رولان غاروس تستعيد نبضها بعد أعوام من الضياع

انطلقت منافسات بطولة فرنسا المفتوحة “رولان غاروس“ بين نجوم اللعبة في العالم وبمظهر جديد هذا العام في مسعى من القائمين على هذه البطولة العالمية توفير كل الضمانات من أجل إعادة النبض لهذه البطولة العالمية التي عانت سنوات طويلة من التجاذب.
باريس - قبل بضعة أيام انطلقت منافسات بطولة فرنسا المفتوحة في كرة المضرب “رولان غاروس” فاسحة المجال أمام رهان كبير لا يمكن التكهن بمآلاته بين نجوم الكرة الصفراء على اللقب الأغلى في العالم لكلا الجنسين.
لكن بدءا وقبل الخوض في المنافسات وسباق العمالقة الكبار نحو اللقب لا بد من الإشارة إلى الأجواء الإيجابية التي أدخلت على مكان إقامة هذه المنافسة في فرنسا.
فبعد أعوام من المعارك القانونية والتهديدات بالانسحاب من ملاعبها التاريخية، ظهرت بطولة فرنسا المفتوحة في كرة المضرب بحلتها الجديدة في 2019، بمقارنة مع برج إيفل وملعب جديد يحمل اسم مقاتلة في الحرب العالمية الثانية، ومساحات خضراء تكفي لإثارة حسد أشد المدافعين عن البيئة.
مظهر جديد
بعد مرور تسعين عاما على إنشائه، تم هدم الملعب الرئيسي لبطولة فرنسا المفتوحة “فيليب شاترييه” بعيد انتهاء نسخة عام 2018. ونفذت الأشغال بسرعة على مدى 12 شهرا لإعادة بنائه بالكامل تقريبا وإجراء أعمال الدعم للسقف القابل للإغلاق والذي سيكون جاهزا لنسخة 2020 من ملعب البطولة الوحيدة بين الغراند سلام المقامة على ملاعب ترابية.
وقال المدير العام للاتحاد الفرنسي لكرة المضرب جان فرانسوا فيلوت إن الهيكل المعدني يزن نصف هيكل برج إيفل، أي حوالي 3700 طن.
وسيسمح السقف بخوض المباريات الليلية، وإن كانت رولان غاروس لا تزال تحتاج إلى خطوات إضافية للحاق بالبطولات الثلاث الأخرى.
فبطولة أستراليا المفتوحة في ملبورن توفر ثلاثة ملاعب مغطاة، بينما تضم كل من ويمبلدون الإنكليزية وفلاشينغ ميدوز الأميركية ملعبين بسقف قابل للإغلاق.
وتوسعت مساحة ملعب فيليب شاترييه الذي تتسع مدرجاته لـ15 ألف شخص، واستبدلت المقاعد البلاستيكية الخضراء اللون القديمة بأخرى خشبية.
وحدها الأرضية الرملية الحمراء الشهيرة للملعب، حيث شَرع أمثال الإسباني رافاييل نادال، الصربي نوفاك ديوكوفيتش، السويسري روجيه فيدرر، الأميركية سيرينا ويليامس، اليابانية ناومي أوساكا والرومانية سيمونا هاليب في المنافسة عليها، لم تتغير.
وقال جيل جوردان، رئيس مشروع التحديث الذي يعتقد أنه كلف 350 مليون يورو “لقد قمنا بحمايته، وقمنا بوضع لوح خرساني عليه طوال فصل الشتاء أثناء العمل”.
بخلاف المفاجأة التي أحدثتها بوتابوفا بإقصائها كيربر من الدور الأول، فإن مسار جميع اللاعبات يتواصل ولكن بترنح
وأضاف “لكن رائحة السيد لاكوست لا تزال تفوح هنا” في إشارة إلى واحد من أعظم الأسماء في تاريخ كرة المضرب الفرنسية، رينيه لاكوست الفائز ثلاث مرات برولان غاروس خلال العشرينات من القرن الماضي.
