روسيا وأوكرانيا والغرب.. عندما تنتصر الرعونة والجنون

نحن نعيش في عالم أرعن، حقيقةً، ومن دون مبالغات. الرعونة هي السياسة، حتى بين من كنتَ تفترض أنها قوى عظمى. ولقد انتحرت الكياسة. وأصبح السلوك الهمجي والعدوانية المفرطة هما الأساس في التعامل بين ذوي المصالح الكبرى.
قلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الطاولة على الغرب، ولكنه قلب الطاولة على نفسه أيضا. هذا واحد من أدلة الرعونة التي وقفت لتواجه رعونة مضادة، في عالم لا يوقفه شيء عن ارتكاب الحماقات، سوى الخوف من الدمار الشامل. هذا الخوف فقط هو الرادع. لا يوجد رادع آخر، لا ثقافي ولا سياسي ولا أخلاقي.
أجواء الهستيريا في موسكو كما في العواصم الغربية هي التي صنعت الانقلاب. فأطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العنان لطاقة العدوان كلها، ليبدأ الهجوم، ويزيد الجنون إلى حد المطالبة بنزع سلاح أوكرانيا ومحاكمة مسؤوليها. فإذا ما قال إنه لن يهاجم المدن الأوكرانية، فإما لأنه يكذب من جديد أو لكي يتحاشى حرب شوارع.
ولكن لم يبق هناك حد يمكن الوقوف عنده. ولئن تقف أوكرانيا في مواجهة هذا العدوان، من دون دعم عسكري مباشر من جانب الذين ورّطوها بورطة طلب عضوية الأطلسي، فإن العقوبات ليست مما يردع بوتين عن بناء واقع جديد على الأرض، والتفاوض على ما بعده. والرعونة هي ما سوف يظل يفرض نفسه. لأنها هي السياسة الآن.
رعونة بوتين
بين ليلة وضحايا تبدلت اللغة في موسكو من الاعتراف بسيادة أوكرانيا على أراضيها إلى الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في إقليم دونباس، ومن نكران رغبة روسيا في غزو أوكرانيا إلى غزوها بالفعل، ومن عصابات مسلحة موالية لموسكو إلى "جمهوريات مستقلة"، ومن ثم إلى قصف يصل إلى أقصى غرب أوكرانيا.
كان الأمر مجرد تكرار لما فعله بوتين في جورجيا في العام 2008، عندما صنع عصابتين مسلحتين تخوضان حربا بسلاح سوفياتي ثم اعترف باستقلال جمهوريتي "أوستيا الجنوبية" و"أبخازيا" اللتين لم يعترف باستقلالهما أحد أكثر من كيانات لا يعترف بها أحد.
الرهان على عصابات مسلحة على غرار العصابة التي يقودها ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا، لاستئناف الإمبراطورية السوفياتية، يعني أن روسيا بوتين قطعت الصلة تماما في أن تكون قوة عظمى حديثة، تفرض نفوذا بوسائل ناعمة، وتقدم نموذجا حضاريا مختلفا عن النموذج الحضاري الذي يقدمه الغرب. وهذه نكسة حقيقية، لأنها تعني أن روسيا "قوة عظمى" ولكن ليس لديها مشروع يوازي قوتها. الصين في وضع أفضل من هذه الناحية؛ فهي تتقدم إلى العالم بمشروع للتنمية على الأقل. فبماذا يتقدم بوتين؟ لا شيء حقيقة، إلا عقلية العصابة. حتى ليبدو هو نفسه زعيم عصابة لا أكثر.

غياب المشروع أفقد روسيا القدرة على استعادة أوكرانيا من الغرب. وهذه أكبر خسارة يمكن أن يحققها قيصر روسي لبلاده. ومحاولة استملاكها بالحرب لن تعيدها إلى حظيرته بالفعل. لديه خرفان آخرون. ولكن أوكرانيا لن تكون بينهم، ولو أطيح بسلطتها الراهنة بالقوة.
