روسيا تسعى لتجنيد الكوماندوز الأفغان لتعويض خسائرها البشرية في أوكرانيا

لا تزال روسيا تسعى لتعويض خسائرها البشرية على جبهة القتال الأوكرانية، لاسيما بعد فشل التعبئة الجزئية التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا. ويمثل تجنيد الميليشيات من خارج روسيا أحد الحلول لتعويض النقص البشري.
واشنطن - تتزايد التقارير التي تفيد باستعانة موسكو بمقاتلين أجانب لدعمها في حربها، فيما دخلت الحرب الروسية – الأوكرانية شهرها التاسع دون آمال في وقفها على المدى المنظور رغم وجود مساع جانبية.
وأفادت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن ثمة محاولات روسية لتجنيد الكوماندوز الأفغان للقتال في أوكرانيا، نقلا عن مقاتلين سابقين قالوا إنه تم الاتصال بهم عبر خدمتي الرسائل واتساب وسيغنال، وإنهم يعتقدون أن شركة الأمن الروسية الخاصة فاغنر وراء هذه الحملة، وإن ما يصل إلى 10 آلاف كوماندوز أفغاني سابقين قد يكونون على استعداد لقبول عرض فاغنر، لاسيما في ظل شعورهم بتخلي الولايات المتحدة عنهم عقب انسحابها من أفغانستان في منتصف أغسطس 2021، وعودة حركة طالبان للحكم في كابول.
وأشارت المجلة إلى أن أفراد فيلق الكوماندوز بالجيش الوطني الأفغاني الذين تخلت عنهم الولايات المتحدة والحلفاء الغربيون عندما سقطت البلاد في أيدي طالبان العام الماضي، تُقدّم لهم عروض سخية للانضمام إلى الجيش الروسي للقتال في أوكرانيا.
وتقول مصادر عسكرية وأمنية أفغانية إن “قوة المشاة الخفيفة التي دربتها الولايات المتحدة، وقاتلت إلى جانب القوات الخاصة الأميركية وغيرها من القوات الخاصة المتحالفة معها طوال ما يقرب من 20 عاما، يمكن أن تحدث فرقا تحتاج إليه روسيا في ساحة القتال الأوكرانية”.
الكوماندوز الذين تخلت عنهم واشنطن عندما سقطت كابول تقدم لهم عروض بالانضمام إلى الجيش الروسي
وأنفقت الولايات المتحدة نحو 90 مليار دولار لبناء قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية. وعلى الرغم من أن القوة ككل لم تكن تتمتع بالكفاءة، وسلمت البلاد لـطالبان في غضون أسابيع، فإن الكوماندوز كانوا دائما يحظون باحترام كبير، بعد تدربهم مع القوات الخاصة الأميركية والبريطانية.
ونقلت الكاتبة لين أودنيل عن مسؤول أفغاني سابق أنه على يقين بأن مجموعة فاغنر الروسية هي المسؤولة عن تجنيد روسيا للقوات الخاصة الأفغانية، وعلق قائلا “من الأفضل أن يستخدمهم الحلفاء الغربيون في القتال إلى جانب الأوكرانيين”.
ونسبت الكاتبة إلى مصدر عسكري آخر قوله “ليس لديهم بلد ولا وظائف ولا مستقبل، ليس لديهم ما يخسرونه. الأمر صعب، فهم ينتظرون العمل مقابل 3 إلى 4 دولارات في اليوم في باكستان أو إيران، أو 10 دولارات في اليوم في تركيا، وإذا جاءت فاغنر أو أي جهاز استخبارات آخر إلى أحدهم وعرضت عليه ألف دولار ليكون مقاتلا مرة أخرى، فلن يرفض، وإذا وجدت رجلا واحدا للتجنيد فيمكنه أن يأتي بنصف وحدته القديمة للانضمام لأنهم مثل الإخوة، وسرعان ما يكون لديك فصيل كامل”.
وتستخدم رسائل التجنيد الصياغة نفسها، بحسب أودنيل، وذلك يوحي بأنها عملية مركزية، ويُطلب من متلقي الرسائل المساعدة في تجنيد أعضاء آخرين في وحداتهم، كما أن عروض التجنيد تشمل الجنسية الروسية، كما ذكر التلفزيون الأفغاني.
