روسيا تتحدى الحظر وتضاعف توريد القمح إلى سوريا

أكدت مصادر وبيانات حركة الشحن أن سوريا زادت هذا العام وبشكل كبير استيراد القمح من شبه جزيرة القرم الروسية باستخدام أسطول من سفن البلدين لتجنب العقوبات الأميركية، ما يعد مؤشرا على مدى تناغم البلدين في طرق الالتفاف على قيود الحظر.
لندن- تعمل روسيا على تحدي الحظر الغربي عبر مضاعفة توريد شحنات القمح إلى سوريا، بعدما باتت حكومة نظام الرئيس بشار الأسد مجبرة على الاستيراد خاصة من حليفتها روسيا، والتي تعد أبرز المنتجين والمصدرين إلى جانب أوكرانيا.
ووفقا لبيانات الشحن من منصة رفينيتيف، ارتفعت كميات القمح المرسلة إلى سوريا من ميناء سيفاستوبول المطل على البحر الأسود في القرم 17 مثلا هذا العام مسجلة ما يزيد قليلا عن 500 ألف طن، ليشكل ذلك ما يقارب ثلث واردات البلاد الإجمالية من القمح.
وبحسب رويترز تظهر البيانات أن البلدين اعتمدا بشكل متزايد على سفنهما الخاصة، من بينها ثلاث سفن سورية مشمولة في العقوبات الأميركية، في ظل حظر مفروض على البلدين صعبت التجارة عبر طرق النقل البحرية المعتادة والحصول على تأمين ملاحي.
وضمت روسيا القرم من أوكرانيا في 2014. ورغم أنها مُنيت بانتكاسات عسكرية في حربها ضد أوكرانيا منذ فبراير الماضي، فإنها مازالت تسيطر على مساحات شاسعة من خيرسون وزابوريجيا اللتين تعتبران من أهم مراكز البلاد الزراعية.
وتتفق سلطات أوكرانية وأخرى عينتها روسيا على أن شحنات تم تصديرها من زابوريجيا عبر القرم. وتقول كييف إن تلك الحبوب “تعرضت للسرقة من المحتلين”، وهو اتهام تنفيه موسكو.
وتؤكد أوكرانيا أن جزءا من كميات الحبوب على الأقل التي مرت عبر سيفاستوبول سُلب من مناطقها بعد الحرب.
وتقدر السفارة الأوكرانية في بيروت، والتي تقوم بتتبع ورصد الشحنات القادمة إلى سوريا، أن نصف مليون طن من “القمح الأوكراني المنهوب” وصلت إلى سوريا منذ فبراير انطلاقا من عدة موانئ.
وقالت إن ذلك “يعتمد على معلومات من ملاك لحقول وصوامع في المناطق وعلى بيانات من أقمار اصطناعية تظهر تنقلات شاحنات للموانئ وأيضا بيانات تتبع السفن”.
وفي مايو الماضي قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن “ما يتردد عن سرقة روسيا للقمح والحبوب مزاعم زائفة”. وفي يونيو قال يفجيني باليتسكي الحاكم الذي عينته روسيا لمنطقة زابوريجيا إن “موانئ القرم استخدمت لتصدير حبوب من المنطقة”.
لكن باليتسكي أشار إلى أن المزارعين سيحصلون على مستحقاتهم عبر شركة أسستها إدارته، وفقا لما نقلته وكالة إنترفاكس الروسية.
وإضافة إلى ذلك، قالت الإدارة التي عينتها روسيا في القرم في تعليقات على الشبكات الاجتماعية في أغسطس إن “1.4 مليون طن من القمح تم حصادها من حقول القرم نفسها”.
وتفند أوكرانيا تلك الأرقام. وتقول إن القرم لا تنتج تلك الكميات. وقالت وزارة الزراعة إن “حصاد القرم يشمل الحبوب المُصدرة من أراضي أوكرانيا”.
وقبل الحرب استوردت سوريا الحبوب من القرم العديد من المرات منذ سيطرة روسيا على شبة الجزيرة حسب تقارير لرويترز.
501.8
ألف طن وردتها سوريا من سيفاستوبول هذا العام ارتفاعا من 28.2 ألف طن في 2021
ووفق رفينيتيف، استوردت سوريا 501.8 ألف طن من القمح من سيفاستوبول هذا العام حتى نهاية نوفمبر الماضي، ارتفاعا من 28.2 ألف طن في عام 2021 بأكمله.
وتم استلام الشحنات اعتبارا من مايو، وكانت أكبر شحنة شهرية تبلغ 78.6 ألف طن في أكتوبر، وفقا للبيانات التي تم تجميعها من تقارير فحص مشغلي الموانئ.
وتعتمد سوريا بشكل متزايد على أسطول سفنها الخاصة للشحن أو سفن ترفع العلم الروسي لاستيراد الغذاء عبر اتفاقات بين الحكومات تتحاشى عملية المناقصة المعتادة لنقل السلع الأساسية بحرا.