بوتين يكرر فقط خطيئة غزو تشكوسلوفاكيا عام 1968، عندما نشأت معارضة للسياسات الستالينية، ولكن روسيا فقدتها منذ ذلك الوقت، قبل أن ينتحر الاتحاد السوفياتي هو نفسه بعد 23 عاما.
العلاقات التاريخية بين روسيا وأوكرانيا، في الدين والثقافة والسياسة، جعلت من الشعبين الروسي والأوكراني شعبا واحدا. حتى أن بوتين كان على بعض الحق عندما قال "إن أوكرانيا لم تكن دولة". في الواقع كانت دولة صنعها الروس! بدوافع من الحب والتمازج الفريد. وكان يمكن، لو كان لروسيا مشروع حضاري معقول، أن تستعيد أوكرانيا مما انحازت إليه. ولكن بوتين قال تلك الجملة كإهانة. أراد أن يهين "شعبه" الآخر، فأهان روسيا وأهان نفسه، وأهان كل ذلك التاريخ، دفعة واحدة.
أربعة ملايين مواطن يدينون بالولاء المطلق لروسيا في إقليم دونباس، فضلا عن نحو نصف مجموع السكان البالغ 44 مليون نسمة في أوكرانيا، كان بوسعهم أن يخوضوا معركة من نوع آخر لبقاء أوكرانيا تدور في "الفلك الروسي". المشكلة الوحيدة التي لم ينجح بوتين في حلها هي أن هذا "الفلك" ليس سوى انتماء إلى عصابة ستالينية النزعة. وهو ليس سوى مشروع لإقامة أنظمة فساد واستبداد على غرار نظام نور سلطان نزارباييف في كازاخستان الذي ظل يفوز في كل انتخابات كما يفوز بشار الأسد.
فقط أنظمة العصابة هي التي، عندما تتخذ رهينة وتتفاوض على رأسها، تنقلب فجأة لتقرر قتلها وتقطع التفاوض. وهذا ما فعله بوتين، وكأنه إما أنه ظل يكذب على طول الخط، وإما أنه تصرف بدوافع غريزية. وهذا مؤشر على مأساة من مآسي الجنون.
كان العالم ما يزال ينتظر لقاء القمة الجديد بين بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن. فرص الحصول على صفقة ظلت قائمة. الأطلسي قدم إشارات على استعداده لتقديم بعض التنازلات. والرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي قدم إشارات مماثلة على إمكانية التراجع عن رغبة بلاده في الانضمام إلى الحلف. ولكن بوتين وضع المسدس على رأس الضحية وأطلق النار فورا، ونفخ دخان الفوهة تاركا للعالم أن ينظر في العواقب.
المشكلة الأهم هي أن روسيا التي نهضت من كبوتها، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، إنما نهضت بفضل التحاقها بالغرب، اقتصاديا على الأقل. هذا الالتحاق هو ما أغرى الأطلسي بأن يتمدد في أوروبا الشرقية. فالفكرة التي ظلت سائدة في الغرب حتى العام 2014 هي أن روسيا أصبحت جزءا من "الحضارة الغربية"، وأنه لم يعد مؤثرا أن يتمدد الأطلسي إلى موسكو نفسها، ليس فقط لأن هذه الحضارة هي "الإنسان الأخير ونهاية التاريخ"، بل لأن الأطلسي هو درعها العسكري أيضا.
المشكلة الأهم هي أن روسيا التي نهضت من كبوتها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، إنما نهضت بفضل التحاقها بالغرب. هذا الالتحاق هو ما أغرى الأطلسي بأن يتمدد في أوروبا الشرقية
ولكن روسيا لم تلتحق بهذه الحضارة. ولا اقترحت على نفسها حضارة بديلة. فقط أخذت بالمنافع الاقتصادية، كأي انتهازي، ثم انقلبت عليها، لا أكثر ولا أقل.