ونشرت روسيا أكثر من 500 مقاتل سوري في أوكرانيا لأداء أدوار غير قتالية في المقام الأول، وكلّفتهم بحماية المنشآت في لوغانسك ودونيتسك في الأشهر القليلة الماضية.
وقالت مصادر غربية إنَّ المقاتلين المتمرّسين ينتمون أساسا إلى وحدات موالية للحكومة السورية، تدعمها وتدرّبها وتديرها روسيا في القتال ضد قوات المعارضة السورية وتنظيم داعش الإرهابي.
وصرَّح مسؤول سوري تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني بأنَّ “روسيا جنَّدت السوريين بمن فيهم مقاتلون سابقون من خلال قواتها الخاصة وشركة المقاولات العسكرية الخاصة سيئة السمعة فاغنر، ونقلتهم إلى أوكرانيا”. ومع ذلك، اعتبر العديد من المراقبين هذا التصريحَ محاولة لتخويف أوكرانيا ودول أوروبية أخرى في الأيام الأولى للصراع.
وتأتي هذه التقارير في ظل استعانة طرفي الحرب الروسية – الأوكرانية بمقاتلين أجانب لتعزيز القدرات العسكرية لكل طرف في مواجهة الآخر، حتى باتت هذه الظاهرة نمطا معتادا في الحرب الجارية.
وصرح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في مارس الماضي خلال اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بأن موسكو تلقت أكثر من 16 ألف طلب من أشخاص في دول الشرق الأوسط للمساعدة في القتال في أوكرانيا.
وأخفقت روسيا منذ بدء غزوها لأوكرانيا عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها الرئيس بوتين، على ما حصل في الميدان، لاسيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي وشنوا هجمات معاكسة مؤخرا، ما عقّد حسابات القيادة الروسية.
وتسعى روسيا من خلال غزو أوكرانيا لإعادة الهندسة الأمنية في أوروبا، حيث تريد تطويع وإعادة هيكلة هندسة الأمن الأوروبي بما يحقق مصالحها التي تتبنى نظرية المجال الحيوي، وهي النظرية التي اكتنفها النسيان في القانون الدولي.
النظام في إيران لا يتحمل خسارة روسيا في الحرب، لأنها ستنعكس عليه بكوارث حقيقية، وخاصة بعد أن اشترك سلاحها بالمعركة
وفي ما يخص أهمية استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا لتحقيق التوازن العسكري في أرض المعركة، يرى خبراء عسكريون أن الضربات الصاروخية الأخيرة من قِبل موسكو ستزيد بالتأكيد من الضغط على حلفاء أوكرانيا الغربيين، لاسيما بعد أن شملت الضربات المرافق الحيوية ومواقع في كييف وغيرها من المدن.
ويعاني الجيش الروسي من نقص في العنصر البشري، وهو نقص مؤثر في ميدان المعركة، حيث كابر الرئيس الروسي طيلة الأشهر الأولى من غزوه بوصف حربه بعملية عسكرية خاصة، وذلك منعا لإعلان تعبئة وتجنيد قوات من الاحتياط ليس سهلا تدريبها وتجهيزها في أتون معركة حامية.
ومنعا لتفاقم نقمة شعبية في الداخل الروسي، ودرءًا لمخاطر تعطيل حركة الاقتصاد والإنتاج الذي رزح تحت عقوبات غربية قاسية، بدأ بوتين بإعلان التعبئة الجزئية لتعويض الخسائر البشرية الهائلة في صفوف قواته بين قتيل وجريح وأسير.
وفي البداية استعانت موسكو ببضعة آلاف من المرتزقة السوريين فقط، لأن الحرب كانت في بدايتها، بل لإثبات أن شعوبا من خارج الاتحاد الروسي تؤيدها في حربها ضد النظام الدولي.
ومن جهة أخرى، لا يتحمل النظام في إيران خسارة روسيا في الحرب، لأنها ستنعكس عليه بكوارث حقيقية، وخاصة بعد أن اشترك سلاحها بالمعركة، وستعمل، وفق مراقبين، على مساعدة الروس في تجنيد المرتزقة من الشيعة خاصة لأن لها خبرة وافية في تجنيد الميليشيات وتدريبها.