روسيا تستثمر تعثر التصورات الأميركية في الأزمة السودانية

موسكو تضع عينيها على الخرطوم وتريد إطلالة لها على البحر الأحمر، وتجد في السودان بوابة مناسبة لتحقيق الهدف.
السبت 2023/07/01
البرهان يناور لمقاومة الضغوط

الخرطوم - أرسلت روسيا إشارات مبطنة بشأن إمكانية مساهمتها بدور نشط لتسوية الصراع الدائر في السودان بين قوات الجيش والدعم السريع خلال استقبالها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار، مستفيدة من تعثر الوساطة الأميركية - السعودية وعدم فعالية الضغوط والإغراءات التي تمارسها واشنطن على طرفي الصراع.

وتجس موسكو النبض للتدخل بعد أن وجدت الفرصة مهيأة للمشاركة في عملية وقف إطلاق النار في ظل تعثر العديد من الجهود الإقليمية والدولية حتى الآن، مستثمرة في ما تملكه من روابط جيدة مع قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).

ولفت عقار الجمعة، إلى أن الوفد السوداني الذي يزور موسكو تحدث مع وزير الخارجية سيرجي لافروف حول القضايا السياسية وإنهاء الحرب، ولم يتحدث عن توريد الأسلحة، وتلقى وعدًا بتلقي السودان الدعم والمساعدات الإنسانية.

وطلب عقار مساعدة روسيا في إنهاء الحرب في السودان، وأطلع لافروف خلال الاجتماع معه على خارطة الطريق لحل الأزمة، وقال "نحن نعتبر روسيا دولة صديقة ونطلب منها تقديم مساعدات اقتصادية وإستراتيجية أيضا".

سيرجي لافروف: روسيا تتابع الوضع في السودان بقلق ومستعدة للمساعدة في حل النزاع
سيرجي لافروف: روسيا تتابع الوضع في السودان بقلق ومستعدة للمساعدة في حل النزاع

وأكد لافروف الخميس، أن روسيا تتابع الوضع في السودان بقلق ومستعدة للمساعدة في حل النزاع، وتجري بعثتها الدبلوماسية بالخرطوم اتصالات مع الأطراف المعنية.

وبدأ نائب رئيس مجلس السيادة جولة موسعة شملت دولا عدة في المنطقة لشرح الموقف السياسي والعسكري والإنساني قادته إلى موسكو، في محاولة لكسب تعاطف مع البرهان بعد تزايد المطبات التي يواجهها الجيش السوداني في الميدان وكثافة الخسائر التي تكبدها وصعوبة الحسم بالأدوات العسكرية.

ويقول مراقبون إن وصول عقار إلى موسكو جاء بعد تلقي الخرطوم رسائل إيجابية منها تبدي استعدادها للتدخل للوساطة بين البرهان وحميدتي، والاستثمار في التعثر الأميركي الظاهر في التوصل إلى هدنة ثابتة تمهد لوقف إطلاق النار.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن روسيا لديها رغبة كبيرة في الحصول على نفوذ عسكري في السودان، وتسعى لإعادة الاعتبار إلى اتفاق سابق بشأن امتلاكها قاعدة بحرية في ميناء بورتسودان، الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة بقوة.

وكشفت تقارير غربية عن تقديم قوات فاغنر الروسية مساعدات عسكرية لقوات الدعم السريع في الصراع الراهن، ما يجعل روسيا وسيطا غير محايد وطرفا غير مباشر في الحرب، ما تسبب في انزعاج أميركي مؤخرا خوفا من تكريس نفوذها في السودان بحكم ما لديها من علاقات وطيدة مع البرهان وحميدتي، وبدت واشنطن قريبة في وقت مبكر من التعامل مع الأزمة عبر استخدامها أداتي الجزرة والعصا.

والتزمت موسكو الصمت حيال الحرب ولم تخرج مواقفها المعلنة عن دعم الهدنات والبحث عن صيغة لوقف النار وتسوية الصراع ضمن تحركات عامة للمجتمع الدولي. ودعا السودان عددا من الدول التي يمكن أن تؤثر على الوضع في البلاد والسياسة الدولية، ويرى أن روسيا واحدة من الدول التي تلعب دوراً مهما على الساحة العالمية.