بوتين، برغم كل ما يُعرف عن شخصيته، ليس ممّن يمكن اعتباره مفكرا، ولا مثقفا؛ إنه رجل سلطة. مصارع أكثر منه مثقفا. ولذلك لم يكن بوسعه ولا بوسع سلطته المطلقة أن يتقدمَا بتصور سياسي أو ثقافي جديد يتحدى التصور الغربي السائد.
هذا هو السبب الذي جعله يراهن على القوة.
هناك اليوم مَنْ لاحظ غرابة مشيته، التي تُبقي يده اليمنى أقل حركة من يده اليسرى. إنها حركة ضابط يجعل يده اليمنى قريبة من المسدس. هذا هو بوتين. إنه قيصر ومسدس. لا شيء أكثر من ذلك، على الإطلاق. وهو لم يُوظّف استقرار سلطته للتأمل في نموذج قابل للحياة لروسيا ولمن يدورون في فلكها. لا يوجد فلك بالمعنى الحضاري أصلا. الفلك السابق تفكك، بعد أن غمره غبار الفشل. ولم ينشأ فلك جديد جدير بأن يتبعه أحد.
وهذا هو ما يجعل الرعونة في موسكو هي السياسة.
وزير خارجية مثل جان إيف لودريان، ولأنه فرنسي الثقافة، ألغى اجتماعا كان منتظرا بينه وبين وزير خارجية بوتين، بما يكفي من الإيجاز: "الاجتماع لم يعد ذا صلة".
اللياقة الفرنسية لم تعد تسمح بإجراء حوار تفرضه الانقلابات المفاجئة. ربما لتقول فرنسا: على الأقل هناك لياقة كان يجب أن تحترم جهد الوساطة الذي بذله الرئيس إيمانويل ماكرون.
رعونة الغرب
ولكن الرعونة التي فرضت نفسها في موسكو، إنما ظلت تناظر رعونة مضادة على الطرف الآخر لخدعة "التوازنات الاستراتيجية".
إذ بلغت الهستيريا في الولايات المتحدة وأوروبا حدا غير مسبوق، ليس لأن هناك حشدا عسكريا روسيا على الحدود مع أوكرانيا، بل لأن هناك دوافع عداء مسبقة لروسيا هي التي جعلت الغزو يبدأ، واحتلال كييف يتم، والعواقب الوخيمة تُفرض.
كانت المخيّلة هي التي تشتغل على جميع الجبهات.
وزيرة الخارجية البريطانية ليزا تراس اكتفت بتقديم الحماقة والجهل، عندما حاولت استعراض بعض جوانب الهستيريا في موسكو.
جلست السيدة تراس أمام نظيرها الروسي سيرغي لافروف لتطالبه بسحب القوات الروسية من الحدود مع أوكرانيا. وعندما رد لافروف بأن هذه القوات منتشرة في أراض روسية كررت تراس الطلب. فسألها “عما إذا كانت لندن تعترف بسيادة روسيا على مقاطعتي روستوف وفورونيج الواقعتين في جنوب روسيا على حدود أوكرانيا”، فردت على الفور "لن تعترف بريطانيا بسيادة روسيا على هذين الإقليمين"، مما اضطر السفيرة البريطانية في موسكو، التي حضرت اللقاء، إلى أن تتدخل لتقول لرئيستها إن "هاتين المقاطعتين روسيتان".
لم تكن المسألة مسألة جهل، على الإطلاق؛ فالكل كان يعرف حتى ذلك الوقت أن القوات الروسية لم تتخط الحدود بعد. ولكن ما دفع تراس إلى سحب اعتراف بريطانيا بسيادة روسيا على بعض أراضيها هو الهستيريا.
تراس لم تمثل في الواقع إلا صورة لحماقة رئيسها بوريس جونسون؛ فهو اندفع لكي يمارس كل استفزاز ممكن من أجل أن يغطي على مشاكله الداخلية، ومن أجل أن يُنفّس عن ضغائن اندلعت عندما قام ضابطان روسيان بمحاولة تسميم عميل المخابرات الروسية السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سولسبري في العام 2018، وتحولت المسألة في لندن إلى هستيريا تواكب الهستيريا الأميركية، فاندفعت لشن حملة مشتركة لطرد الدبلوماسيين الروس.