وتشهد نسخة هذا العام أيضا إقامة مباريات لأول مرة على “ملعب سيمونّ-ماتيو” الذي يتسع لخمسة آلاف متفرج، وسمّي كذلك تكريما لبطلة مقاومة في الحرب العالمية الثانية والبطلة السابقة في رولان غاروس.
وكانت أعمال التطوير محط جدل لقرب الملاعب من حديقة “جاردان دي سير دوتوي”، إحدى أكثر المساحات الخضراء المحببة لسكان باريس.
ولم ينجح الاتحاد الفرنسي لكرة المضرب سوى في مايو من العام الماضي، وبعد خمس سنوات من المعارك القانونية المريرة مع دعاة حماية البيئة والسكان الذين كانوا يشعرون بالقلق من تأثير مثل هذه الأعمال على البيوت الزجاجية الزراعية التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.
وفي مرحلة من المراحل، لوّح منظمو رولان غاروس بالانتقال إلى خارج العاصمة لبناء ملاعب جديدة في الضواحي.
لكن تم بناء الملعب، محاطا بأربعة بيوت زجاجية زراعية تضم “نظاما بيئيا للنباتات فريد من نوعه” من القارات الأربع (أميركا الجنوبية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وأستراليا)، بحسب المنظمين. وبقي ملعب سوزان لينغلن الذي يتسع لعشرة آلاف متفرج دون تغييرات كبيرة لكن سيتم هدمه بمجرد انتهاء نسخة 2019.
وفي تغييرات أخرى هذا العام، شهدت المنطقة الغربية لملعب سوزان لينغلن أيضا تحولا جذريا من خلال ستة ملاعب جديدة تم إنشاؤها لتعزيز الملعب الرقم 14 الذي انضم إلى ملاعب رولان غاروس في 2018.
نجوم كبار
بين “الملك” رافاييل نادال صاحب الألقاب الكبيرة في هذه المسابقة العالمية والعملاق روجيه فيدرر اللذي لا يقل شراسة عن منافسيه إضافة إلى المخضرم نوفاك ديوكوفيتش يجمع المتابعون على أن دورة هذا العام ستكون مختلفة عن سابقاتها بالنسبة للتنافس بين الرجال.
وتوقع المحللون أن يشكل السويسري روجيه فيدرر والإسباني رافايل نادال أبرز عائقين أمام طموحات الصربي نوفاك ديوكوفيتش في أن يصبح ثاني لاعب فقط في التاريخ يجمع مرتين كل ألقاب البطولات الكبرى في كرة المضرب، وذلك مع انطلاق منافسات رولان غاروس الفرنسية.
وفي ثاني البطولات الكبرى عام 2016، أكمل ديوكوفيتش المصنف أول عالميا حاليا، “غراند سلام” كرة المضرب، عندما توج على الملاعب الفرنسية بلقب أضافه إلى الألقاب الثلاثة الأخرى التي حملها تواليا: ويمبلدون الإنكليزية وفلاشينغ ميدوز الأميركية في 2015، وبطولة أستراليا المفتوحة في مطلع 2016.
وفي 2019، يدخل الصربي وفي حوزته أيضا الألقاب الثلاثة بعد فترة تمكن فيها من العودة إلى صدارة التصنيف العالمي والألقاب الكبيرة، وآخرها تتويج سابع بلقب بطولة أستراليا في ملبورن مطلع عام 2019.
لكن صاحب 15 لقبا في البطولات الكبرى، يجد نفسه أمام تحد كبير في رولان غاروس يمثله نادال المصنف ثانيا عالميا و“سيد” الملاعب الترابية ورولان غاروس حيث توج بـ11 لقبا (رقم قياسي)، وفيدرر العائد إلى البطولة الفرنسية التي أحرز لقبها مرة وحيدة في 2009، لمشاركة أولى منذ عام 2015.
لكن ديوكوفيتش الذي أتم الثانية والثلاثين من العمر، يقلل من شأن فرصته بجمع الألقاب الأربعة، علما وأن تتويجه في فرنسا للمرة الثانية سيجعله يقطع نصف الطريق نحو نيل “غراند سلام 2019”.