◙ أحجية يصعب فك طلامسها
◙ أحجية يصعب فك طلامسها 

وكشفت زيارة عقار إلى موسكو عن استعداد الأخيرة للتجاوب مع فكرة الوساطة بين الطرفين المتصارعين، غير أنها لم تعلن عن خطة صريحة حتى الآن، لكنها تستطيع توظيف اللحظة الحالية لإطلاق مبادرة ربما تحظى بتوافق محلي وإقليمي، خشية أن يؤدي الانسداد الحالي إلى استمرار الصراع وخروجه عن السيطرة.

وشرح عقار في لقائه مع لافروف موقف السودان وجوهر الصراع ومتطلباته، وتم تحديد المحاولات التي تبذلها الدول المجاورة للسودان لتسوية الأزمة، مشيرا إلى مناقشة قضايا ذات علاقات ثنائية بعيداً عن الصراع “ووجدنا استجابة”.

وأعلن لافروف عن استعداد بلاده للمساعدة بحل النزاع الناشب في السودان منذ منتصف أبريل الماضي، قائلا “نتابع الوضع في السودان بقلق، ومستعدون للمساعدة في حل النزاع وتهيئة الظروف لتطبيع الأوضاع”.

وتضع موسكو عينيها على السودان منذ فترة، وتريد إطلالة لها على البحر الأحمر، وتجد في السودان بوابة مناسبة لتحقيق هذا الهدف، ويمكن أن يهيّئ الصراع المحتدم بين الجيش والدعم السريع الفرصة أمامها للتدخل لتغذية الحرب أو وقفها.

◙ موسكو تجس النبض للتدخل بعد أن وجدت الفرصة مهيأة للمشاركة في عملية وقف إطلاق النار في ظل تعثر العديد من الجهود الإقليمية والدولية حتى الآن

وحذر متابعون من إعادة تكرار النموذجين السوري والليبي في السودان، فقد ثبّتت روسيا أقدامها العسكرية في سوريا وامتلكت قاعدة على البحر المتوسط، وأرسلت جيشا من قوات فاغنر للقتال في ليبيا، بما أربك كثيرا من الحسابات الغربية.

وطلب لافروف تقديم التوصيات بشأن كيفية مساهمة روسيا وأعضاء آخرين في المجتمع الدولي في التغلب على الأزمة، مضيفا “سنغتنم هذه الفرصة لمراجعة تعاوننا الثنائي وتحديد طرق لمزيد من التطوير”.

ويبدو الاهتمام الروسي بتقديم مقاربة سياسية في السودان محاطا بتحديات داخلية متشابكة، فالذراع الروسية الطويلة (فاغنر) التي تستخدمها موسكو لتحقيق أهدافها في دول أفريقية تواجه أزمة مركبة عقب إعلان قائدها يفغيني بريغوجين التمرد على القيادة العسكرية الروسية والحديث عن إعادة ترتيب أوضاع هذه القوات.

كما أن الولايات المتحدة والغرب عموما قد يستنفران طاقتهما لمنع الدخول المباشر لموسكو على خط الصراع الجاري في السودان والحؤول دون الاستفادة منه سياسيا أو عسكريا، فلدى روسيا حسابات تخيف الدوائر الغربية وتجعلها تقلق من إعادة إنتاج تجربتي سوريا أو ليبيا مع امتلاك موسكو علاقات جيدة بطرفي الصراع في السودان.

وتحتاج الخرطوم إلى مبادرة أو وساطة تشارك فيها أطراف إقليمية ودولية منعا لحدوث استقطاب بين القوى الكبرى تنعكس تأثيراته السلبية على الصراع، واللجوء إلى روسيا أو غيرها من قبل الخرطوم لا ينطوي على استدعاء للتدخل المباشر في الحرب، لكنه يأتي في إطار تحييد القوى المؤثرة في الصراعات الإقليمية.

وكان عقار أكد لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي والمبعوث الأممي على أهمية وقف الحرب في السودان، لافتا إلى أن الوضع في بلاده يحتاج إلى عملية سلام جادة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.

2