مع التحالفات الثلاث ويقودها الحزب الشيوعي وكيانات تدعو لاستعادة ميثاق قوي للحرية والتغيير.

وتعاني جميع الكيانات السياسية والأهلية من اصطفافات حادة، وتحالف “صمود” ذاته رغم أنه أخذ الموقف الرافض للحكومة الموازية لكنه بقي في المعسكر الأقرب لقوات الدعم السريع ويعاني أيضا من تباينات مع ميل البعض نحو دعم الجيش، وأن المشهد برمته يتجه نحو مزيد من الانقسام.

ومنذ أن اندلاع الحرب حدثت انشقاقات عدة في صفوف الأحزاب السياسية والحركات المسلحة، ويشير الوضع الراهن إلى أن بعض الحركات شهدت انقسامات بفعل الموقف الأخير من الحكومة الموزاية، وهو ما حدث في حركة العدل والمساواة التي انقسمت بعد الحرب إلى جناح جبريل إبريل وجناح سليمان صندل قبل أن يشهد الأخير انشقاق مجموعة من المنتمين إليه رفضوا التوقيع على الميثاق التأسيسي في نيروبي.

2