روسيا تدخل حرب استنزاف طويلة الأمد في أوكرانيا

تركيا تستضيف جولة مفاوضات جديدة بين موسكو وكييف.
الثلاثاء 2022/03/29
قتال طويل الأمد

لا تزال الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الأوكرانية وإيقاف الحرب مستمرة، رغم اشتعال جبهات القتال بين موسكو وكييف. ويتوقع محللون وأجهزة استخبارات غربية دخول موسكو في حرب استنزاف طويلة الأمد في أوكرانيا مع تعثر استراتيجياتها العسكرية.

كييف - فشلت روسيا في حسم الحرب في أوكرانيا لصالحها بعد شهر من القتال، ولم تسيطر على المدن الرئيسية في البلاد باستثناء خيرسون في الجنوب، وتخوض حرب شوارع في ماريوبول، ولم تتمكن من اختراق أطراف العاصمة كييف.

وانتقلت الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مرحلة ثانية بلجوء موسكو إلى أسلحة أكثر تطورا لحسم المعارك، باستخدام الصواريخ فرط صوتية “كينغال”، وتوسع المعارك نحو الغرب الأوكراني ولو عبر ضربات جوية وصاروخية، فيما يتواصل تدفق الأسلحة الغربية على الجيش الأوكراني، خاصة مضادات الطيران والدروع، ما يزيد من قدرته على الصمود ويطيل من أمد الحرب.

وأبرز تقدم حققه الجيش الروسي خلال الشهر الأول من الحرب، تمكنه من ربط مناطق سيطرته في محافظة خيرسون (جنوب) بإقليم دونباس الانفصالي في الشرق، مرورا بماريوبول التي أعلن عن سيطرته على أكثر من نصفها، بما فيها ميناء المدينة ومقر بلديتها.

وأقرت وزارة الدفاع الأوكرانية في الثامن عشر من مارس بأنها “فقدت الوصول إلى بحر آزوف مؤقتا”، ما يعني سيطرة القوات الروسية على جميع سواحل بحر آزوف، ما حوّله عمليا إلى بحيرة روسية.

ديمتري بيسكوف: للأسف لم نحقق أي انفراجة في المحادثات حتى الآن

ورغم ذلك ما زالت القوات الأوكرانية وكتيبة آزوف التي تضم قوميين متشددين، تدافعان عن ماريوبول من شارع إلى شارع، في مواجهة تقدم الجيش الروسي والقوات الشيشانية التابعة له.

ورغم سيطرة الروس على كامل شريط الساحل الأوكراني المطل على بحر آزوف وتحييد الأسطول الأوكراني من اليوم الأول للحرب، إلا أن روسيا تعرضت لضربة قوية جرحت كبرياء أسطولها الحربي، حيث أعلنت قيادة القوات البحرية الأوكرانية في الرابع والعشرين من مارس، عن إغراقها السفينة الروسية “أورسك” في بحر آزوف، حين كانت متواجدة قرب مدينة برديانسك الساحلية.

بالمقابل أعلن الجيش الروسي سيطرته على 93 في المئة من مساحة إقليم لوغانسك الانفصالي، وعلى 54 في المئة من إقليم دونيتسك الانفصالي، الذي يضم ماريوبول.

ويشكل لوغانسك ودونيتسك معا إقليم دونباس، والذي كان ثلثاه تحت سيطرة القوات الأوكرانية، والثلث الآخر بيد الانفصاليين، قبل انطلاق العملية العسكرية الروسية في الرابع والعشرين من فبرايرالماضي.

ويعد لوغانسك محاذيا للحدود الروسية وأصغر مساحة من دونيتسك، لذلك تمكنت القوات الروسية من التوغل فيه بسرعة، بينما دونيتسك فيشهد مقاومة شرسة، خاصة من عناصر كتيبة آزوف، المتمركزة في ماريوبول.

ورغم كل ما تمتلكه روسيا من تفوق جوي ساحق، إلا أنه وبعد مرور 30 يوما، ما زالت الطائرات الأوكرانية من نوع سوخوي 27 تحلق في سماء المعركة وتشتبك مع نسخ مطورة عنها من سوخوي 35.

ويعتبر عدم قدرة الجيش الروسي على تدمير الطائرات الحربية الأوكرانية والمضادات الجوية أحد أكبر إخفاقاته في هذه الحرب، وتجلى ذلك في سقوط عدد غير معروف بدقة من طائراته.

وبحسب أرقام وزارة الدفاع الأوكرانية، التي لا يصعب التحقق من دقتها، فإنه تم إسقاط 127 مروحية و117 مقاتلة و56 مسيّرة روسية.