وفي العام الماضي، توقفت مسيرة ديوكوفيتش في فرنسا عند ربع النهائي على يد الإيطالي ماركو تشيكيناتو، علما وأن المجهود البدني الذي بذله الصربي في رولان غاروس دفعه الى التفكير بالغياب عن ويمبلدون.
وبالنسبة إلى فيدرر (37 عاما)، بقيت رولان غاروس البطولة التي أحرز لقبها مرة وحيدة فقط، في مقابل تتويجه ست مرات في أستراليا، ثماني مرات في ويمبلدون، وخمس مرات في فلاشينغ ميدوز.
وهذا العام، اختار فيدرر العودة إلى الدورات الترابية، وهو يشارك في رولان غاروس في الذكرى العاشرة للقبه، طامحا إلى أن يصبح أكبر لاعب على مر التاريخ يحرز لقب بطولة كبرى.
لم تكن الملاعب الترابية المفضلة بالنسبة إلى السويسري، وهذا ما بدا واضحا أيضا في مشاركاته بالدورات على هذه الأرضية هذا العام، إذ خرج من الدور ربع النهائي في مدريد، وروما حيث انسحب بعد بلوغه قبل الدور ذاته بسبب إصابة في الساق اليمنى.
ويبقى نادال في مرتبة أخرى في رولان غاروس. 11 لقبا، 86 فوزا مقابل خسارتين فقط. ودخل بطولة العام الحالي معززا بلقب تاسع في دورة روما، وانفراد بالرقم القياسي لعدد ألقاب دورات الماسترز مع 34. وفي مواجهة ديوكوفيتش على ملاعب العاصمة الإيطالية، حقق الإسباني لقبه الأول هذا العام بعدما خرج من الدور نصف النهائي في ثلاث دورات متتالية هي مونتي كارلو، برشلونة، ومدريد.
وفي الدورتين الأخيرتين، خسر نادال أمام النمساوي دومينيك تييم واليوناني ستيفانوس تسيتسيباس على التوالي، وهما لاعبان أظهرا قدرتهما على حمل “شعلة” الملاعب الترابية يوم يقرر الإسباني (32 عاما) اعتزال اللعبة.
واعتبر فيدرر أن ثمة جيلا جديدا من لاعبي كرة المضرب الذي ينفذون الضربات الخلفية بيد واحدة، مثل تييم الرابع عالميا وتسيتسيباس السادس، “قادرون على مواجهة بعد ضربات نادال” الذي يستخدم اليد اليسرى ويمتاز بتأثير الدوران السريع في ضرباته.
وفي المقابل، لا يزال متابعو كرة المضرب ينتظرون المزيد من الألماني الشاب ألكسندر زفيريف الذي ينظر إليه على نطاق واسع كأبرز أسماء الجيل الصاعد في كرة المضرب، لكنه لم يتمكن بعد من عبور الدور ربع النهائي في بطولة كبرى، وبلغه العام الماضي في رولان غاروس تحديدا.
وقال الألماني طومي هاس إن زفيريف “فقد ثقته بنفسه، يغضب بشكل كبير، يتراجع، ويدمر نفسه (..) ما يحتاج إليه بشكل طارئ هو النجاح”.
أما بالنسبة للسيدات فإن الآمال معلقة على المصنفة الأولى عالميا نعومي أوساكا بأن تبلغ أدوار متقدمة، إضافة إلى التشيكية كارولينا بليسكوفا والرومانية سيمونا هاليب والمخضرمة سيرينا وليامس.
وبخلاف المفاجأة التي أحدثتها الشابة الروسية أناستازيا بوتابوفا في بداية المسابقة العالمية بإقصائها الألمانية أنجيليك كيربر المصنفة خامسة عالميا من الدور الأول. فإن مسار جميع اللاعبات يتواصل ولكن بترنّح غير معتاد في ملاعب التنس الترابية.
وللمباراة الثانية على التوالي كانت المصنفة الأولى عالميا نعومي أوساكا على حافة الخروج المبكر من البطولة، لكنها كافحت وتعافت من بداية سيئة لتهزم فيكتوريا أزارينكا 4-6 و7-5 و6-3.
