روسيا توسع موانئها لزيادة حصتها العالمية في سوق الحبوب

وضعت روسيا خطة قصيرة المدى من أجل إحكام السيطرة على سوق الحبوب العالمية، ولاسيما في ما يتعلق بمادة القمح، إذ شرعت في توسيع موانئها على بحر البلطيق لتجنب خطوط الشحن الموجودة في مرمى تقاطع نيران الحرب مع أوكرانيا أملا في الوصول إلى أسواق جديدة توفر لها إيرادات أكبر.
موسكو – كشف مسؤولون ومديرون تنفيذيون الأربعاء أن روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، توسع موانئها على بحر البلطيق مع سعيها إلى تعزيز الصادرات الزراعية بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2030 مع تقليل الاعتماد على طرق البحر الأسود التقليدية.
وتتطلع الدولة، التي صدرت ما لا يقل عن 72 مليون طن من الحبوب في موسم 2023 – 2024، إلى أسواق جديدة في أميركا اللاتينية وأفريقيا لتنويع أسواق الحبوب التقليدية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
واعتمدت موسكو على موانئها على البحر الأسود للتعامل مع الصادرات الزراعية المزدهرة على مدى العقود الماضية، لكن الصراع مع أوكرانيا جعل المنطقة محفوفة بالمخاطر للشحن مع قيام الجانبين بضرب مرافق وبنية تحتية كل منهما بانتظام.
وتخوض روسيا منذ أواخر فبراير 2022 حربا مع أوكرانيا، تسببت في ضغط كبير على الاقتصاد العالمي بسبب ارتفاع الأسعار وخاصة الوقود الأحفوري، وما رافقها بعد ذلك من موجة تشديد نقدي على مستوى البنوك المركزية أملا في كبح التضخم الجامح.
وقالت كسينيا بولوماتوفا، نائب رئيس تكتل الزراعة الحكومي أو.زد.كي، الذي يمتلك العديد من محطات البحر الأسود، في تجمع صناعي في سوتشي في جنوب روسيا لرويترز “أظهر العام الماضي بحصاده القياسي أنه مع وتيرة التحميل للصادرات، ليست لدينا طاقة كافية”.
وفي الأشهر الثمانية عشر الماضية، أطلقت روسيا ميناءين رئيسيين، فيسوتسكي ولوغابورت، في خليج فنلندا، ليس بعيدا عن سانت بطرسبرغ، مسقط رأس الرئيس فلاديمير بوتين.
وشحن فيسوتسكي أول حبوبه في أبريل 2023، بينما بدأت لوغابورت عملياتها في يونيو من هذا العام. ومن المتوقع أن تصل السعة إلى 7 ملايين طن بحلول أوائل عام 2025، وفقا لمالكها نوفابورت.
وقال ديمتري ريلكو من شركة الاستشارات الزراعية إيكار إن “الميناءين سيكونان قادرين على التعامل مع ما يصل إلى 15 مليون طن من الصادرات الزراعية، بما في ذلك الحبوب، سنويا”.
وهذا من شأنه أن يمثل ربع صادرات الحبوب الروسية المتوقعة لموسم 2024 – 2025 والتي تبلغ حوالي 60 مليون طن. وتخطط شركة بريمورسكي يو.بي.كي الخاصة أيضا لإنشاء محطة حبوب في ميناء بريمورسكي بسعة تصل إلى 5 ملايين طن.
وحدد الرئيس بوتين هدفا لزيادة الصادرات الزراعية بنسبة 50 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي كجزء من إستراتيجية لتعزيز مكانة البلاد كقوة عظمى زراعية جنبا إلى جنب مع البرازيل والولايات المتحدة والصين.
وأصبحت روسيا أكبر مصدر للقمح والذرة والشعير والبازلاء في العالم في العقد الماضي، ولكن المزيد من النمو قد يكون مقيدا بسبب الاختناقات في سعة الشحن، وأيضا الأسعار.
وأعلنت العديد من الموانئ الروسية عن خطط لتعزيز السعة بعد الحصاد القياسي في العامين الماضيين. ومن المتوقع أن تتوسع محطات بحر البلطيق بمعدل أسرع.
وقالت شركة نوفوترانس في تعليق عبر البريد الإلكتروني لرويترز إن “توسيع سعة محطات بحر البلطيق هو مسألة تتعلق بالأمن الاقتصادي والنقل والسيادة”.
ولم تشهد تدفقات التجارة والشحنات الروسية حتى الآن أي اضطرابات كبيرة في بحر البلطيق، حيث ينتمي 96 في المئة من الساحل إلى أعضاء الناتو، بما في ذلك فنلندا والسويد.
وعلى النقيض من ذلك، تتزايد الاضطرابات في البحر الأسود ويمكن أن تقلل من إمدادات الحبوب العالمية، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي. وقبل أسبوعين، أصيبت سفينة أوكرانية تحمل حبوبا إلى مصر بصاروخ.
وفي أغسطس الماضي، أكدت السلطات المحلية الروسية أن أوكرانيا أغرقت عبارة تحمل خزانات وقود في ميناء القوقاز، والذي يستخدم أيضا لإعادة شحن الحبوب.
وصدرت روسيا 62 مليون طن من الحبوب عن طريق البحر في الموسم الزراعي الأخير مع مرور 90 في المئة من الإمدادات عبر البحر الأسود، ومعظمها إلى أسواق المنطقة العربية. ومن المقرر أن تنخفض هذه الحصة مع نمو البنية التحتية لبحر البلطيق.
وتم تحميل موانئ بحر البلطيق 1.5 مليون طن من الحبوب في الموسم الماضي، وهو ما يزيد ثلاثة أضعاف عن الموسم السابق، لكنه لا يزال يمثل 2.4 في المئة فقط من إجمالي الصادرات الروسية، وفقا لحسابات رويترز بناء على بيانات متاحة للجمهور.
وقالت داريا سنيتكو، نائب رئيس بنك غازبروم، أحد أكبر البنوك الروسية وأحد أكبر المقرضين للمزارعين، إن “من الناحية اللوجستية، يتمتع بحر البلطيق بالعديد من المزايا لصادرات الحبوب”.
وأوضحت أن قدرة محطات البلطيق على التعامل مع السفن الأكبر حجما من شأنها أن تساعد في خفض التكاليف الإجمالية.
وأضافت “الإمدادات من بحر البلطيق تتفوق على (اقتصاديات) الشحنات من منطقة بحر آزوف والبحر الأسود عند التجارة مع دول في أفريقيا خارج البحر المتوسط وكذلك آسيا”.
أرسل فيسوتسكي الحبوب إلى الجزائر والبرازيل وكوبا ومالي والمكسيك والمغرب ونيجيريا وتونس، وفقا لبيانات شركة الخدمات اللوجستية روساغروترانس.
وقبل أسبوع تراجعت أسعار القمح مع تفاقم ضعف الطلب الأوروبي وتحسن الطقس في الولايات المتحدة، ما طغى على تأثير خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأميركي.
وانخفضت العقود المستقبلية في بورصة شيكاغو 0.6 في المئة، لتوسع سلسلة الخسائر التي استمرت على مدى الجلسات الأربع السابقة، بسبب تراجع الصادرات من القمح اللين إلى أوروبا وتحسن الظروف الجوية لزراعة القمح الشتوي في الولايات المتحدة.