روسيا تكسر شوكة أردوغان بتجميد ملف إدلب

أكد مراقبون أنه لا يمكن وصف توافق روسيا وتركيا على الكثير من الملفات المحورية رغم الخلافات بشأن تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة إدلب السورية، بأنه تعبير عن حلف استراتيجي بينهما، فرغم التقاء البلدين على طاولات تسويات سياسية وعسكرية وشراكات اقتصادية منذ زمن، إلا أنهما يشكلان تحالفا للضرورة تقتضيه المصالح.
إدلب (سوريا) - حذر محللون سياسيون من دخول العلاقات الروسية التركية مرحلة مقعدة خلال الفترة المقبلة بخصوص التسوية المبرمة بين الطرفين حول الأزمة السورية ولاسيما في ما يتعلق بالهدنة في محافظة إدلب.
واعتبر هؤلاء أن اتخاذ موسكو خطوة من جانب واحد بشأن ملف إدلب يهدف على الأرجح إلى الضغط أكثر على الرئيس رجب طيب أردوغان من أجل احترام اتفاق الهدنة وعدم الزج بالمزيد من القوات التركية في الأراضي السورية.
وقالت مصادر دبلوماسية إن روسيا قررت مؤخرا تجميد اتفاق الهدنة في المحافظة السورية باعتبارها أهم مشكلة للعلاقات الروسية التركية، فيما لا تسعى أنقرة بالمقابل إلى حلّ هذه المشكلة بالكامل، والتي وصلت إلى مرحلة حرجة، من خلال تعزيز مواقعها على جبهة إدلب، في الوقت الذي كثفت فيه القوات الروسية من خطوات نقل الأسلحة إلى سوريا.
وتسعى أنقرة جاهدة لإيقاف زحف قوات نظام بشار الأسد على إدلب للحفاظ على خزانها من الجهاديين الذين تراهن عليهم في عملياتها التوسعية في المنطقة.
وتتزامن الخطوة الروسية مع تأكيد المرصد السوري لحقوق الإنسان دخول رتل عسكري جديد الجمعة تابع للقوات التركية نحو منطقة خفض التوتر المتفق عليها بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره أردوغان.
وذكر المرصد على منصته الإلكترونية أن العشرات من الآليات العسكرية دخلت عبر معبر كفرلوسين الحدودي مع لواء إسكندرون واتجهت نحو المواقع والنقاط التركية في المنطقة.
وأوضح أنه مع استمرار تدفق الأرتال التركية إلى نقاط التماس مع قوات النظام السوري في إدلب، فإن عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد بلغ 2810 آلية، بالإضافة إلى الآلاف من الجنود.
وفي ضوء ذلك، ارتفع عدد الآليات العسكرية، التي وصلت منطقة خفض التصعيد خلال الفترة الممتدة من الثاني من فبراير الماضي وحتى الآن، إلى أكثر من 6215 آلية تشمل شاحنات ودبابات وناقلات جند ومدرعات ورادارات عسكرية.
في المقابل، بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب خلال تلك الفترة أكثر من عشرة آلاف جندي، وهو الأمر الذي يبدو أنه أثار حفيظة موسكو التي تعتبر حليفا لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
وقال الخبير البارز في شبكة تحليل العلاقات التركية – الروسية، إنغين أوزر، في مقال له نشرته أوراسيا إكسبرت الروسية إن “هذه المشكلة سوف تتفاقم في الصيف من جديد، لذا يجب حلها اليوم من خلال القنوات الدبلوماسية، فلا يمكن ترك هذا الجرح المتقيح لوقت لاحق”.
ولا يتوقع الباحث التركي تغييرات كبيرة في العلاقات بين البلدين بعد الوباء، إذ سوف تستمر جميع مشاريع الطاقة، فبناء محطة أكويو يقترب من نهايته، ويتم الانتهاء من إنجاز السيل التركي، وسوف تطرح مسألة مناقشة أوراسيا جديدة من دون نفوذ صيني.