وتتطلع أوساكا إلى تحقيق لقبها الثالث على التوالي في البطولات الأربع الكبرى بعد أميركا وأستراليا لكنها تمضي بصعوبة في باريس.
طموحات كبيرة
يعول العملاق ديوكوفيتش على خبرته الواسعة لفرض السيطرة وبلوغ أدوار متقدمة في هذه البطولة ولمَ لا الفوز بلقبها. وقال ديوكوفيتش “إنها بطولة طويلة، تستغرق أسبوعين. لديّ طموحات كبيرة جدا هنا، ولكن يتعين عليّ البقاء مركزا على المباراة المقبلة”، مضيفا “أنا قوي جدا وسعيد بالمباراة التي قدمتها”.
وفي 2019، يدخل الصربي، صاحب 15 لقبا كبيرا في مسيرته حتى الآن، وفي حوزته أيضا الألقاب الثلاثة بعد فترة تمكن فيها من العودة إلى صدارة التصنيف العالمي والألقاب الكبيرة، وآخرها تتويج سابع بلقب بطولة أستراليا في ملبورن مطلع عام 2019.
ويعد هذا الإنجاز نادر الحدوث في فردي الرجال، إذ لم يحققه سوى الأميركي دون بادج (1938)، والأسترالي رود لايفر (1962 و1969، مع الإشارة إلى أنه حقق الألقاب الأربعة في العام ذاته)، ما يضع ديوكوفيتش أمام فرصة أن يصبح ثاني لاعب في التاريخ والأول منذ خمسة عقود، يجمع الألقاب الأربعة للمرة الثانية.
أما بالنسبة إلى فيدرر فإنه اعتبر نفسه “غير مرشح” لإحراز اللقب، وقال إنه لا يود أن يضع توقعات عالية على نفسه مع عودته إلى بطولة فرنسا المفتوحة للتنس بعد غياب 4 سنوات على الأراضي الرملية.
وفاز فيدرر، الذي كان قد خاض مباراته الأخيرة في رولان غاروس عام 2015، وتفوق على الإيطالي لورينتسو سونيغو 6-2 و6-4 و6-2 في أول مباراة على الأراضي الرملية في باريس ليصعد إلى الدور الثاني.
وفيدرر هو المصنف الثالث خلف نادال وديوكوفيتش لكنه يأتي خامسا في المراهنات على إحراز اللقب في ظل وجود توقعات أعلى أيضا من دومينيك تيم وستيفانوس تيتيباس.
وقال فيدرر “من الجيد أن أكون غير مرشح. هذا ما أشعر به في كافة الأحوال. هذا ليس استعراضا أقدمه. هذه هي الحقيقة”. وأضاف “في الواقع أنا لا أعرف حقا إلى أي مدى سيكون بوسعي الوصول في هذه المسابقة وأنا سعيد جدا بأدائي في الدور الأول”.
وأضاف “أعتقد أنه كان عرضا جيدا حقا من جانبي في ظل عدم اللعب هنا منذ فترة طويلة”. وأكد فيدرر، الذي حصل على 20 لقبا في البطولات الأربع الكبرى وكان تتويجه الوحيد في رولان غاروس عام 2009، أنه يستمتع بالابتعاد قليلا عن الأضواء هذه المرة.
وقال “أشعر أني إذا خسرت في الدور الأول أو النهائي أو بغض النظر عما سيحدث (هذا العام) فإن الناس ستتقبل ذلك وتقول حسنا يمكن لذلك أن يحدث. أحب هذا التوجه معي”.
بطولة رولان غاروس ستظل شاهدة على من يسعى لحفر اسمه عميقا في ملاعبها الترابية، ورغم أن التوقيت لا يزال مبكرا لترشيح هذا أو الحكم على مردود تلك، إلا أن المتابع لمعظم الأخبار الواردة من الحدث الرياضي يستشف ملاحظة وحيدة وهي أن الكبار فقط هم من يقاومون على الملاعب الترابية.