الغرب يرسل وزيرة خارجية بريطانيا ليزا تراس للحديث مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف وهي لا تعرف أي شيء عن جغرافية روسيا أو جغرافية أوكرانيا
هذه الهستيريا صناعة أميركية خالصة. وهي ليست صناعة إعلام. إنها صناعة مؤسسة سياسية وعسكرية تجعل من معاداة روسيا نوعا من "عقيدة"، لا تحدد معالم "العدو" فحسب وإنما تحدد معالم "الوطنية" أيضا؛ فأن تكون أميركيا يجب أن تعتبر روسيا عدوا. نقطة رأس السطر. هكذا تجري الأمور في واشنطن. وأحد أهم أسباب انقلاب المؤسسة العسكرية السياسية على الرئيس السابق دونالد ترامب إنما يعود إلى أنه أظهر اللين حيال نظيره الروسي، بينما كانت تلك المؤسسة تزيد العقوبات على موسكو.
وكان موقف ترامب الشخصي من بوتين إحدى أهم القضايا التي استخدمها جو بايدن لانتقاد سلفه والسخرية منه والتشكيك في وطنيته.
نوع من زلات الاعتراف اللاإرادي غير المباشر بالحقيقة هو الذي دفع بايدن إلى القول “إننا لا نعادي روسيا ولا الشعب الروسي”. وهو يكذب طبعا. لأنه في هذه القضية بالذات لا يملك إلا أن يكذب.
الامتناع عن تمدد الأطلسي في أوروبا الشرقية كان من بين التعهدات التي قُطعت لروسيا في العام 1991. إلا أنها خُرقت، ثم خُرقت، حتى كادت تصل إلى كييف.
روسيا لم تساعد نفسها حضاريا عندما التحقت بالغرب اقتصاديا، هذا صحيح. ولكن الغرب لم يساعدها أيضا، ببقاء سياسات الاستعداء ضدها قائمة.
أربع سنوات من سلطة الرئيس ترامب، كانت الكراهية ضد روسيا هي التي تغلي في واشنطن. ولم يكن بوسع موسكو إلا أن تشم الروائح التي اعتبرت تفكك الاتحاد السوفياتي والتحاق روسيا بعجلة الاقتصاد الرأسمالي مجرد إعلان هزيمة، في بلد كان يُفترض أن يظل مهزوما وتابعا.
روسيا، حتى وإن ضعفت، ظلت بيئة التصورات الإمبراطورية فيها معيارا من معايير معرفة النفس. ذلك أمر لم تلاحظه الرعونة العسكرية في البنتاغون.
ولكن ماذا تفعل لعقيدةٍ ظلت تحكمُ رؤوسَ مؤسسةٍ لا يعرفون وطنيتهم إلا إذا كان وجهها الآخر: معاداة روسيا؟
ماذا تفعل للثور عندما يهيج في محل للخزف؟
قبل أيام أثارت مجلة الإيكونوميست البريطانية مسألة "الإهانات الدبلوماسية" كعلامة من علامات التوتر الذي يحل الانزعاج والغضب محل اللغة الهادئة، من دون أن تلاحظ أن الهستيريا الأميركية مرضٌ معدٍ، ولا يُبقي متسعا للعقل.
ذكّرت المجلة بأحد النماذج، عندما كال الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز سيلا من الشتائم للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، فخاطبه في كلمة متلفزة عام 2006 بالقول "أنت جاهل وحمار ورجل خطير، وجبان وقاتل ومسؤول عن العديد من الإبادات الجماعية، فضلا عن كونك مدمنا على الكحول وكذّاب".