وأظهرت تحليلات من شيبفيكس، وهي منصة لبيانات الملاحة والسلع الأساسية، أن عدد طلبيات الشحن، وهي الطلبات العالمية للسفن المتاحة لنقل الحبوب، إلى سوريا تراجع بمقدار الثلثين إلى 54 طلبا.
ووفقا لمصدرين في قطاع تجارة الحبوب والسفارة الأوكرانية في بيروت ودبلوماسيين أوكرانيين آخرين وتحليلات من شيبفيكس، تصل شحنات القمح إلى مينائي اللاذقية وطرطوس السوريين على متن ثلاث سفن سورية بدلا من طريقة الطلبيات العالمية.
وتمتلك المؤسسة العامة السورية للنقل البحري ثلاث سفن وهي لاوديسيا وفينيقيا وسوريا وجميعها مفروض عليها عقوبات منذ 2015.
والسفن المدرجة في قوائم العقوبات أقل صيانة في العادة وأقدم بسبب منعها من الحصول على تأمين من أعلى فئة وخدمات التوثيق لكن يمكنها العمل بسهولة أكبر بين الدول التي تخضع أيضا لعقوبات، ما يعتبر تفسيرا محتملا لتزايد التجارة بين روسيا وسوريا.
وشكت موسكو مرارا من أن العقوبات المفروضة عليها هذا العام حدت من قدرتها على شحن وتصدير الحبوب لدول في أفريقيا والعالم العربي تعتمد على إنتاج روسيا لتطعم شعوبها.
ولا تستهدف أغلب العقوبات الغربية على البلدين الأغذية، لكنها تعقد عمليا تجارتها لأسباب تصعب عمل بعض شركات تجارة الحبوب نتيجة القيود المالية.
وتصل بعض الشحنات أيضا على متن سفن ترفع العلم الروسي منها ميخائيل نيناشيف وماتروس موزينيتش وماتروس كوشكا.
وتقول إكواسيس، وهي قاعدة بيانات للشحن، إن تلك السفن مملوكة لشركة تابعة ليونايتد شيببيلدينج كوربوريشن الروسية، التي فرض عليها الغربيون عقوبات في أبريل الماضي.
وبدأت دمشق تعتمد على واردات الحبوب عندما تسببت الحرب في توجيه ضربة لعمليات الحصاد في البلاد، التي كانت تنتج في وقت من الأوقات ما يكفي للوفاء بإنتاج الخبز الأساسي المدعوم إضافة إلى تحقيق فوائض للتصدير.
وقبل النزاع، اعتادت سوريا تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح مع إنتاج يتجاوز 4.1 مليون طن سنويا في المتوسط، بحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، لكن مع توسع رقعة المعارك وتعدّد الأطراف المتنازعة، انهار الإنتاج إلى مستويات قياسية.
وفي الآونة الأخيرة تسببت موجات الجفاف في تقليص المحصول أكثر. وتظهر الأرقام أن إنتاج سوريا من الحبوب انخفض العام الماضي إلى ما يقدر بأكثر قليلا من مليون طن، بينما كان في العام الذي سبقة عند 2.8 مليون طن.
70
في المئة من إنتاج القمح في سوريا خارج نطاق سيطرة الحكومة ووضعها بصفتها المشتري الوحيد
ولا يزال 70 في المئة من إنتاج القمح خارج نطاق سيطرة الحكومة ووضعها بصفتها المشتري الوحيد، وقد أجبرها ذلك على المنافسة بمضاعفة سعر الشراء في المواسم الماضية.
والعقوبات والصراع السوري المستمر منذ أكثر من عقد أمور تعني أن سوريا تفتقر أيضا للسيولة المالية، مما يجعل روسيا مصدرا جاذبا نسبيا لشحنات قمح أرخص.
وقال وزير الاقتصاد السوري محمد سامر الخليل خلال زيارة للقرم في يناير الماضي إن بلاده “تحتاج إلى 1.5 مليون طن من واردات القمح وروسيا هي التي توفر أغلبها”.
ويرى مصدر تجاري مُطلع على عمليات شراء الحبوب في سوريا أن الواردات الفعلية ستكون قريبة من هذا الحجم. وقال إن “حصاد هذا العام جاء الأسوأ في تاريخ سوريا”.
وتظهر بيانات رفينيتيف أن كل الواردات عدا كمية صغيرة جاءت من روسيا ومناطق تسيطر عليها على خلاف السنوات السابقة عندما أمّنت سوريا الإمدادات عن طريق عمليات شراء من دول أخرى بينها رومانيا.
وقال مصدر في قطاع تجارة الحبوب إن “مليون طن على الأقل من واردات الحبوب من روسيا خلال 2021 و2022 تم الدفع مقابلها عبر خط ائتمان قدمته موسكو لدمشق”.
وفي العام الماضي قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إن موسكو “قدمت قرضا لسوريا لاستخدامه في أغراض منها الغذاء”.