روسيا تفتقر إلى الوسائل العسكرية لتحقيق أهدافها السياسية في أوكرانيا

استخدام الشتاء كسلاح قد يحقق لروسيا ما عجزت عن تحقيقه عسكريا.
الجمعة 2022/12/16
عوائق طبيعية توفر فرصة لإعادة تجهيز الروس

يرى مراقبون أن دخول الحرب الروسية – الأوكرانية أشهر الشتاء شديدة البرودة قد يخدم أهداف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السياسية والتي عجز عن تحقيقها عسكريا. ولا يرى هؤلاء أفقا قريبا لنهاية الحرب لكنهم يجزمون بأن إيقافها سيكون عبر المفاوضات في نهاية المطاف.

واشنطن - مع اقتراب دخول الحرب الروسية – الأوكرانية أشهر الشتاء شديدة البرودة، ربما تتغير الحسابات بعض الشيء في ظل وقائع ستفرض نفسها على سير الحرب هناك.

ويقول المحلل الإستراتيجي الأميركي هال براندز، وهو أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العامة في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية، “إن الشتاء الأوكراني سيكون قاسيا، لكنه لن يؤدي إلى توقف الحرب تماما”.

وتواجه كل من أوكرانيا وروسيا قرارات رئيسية يمكن أن تعيد تشكيل الصراع دبلوماسيا وعسكريا. ولعل الاحتمال الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة هو أن يشرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيرا في إظهار الذكاء الإستراتيجي الذي أظهره في الماضي.

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن بوتين يدرك بشكل متأخر شيئا كان واضحا تماما لأولئك الذين هم خارج شرنقة التملق في الكرملين، ألا وهو أن روسيا تفتقر إلى الوسائل العسكرية لتحقيق أهدافها السياسية في أوكرانيا.

هال براندز: الشتاء سيكون قاسيا، لكنه لن يؤدي إلى توقف الحرب
هال براندز: الشتاء سيكون قاسيا، لكنه لن يؤدي إلى توقف الحرب

وتطلق روسيا الصواريخ والذخائر بشكل أسرع من قدرة صناعتها الدفاعية الخاضعة لعقوبات شديدة على تجديدها.

وتكافح قواتها من أجل التمسك بمكاسبها المبكرة، ناهيك عن الاستيلاء على جميع الأراضي التي طالب بها بوتين بشكل غير قانوني وهزلي إلى حد ما لصالح روسيا.

ويقول براندز إن تهديدات بوتين بالتصعيد النووي فشلت في ردع أوكرانيا عن تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها روسيا، وآخر ذلك تم عبر هجمات الطائرات دون طيار على القواعد الجوية في عمق روسيا.

وعلى الرغم من كل القوى البشرية الروسية التي يفترض أنها لا نهاية لها، لا يستطيع بوتين حشد قوات إضافية تتجاوز ما يقرب من 300 ألف جندي استدعاهم في وقت سابق، دون استعداء السكان غير المبالين حتى الآن.

هذه المشاكل ليست جديدة، لكن استعداد بوتين للاعتراف بها (حتى بشكل غير مباشر) جاء في إطار اعترافه علنا الأسبوع الماضي بأن النصر مازال بعيدا.

ولذا فإن أفضل إستراتيجية يتبناها بوتين الآن هي إستراتيجية قاسية بشكل مميز ألا وهي استخدام الشتاء كسلاح.

وتستخدم روسيا الصواريخ والطائرات دون طيار والمدفعية ضد الشبكة الكهربائية الأوكرانية وغيرها من منشآت البنية التحتية الرئيسية لجعل السكان يعانون. وبعد انسحابها من خيرسون تولت القوات الروسية في الغالب الدفاع، في محاولة لدعم خطوطها ودمج الأفراد الذين تم حشدهم مؤخرا وكسب الوقت حتى الربيع.

وإذا تمكنت روسيا من إطالة أمد الصراع خلال فصل الشتاء، مع جعل الأمور غير سارة قدر الإمكان لأوكرانيا المنهكة وأوروبا الفقيرة في مجال الطاقة وواشنطن المشتتة بشكل متزايد، فربما تتصدع كييف والغرب.

وسيكون من الصعب تنفيذ الإستراتيجية بالنسبة إلى الروس، فالبلد الذي يشتهر بالازدهار في الشتاء يفتقر إلى الملابس الدافئة وحتى الطعام الذي ستحتاجه بعض قواته للصمود في الأشهر المقبلة. لكن هذا ليس جنونا، نظرا لافتقار بوتين إلى خيارات أفضل وبعض العلامات المتفرقة على شعور الغرب بالإرهاق بالنسبة إلى المساعدات.