وكان بوتين وأردوغان قد أعلنا في الخامس من مارس الماضي أنهما توصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب اعتبارا من 6 من الشهر نفسه، لكن ما لبث أن شكك المراقبون في نجاحه خاصة مع ظهور حسابات المصالح للطرفين هناك.
وجاء الاتفاق على خلفية المستجدات في إدلب إثر التصعيد الذي شهدته المنطقة، حيث بلغ ذروته بمقتل 34 جنديا تركيا أواخر فبراير الماضي، جراء قصف جوي لقوات النظام السوري على منطقة “خفض التصعيد”. وإثر ذلك أطلق الجيش التركي عملية “درع الربيع” ضد قوات النظام السوري في إدلب.
وفي ظلّ الأحاديث عن تخلّي موسكو أخيرا عن الأسد لمصلحة العلاقات الروسية التركية، نفت مصادر مطلعة أنه لا يوجد أي خبر دقيق حول هذه المسألة.
وتحدّث الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر عن الحملة الإعلامية الموجهة ضدّ الأسد في روسيا. وقال في مقال له نشرته صحيفة زافترا الروسية، إن كل ما يدور حول ذلك مجرد تخمينات وغير مستند على أسس رسمية.
وأوضح الشاعر أن كل المصادر التي تداولتها المواقع والصحف، ووصفتها بـِ”الرسمية” و”المقربة من الكرملين” وغيرهما من الأوصاف تنافي الحقيقة على أقل تقدير، وربما تحمل قدرا من سوء النوايا.
وأشار إلى أن كل ما نشر من آراء واستطلاعات جاء من مصادر غير رسمية، وعبّر عن رأي كاتبيه أو مثّل اجتهادات من محللين سياسيين يعبرّون عن رؤيتهم الشخصية، ليبدو الأمر وكأن السياسة الروسية من السذاجة والخفة بحيث تؤثر في دفتها خلافات فرعية بين الشركات الروسية والحكومة السورية حول قضايا أو مشاريع مختلفة.
واستغرب أنّ ذلك يأتي بعد كل ما حققته روسيا وسوريا معا على الأرض وفي أروقة الاجتماعات، وطاولات المفاوضات، بدءا من الأمم المتحدة ومرورا بجنيف وانتهاء بأستانة وسوتشي، لإنقاذ سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها. ويأتي بعد أن نجحت مجموعة أستانة، التي تضم روسيا وتركيا وإيران في التوصل إلى الوضع الراهن على الأرض.
ولم يستبعد مراقبون أن تكون انتقادات أردوغان لموسكو خلال الفترة الماضية وحديثه عن موت عمليتي أستانة وسوتشي مجرد توزيع أدوار يتشارك في لعبها مع بوتين.
وأشاروا إلى أن لهجة “الحزم” التركية باتت تستهدف بشكل مباشر موسكو بعد أن كانت الانتقادات توجه إلى دمشق والميليشيات التابعة لإيران، وتهدف إلى تهدئة الفصائل السورية القريبة من أنقرة والتي يعمل بعضها على إرسال الآلاف من مقاتليها نحو ليبيا لدعم الجهد التركي العسكري في دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج في طرابلس.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد جددت تأكيدها في وقت سابق هذا الأسبوع أن مسار أستانة يلعب دورا رياديا في الملف السوري، وهو ما اعتبره مراقبون ردا على التحشيد العسكري التركي المستمر والذي يضع الاتفاق على المحك.
وجاء ذلك الموقف في بيان عقب الاجتماع السابع لوزراء خارجية الدول الضامنة لمسار أستانة، بمشاركة وزراء الخارجية الروسي سيرجي لافروف والتركي مولود تشاووش أوغلو والإيراني محمد جواد ظريف، عبر تقنية مؤتمرات الفيديو.
ويتضمن مسار أستانة تفعيل كافة مكونات التسوية السورية، بما في ذلك استقرار الأوضاع على الأرض، وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، وحل المشاكل الإنسانية للمدنيين، فضلا عن الحوار السوري – السوري في إطار اللجنة الدستورية بجنيف.