ولعبت مسيّرات الجيش الأوكراني دورا بارزا في قصف أرتال الجيش الروسي وخطوط إمداده، التي أصبحت تطول وتتشعب، ما شكل عبئا إضافيا على تقدمه، ما يكشف حجم الخطأ في التخطيط لهذه الحرب من الجانب الروسي.

وأمام إخفاق الروس في تحقيق نصر سريع واشتداد المقاومة الأوكرانية خاصة في المدن، بدأ الجيش الروسي باستعراض قوته عبر استخدام أسلحة أكثر فتكا على غرار الصواريخ فرط صوتية “كينغال” أو “الخنجر”، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بعشر مرات، والتي يصعب على المضادات الجوية إسقاطها.

كما لا يستبعد أن تلجأ موسكو إلى إخراج أقوى مقاتلاتها من الجيل الخامس “سوخوي 57″، لتجريبها في حرب حقيقية، وفرض سيادتها الجوية، بينما وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بتزويد أوكرانيا بـ100 طائرة مسيّرة من نوع “الشفرات القاتلة”، وهي مسيّرات انتحارية تصطدم بالهدف وتفجره.

الجيش الأوكراني يستميت في الدفاع عن بلده
الجيش الأوكراني يستميت في الدفاع عن بلده

وتزود الدول الغربية أوكرانيا بأنواع مختلفة من مضادات الطيران قصيرة المدى والمحمولة على الكتف، وكذلك مضادات الدروع، وهناك تخوف من الجانبين من أن يتم استعمال أسلحة غير تقليدية في هذه الحرب، لحسمها بسرعة سواء كانت كيمياوية أو بيولوجية أو حتى نووية.

وتحذر الولايات المتحدة من إقدام روسيا على استخدام الأسلحة الكيمياوية أو البيولوجية في حربها على أوكرانيا، تحت ذريعة معلومات مضللة تنشرها موسكو وترددها الصين.

ويبحث البيت الأبيض تشكيل فريق من الخبراء للخروج بخطط تتعلق بالرد المحتمل للولايات المتحدة، إذا ما استخدمت روسيا أسلحة دمار شامل، سواء كيمياوية أو بيولوجية أو نووية بأوكرانيا.

واتهام كل طرف الآخر باستعداده لاستعمال أسلحة دمار شامل، قد يكون تهيئة للرأي العام العالمي لتقبل استعمال أسلحة كيمياوية أو بيولوجية بشكل محدود، كما حدث في سوريا، لكن استعمال أسلحة نووية من شأنه أن يدفع الحرب إلى أسوأ السيناريوهات.

وخلال 30 يوما، تمكنت روسيا من ربط جبهات القتال من الشمال إلى الشرق والجنوب، لكنها ما زالت عاجزة عن دخول معظم المدن الرئيسية (كييف، تشرنيهيف، سومي، خاركيف، ميكولايف)، بينما تخوض ماريوبول معركة البقاء.

الجيش الروسي يعلن سيطرته على 93 في المئة من مساحة إقليم لوغانسك الانفصالي، وعلى 54 في المئة من إقليم دونيتسك الذي يضم ماريوبول

وهذا الوضع العسكري من شأنه تحويل أوكرانيا إلى مستنقع لاستنزاف الجيش الروسي، لكنه سيتسبب في خسائر كبيرة بصفوف المدنيين، وقد يدفع موسكو إلى تسوية مدن بالأرض مثلما فعلت في العاصمة الشيشانية غروزني ومدينة حلب السورية، وقد تلجأ إلى استعمال أسلحة أكثر فتكا، إذا شعرت بأنها تقترب من خسارة الحرب.

ودبلوماسيا، قال الكرملين إن محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا قد تبدأ في تركيا الثلاثاء، وإن من المهم أن تعقد المحادثات وجها لوجه على الرغم من التقدم الضئيل في المفاوضات حتى الآن.

واتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في مكالمة هاتفية الأحد، على أن تستضيف إسطنبول المحادثات التي تأمل أنقرة في أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف “لن نستطيع التحدث عن التقدم في المحادثات، فإن حقيقة استمرار المحادثات وجها لوجه مهمة بالطبع”.

وأضاف بيسكوف أنه لم يتم إحراز أي تقدم بشأن المحادثات نفسها، أو فكرة عقد اجتماع محتمل بين بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وقال “لسوء الحظ، لا يمكنا رؤية تحقيق أي إنجازات هامة أو انفراجة في المحادثات حتى الآن”.

وتشترط روسيا لإنهاء العملية العسكرية تخلي أوكرانيا عن أي خطط للانضمام إلى كيانات عسكرية بينها حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والتزام الحياد التام والاعتراف باستقلال شبه جزيرة القرم وتبعيتها لموسكو وهو ما تعتبره كييف “تدخلا في سيادتها”.

5