يشعر بالقلق
يشعر بالقلق.. الإشارات من واشنطن ليست مطمئنة تماما

وأحد الأسباب التي تجعل الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى للحصول على حزمة مساعدات كبيرة لأوكرانيا الآن هو عدم اليقين بشأن مقدار المساعدات التي سيكون مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية على استعداد لتقديمها في عام 2023، ومن هنا جاءت تقارير تفيد بأن الإدارة الأميركية ستزود كييف ببطاريات الدفاع الصاروخي باتريوت.

ويجلب الشتاء خيارات صعبة لأوكرانيا أيضا؛ فقواتها منهكة من القتال العنيف. ومن منظور عسكري بحت يعتبر توقف العمليات أمرا منطقيا. ولكن من وجهة نظر سياسية ودبلوماسية، قد يكون الانتظار أكثر خطورة.

ومن المؤكد أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي يشعر بالقلق من أن حتى ظهور مأزق الشتاء قد يضخم التناقض الغربي. والإشارات من واشنطن ليست مطمئنة تماما، ففي الأسبوع الماضي أشار وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى أن الأولوية الأميركية هي مساعدة أوكرانيا على استعادة الأراضي التي كانت تحت سيطرتها في 24 فبراير، يوم الغزو، مع تأجيل القرارات المتعلقة بشبه جزيرة القرم والأراضي الأخرى المفقودة منذ عام 2014 إلى تاريخ لاحق.

وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي “إن أوكرانيا لا بد أن تبدأ المفاوضات قبل أن ينتهي بها المطاف في مستنقع على غرار الحرب العالمية الأولى. وقد يتخوّف زيلينسكي من خطر سياسي داخلي أيضا، إذا استراحت القوات الأوكرانية بينما يشعر السكان بمعاقبتهم بشكل أكبر”.

روسيا تطلق الصواريخ والذخائر بشكل أسرع من قدرة صناعتها الدفاعية الخاضعة لعقوبات شديدة على تجديدها

ويرى براندز أن الشتاء هو في الواقع وقت مناسب لتنفيذ الضربات، فعندما تتجمد الأرض يمكن للدبابات والشاحنات السفر على الطرق الوعرة، وقد يحاول زيلينسكي القيام بهجوم آخر.

ويتلخص أحد الخيارات في الاندفاع إلى منطقة زابوريجيا في الجنوب الشرقي لقطع الجسر البري الروسي إلى شبه جزيرة القرم، ومحاصرة جيب آخر من قوات بوتين، وإثبات أن المزيد من المساعدات الغربية ستمكّن من تحقيق المزيد من الانتصارات الأوكرانية.

والقرار صعب لأن كييف يجب أن توازن بين مخاطر التقاعس عن العمل ومخاطر الهجوم الفاشل. وسوف تصبح معضلة أوكرانيا أكثر حدة إذا اغتنم بوتين المبادرة الدبلوماسية من خلال اقتراح وقف إطلاق النار قبل الربيع.

ويقول براندز إنه لا شيء صادقا عن بوتين. ومن شأن وقف إطلاق النار ببساطة أن يخفف الضغط عن الجيش الروسي، ويسمح لصناعة الأسلحة في البلاد باللحاق بمطالب الحرب، ويجعل موسكو في وضع يسمح لها بتجديد الأعمال العدائية عندما يكون ذلك مناسبا. وسوف ترفض أوكرانيا عن حق عرضا يجمد المكاسب الروسية القائمة.

لكن المسؤولين الأميركيين يخشون أن تؤدي مثل هذه المناورة إلى تغيير اللعبة الدبلوماسية، من خلال إشعال معركة علاقات عامة عالمية حول من المسؤول عن إطالة أمد القتال. كما يمكن أن يعطي ذلك المنادين من حين لآخر بالتوصل إلى تسوية دبلوماسية، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شيئا كانوا يفتقرون إليه في السابق، وهو أيّ مظهر من مظاهر التعاون مع الكرملين.

ويقول براندز “على الرغم من أن الأمر قد يبدو غريبا، كانت أوكرانيا والولايات المتحدة محظوظتين في مواجهة خصمهما، بوتين المخدوع والبعيد عن التواصل والذي لم يفهم الفجوة بين أهدافه وموارده، أو قام بالتحركات الدبلوماسية التي من شأنها أن تضع منافسيه في الموقف الخطأ. وإذا تغيرت هذه الديناميكية، فستصبح الحرب مختلفة تماما”.

 

• اقرأ أيضا:

          بوتين أحد أكبر الخاسرين في 2022

5