روسيا تستنجد ببوليوود وآسيا واللاتينيين لتعويض هوليوود

تعليق هوليوود طرح أفلامها في روسيا يحرج أكبر سوق سينمائية أوروبية.
الجمعة 2022/04/08
قطاع السينما في روسيا بصدد التغيّر جذريا

أسفرت الحرب الروسية - الأوكرانية عن تداعيات ثقافية لا تكاد تتوقف، فبالتزامن مع توغل القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية دعت هيئات ثقافية مثل أكاديمية السينما الأوكرانية المجتمع السينمائي الدولي إلى مقاطعة الأفلام الروسية، وهو ما تفاعل معه مهرجان ستوكهولم السينمائي الذي أقصى الأفلام الروسية، بينما سحب مهرجان غلاسكو فيلمين روسيين، وتواصلت التداعيات مع قرار إمبراطورية الإنتاج السينمائي الأميركية هوليوود تعليق طرح أفلامها في روسيا.

موسكو - عندما علمت ميلا غريكوفا بتعليق هوليوود طرح أفلامها في روسيا رفضا لغزو قواتها “غير المبرر” لأوكرانيا، أدركت على الفور حجم انعكاسات هذه القرار.

فغريكوفا التي تعمل في ترجمة الأفلام الأميركية، أصبحت عاطلة عن العمل منذ قرار الشركات الهوليوودية الخمس العملاقة -ديزني ويونيفرسال وسوني بيكتشرز ووورنر براذرز وباراماونت- عدم عرض إنتاجاتها في روسيا.

وتتساءل غريكوفا عن الغرض من هذه العقوبات قائلة “الغرب هو الذي أكرهه اليوم وليس فلاديمير بوتين الذي يستهدفونه”.

معاناة مستمرة

قرار هوليوود جاء ليشكل ضربة للقطاع السينمائي في روسيا الذي كان آخذا في التعافي من آثار جائحة كوفيد – 19

تقول المترجمة البالغة 56 عاما تعليقا على الفكرة المطروحة في روسيا وهي استبدال الأفلام الأميركية بإنتاجات بأخرى هندية “قد تحل بوليوود محل هوليوود، ولكن بالنسبة إليّ، فات أوان تعلم اللغة الهندية”.

ولا يقتصر الأمر على حالة غريكوفا وحدها، بل يعاني قطاع الإنتاج السينمائي في روسيا برمّته من تداعيات غزو أوكرانيا، إذ جاء قرار هوليوود ليشكل ضربة للقطاع الذي كان آخذا في التعافي من آثار جائحة كوفيد – 19.

وبات مصير الإنتاج السينمائي في روسيا رهنَ العقوبات هذه المرة، وهي التي كانت تشكّل السوق الأولى للأفلام السينمائية الأوروبية، إذ بلغ عدد الذين حضروا الأفلام العام الماضي 145.7 مليون شخص، وفق المرصد السمعي البصري الأوروبي.

وقبل قرار الشركات الهوليوودية، كانت شركة “موسفيلم ماستر” الروسية تتولى دبلجة ما معدله عشرة أفلام أجنبية شهريا.

أما اليوم، فخسرت “ثلثي الطلبيات”، وفق قول مديرها ييفغيني بيلين. ويقول بيلين ملخّصا الحال “خلال الجائحة، كانت لدينا أفلام، ولكن لم تكن لدينا دور سينما مفتوحة. أما اليوم فدور السينما تعمل، ولكن لا توجد أفلام”.

ونبهت الرابطة الروسية لأصحاب دور السينما في مطلع مارس من أن نصف هذه الصالات قد تقفل لأنها معرّضة “لخسارة ما يصل إلى 80 في المئة من إيراداتها” بسبب ابتعاد هوليوود عن السوق الروسية.

وتستعد “موسفيلم ماستر” في محاولة منها للتكيف والاستمرار، لتوظيف مترجمين كوريين وصينيين، مع أن مديرها يشك في أن تستحوذ الأفلام الآسيوية على اهتمام الروس بسبب الاختلافات الثقافية. ويقول هذا المتخصص البالغ 70 عاما “الغربيون أقرب إلينا”.

وتعتبر السينما الروسية واحدة من أربع سينماءات قومية، ويقصد بها السينما الإيطالية والسينما الألمانية، بالإضافة إلى السينما الأميركية، لكن هذه الأخيرة صارت تمتلك الحركة الدائمة التي لا تتوقف عن الابتكار والإبداع في قوالب حداثية مستمرة، ما حقق لها الانتشار الجماهيري الكبير مقارنة بغيرها، وحقق لها الصدارة في سوق الأعمال السينمائية.

استكشاف النفس

خلال الجائحة كانت في روسيا أفلام ولكن بلا دور سينما مفتوحة أما اليوم فدور السينما تعمل ولكن بلا أفلام
خلال الجائحة كانت في روسيا أفلام ولكن بلا دور سينما مفتوحة أما اليوم فدور السينما تعمل ولكن بلا أفلام

إلا أن أولغا زينياكوفا (37 عاما)، وهي رئيسة سلسلة “كارو”، إحدى أكبر أربع شبكات سينما روسية، ترى أن “الوضع صعب للغاية، لكنه ليس كارثيا”.

وتضيف “منذ دخول إنتاجات هوليوود إلى روسيا، قبل 30 عاما، مررنا بالكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية، إضافة إلى الجائحة”.

منذ بدء الهجوم على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير، انخفض عدد المشاهدين في صالاتها الخمس والثلاثين بنسبة 70 في المئة مع أن متوسط سعر التذكرة 300 روبل (حوالي 3.5 دولار) لم يتغير منذ خمس سنوات.

وتبدي رئيسة الشبكة التي تملك صالة بسعة 1500 مقعد هي من الأكبر في أوروبا، ارتياحها إلى ما وعدت به الدولة الروسية لجهة مضاعفة دعمها المالي لإنتاج الأفلام، وتخفيف الأعباء الضريبية وتكلفة استئجار الصالات لعرض الإنتاجات الروسية.

وتتوقع أولغا زينياكوفا أن يساهم حرمان الروس مشاهدة الإنتاجات الأميركية الكبرى في جعلهم “يستكشفون أنفسهم بعمق أكبر”، مستشهدة على ذلك بالنجاح الذي حققته إعادة عرض فيلم “برات” (الأخ) الروسي الشهير الذي أنتج في تسعينات القرن العشرين.

وتتهيأ سلسلة الصالات التي تملكها زينياكوفا هي الأخرى لعرض أفلام آسيوية، وكذلك من أميركا اللاتينية.

وترى أن “السوق الروسية لن تبقى على ما هي اليوم، وكذلك جمهورها، عندما تعود هوليوود” إليها.

لم يفاجئ ابتعاد هوليوود عن روسيا بافيل دوريولي (44 عاما) الذي ينتج أستوديو “أتموسفيرا” الذي يملكه مناخات صوتية لنحو 15 فيلما سنويا.

ويلاحظ مصمم الصوت هذا الذي أصبح منذ عام 2020 عضوا في منظمة “مولفي الصوت للسينما” الدولية أن “السينما العالمية كانت لسنوات رهينة للسياسة الكبرى”.

ومهرجانا كان وبرلين الدوليان اللذان أدانا الغزو الروسي لأوكرانيا “لم يعودا يكافئان الأفلام، بل مواقفها”.

ويتوقع أن “يتخلى الروس الذين حُرموا المشاركة في المهرجانات الدولية، عن سينما المؤلِف التي تقدم رؤية مختلفة للعالم، وهي ثمينة جدا اليوم”.

13