السؤال الأهم: متى يكون للولايات المتحدة رئيس لا يمتلك هذه الصفات؟
رعونة أوكرانيا
ولم تكن الرعونة أقل في كييف، عندما لم تأخذ بتحفظات روسيا، وعندما انزلقت لتسمع نصائح الأميركيين، وعندما فشلت في أن تبني نظاما سياسيا يمكنه أن يحتوي طرفي النزاع السياسي الداخلي الموالي لروسيا والمناهض لها. وها هي الآن تدفع ثمن العلاقة مع مجانين على الجانبين.
النزاعات التي نشأت بين روسيا وأوكرانيا، بعد الانفصال، كانت تشبه نزاعات زوجين عاشا في حب ووئام لعدة قرون قبل أن يجد الزوجان نفسيهما مُطلقين بحكم واقع جغرافي وسياسي جديد فرضته عليهما الظروف.
الآن تستطيع أوكرانيا أن تلاحظ أنها هي التي تدفع ثمن عقيدة معاداة روسيا.
الهستيريا صناعة أميركية خالصة. وهي ليست صناعة إعلام. إنها صناعة مؤسسة سياسية وعسكرية تجعل من معاداة روسيا نوعا من العقيدة
لمدة 24 عاما من بعد الانفصال لم تكن هناك أي مشاكل بين "الطليقين". إلا أن تغذية روح العداء كانت عملا متواصلا تقوم به أجهزة الدعاية الأميركية من أجل تحريض أوكرانيا على روسيا. وعندما نجحت هذه الأجهزة في صنع انقلاب سياسي بدأ بـ"الثورة البرتقالية" في العام 2004 وبالإتيان برئيس موال للغرب وراغب في انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وتاليا إلى الحلف الأطلسي، وهو ما تكرس في العام 2014؛ فقد تحوّل زواج الوئام التاريخي إلى عداوة اضطرت موسكو بسببها إلى أن تطالب بحقوقها الشرعية على الأقل، وذلك بأن تستعيد شبه جزيرة القرم، وبأن تسدد أوكرانيا ثمن الغاز المجاني الذي ظلت تتلقاه من روسيا. كما اضطرت إلى إنشاء خط غاز بديل "السيل الشمالي - 1"، الأمر الذي حرمَ الطليق من عائدات ترانزيت تبلغ 3 مليارات دولارات سنويا. فبينما كانت روسيا تصدر عبر خطوط الغاز الأوكرانية (وهي في الأصل خطوط روسية) نحو 90 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا، انخفض التصدير إلى نحو 30 مليار متر مكعب.
عقيدة معاداة روسيا لا تصلح اقتصاديا لأوكرانيا، كما أنها لا تصلح ثقافيا أيضا؛ فالبلدان في النهاية قطعة تاريخية واحدة إلى حد بعيد، امتزج وجودهما في السياسة والأدب، ليس بأقل مما امتزج بالمصالح التي ظلت على طول الخط مائعة الحدود.
لقد كان يجب على أوكرانيا أن تستذكر التاريخ لكي لا تنحدر إلى ما يجعلها عدوا، فتستفز ورثة القياصرة.
استقلال أوكرانيا الذي اتكأ على الالتحاق بالاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي لم يلحظ أنه هش، وأنه ما يزال بحاجة إلى أن يرتكز على أسس أعمق، تغرس قيم الديمقراطية والتعددية، بدلا من أن تشحذ عوامل الانقسام الداخلي. كما أنها لم تنظر، إلا بعد فوات الأوان، إلى ما وقع في جورجيا في العام 2008، ولم تتعلم الدرس. غرقت فقط وسط نخبة مجانين غلبت عليهم الهستيريا الموالية لروسيا أو المعادية لها.
لقد أظهرت هذه الأزمة كم أننا نعيش في عالم أرعن. وكم أنه خطير. وكم أن المسدس الذي حل محل الفكر والثقافة يمكنه أن يطلق النار في أي لحظة. وهو ما حصل بالفعل.