روسيا تتحايل على الحظر لجلب البضائع الغربية

منتجات ألمانية وأميركية وتركية دخلت السوق المحلية من دول مجاورة لم تفرض عليها عقوبات.
الثلاثاء 2024/04/09
مفارقة عجيبة.. تكرهون أعداءكم وتحبون منتجاتهم!

تصطدم مساعي الحكومات الغربية للضغط على الاقتصاد الروسي، من خلال حزم العقوبات المشددة، بعراقيل كثيرة تتجلى بوضوح في انتشار البضائع الغربية في أسواق أكبر مصدر للغاز في العالم، ما يؤكد أن البلد بإمكانه التحايل على الحظر دون آثار تذكر.

موسكو - انسحبت العلامات التجارية الغربية الشهيرة مثل ستارباكس وشانيل وفولكسفاغن من روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، لكن الفجوات التي تركتها في السوق المحلية سرعان ما ملأتها الشركات المحلية.

ويبدو المركز التجاري المركزي في العاصمة موسكو المعروف باسم “إفروبيسكي” مثالا على ما واجهته معظم المتاجر، التي خلت لفترة قصيرة، بعد أن بدأ الغرب فرض عقوبات على روسيا.

ويجد زبائن إفروبيسكي أن متاجر التجزئة تبيع الأزياء القادمة من تركيا، والأجهزة المنزلية من إنتاج شركة ميلا الألمانية، ومنتجات إلكترونية لشركة أبل الأميركية، بل جميع السلع التي من المفترض ألا تكون مطروحة للبيع في هذا المكان.

وتمكنت هذه السلع الغربية بطريقة أو بأخرى من عبور الحدود، بعد أن تم استيرادها من دول أخرى لا تطبق العقوبات الغربية.

وبعد مرور أكثر من عامين على بدء الحرب يؤكد سكان موسكو أنهم لا ينقصهم أي شيء، كما أن “اقتصاد الحرب” منطلق بأقصى سرعته مانحا دفعة للاستهلاك.

12.6

مليار يورو التبادل التجاري بين روسيا وألمانيا في 2023 بتراجع قدره 75 في المئة

وتحفل المحطات التلفزيونية التابعة للدولة بتقارير تفيد بأن العقوبات الأوروبية على روسيا تلحق ضررا أكبر على سكان هذا التكتل مقارنة بما تلحقه بالروس.

ويقول الصحافيون إنه فضلا عن الكميات الكبيرة من النفط والغاز، تمتلك روسيا كل الإمكانات الأخرى التي تحتاجها لتحقيق الازدهار.

وغادرت الشركات الغربية، من بينها علامات شهيرة مثل ماكدونالدز وليغو وأوبر وأكيا، السوق الروسية، وباعت أنشطتها بتخفيضات هائلة في أسعارها.

لكن غالبية الشركات الأصغر حجما لا تزال مستمرة في العمل في روسيا، وتقول إنها غير قادرة ببساطة على شطب المليارات، التي استثمرتها على مدى سنوات.

ومن ناحية أخرى شهدت التعاملات التجارية الإجمالية لروسيا مع مختلف الدول الغربية ركودا غير مسبوق بعدما تراجعت مكانة روسيا التي تعد قوة عظمى في مجال المواد الخام.

وقالت وزارة المالية الروسية الاثنين إن عجز الميزانية للأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام سجل 607 مليارات روبل (6.56 مليار دولار) تمثل 0.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بدعم من التعافي القوي لإيرادات الطاقة على أساس سنوي.

وقفزت إيرادات النفط والغاز 79.1 في المئة عما كانت عليه قبل عام. وأدت العقوبات في أوائل 2023، التي شملت تحديد سقف لأسعار النفط وحظرا لشرائه، إلى الضغط على عائدات الطاقة الروسية.

وكانت روسيا العضو البارز في تحالف أوبك+ موردا مهما للغاز والنفط لألمانيا ولاقتصادات دول بارزة في الاتحاد الأوروبي، لتحتل المرتبة 38 من بين الشركاء التجاريين بعد أن كانت تحتل المرتبة 14 في عام 2022.

وكنتيجة للعقوبات تراجع التبادل التجاري بين روسيا وألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، بنسبة 75 في المئة، ليبلغ 12.6 مليار يورو في 2023.

وتشير بيانات المفوضية الأوروبية إلى أن الواردات التي اعتادت أن تهيمن عليها موارد الطاقة، تراجعت بنسبة 90 في المئة إلى 3.7 مليار يورو فقط، بعد بدء حظر استيراد النفط الروسي مع بداية 2023.

ومع ذلك لا تزال المئات من الشركات الألمانية تزاول نشاطها في روسيا، خاصة في قطاعات لا تشملها العقوبات، بهدف حماية سكان أكبر دولة في العالم من حيث المساحة.

ومن بين هذه القطاعات المواد الغذائية والزراعة والرعاية الصحية والمنتجات الدوائية، لكن الوضع بشكل عام يعد غير مستقر بدرجة كبيرة.

وتزايدت المخاوف من إمكانية تعرض الشركات الغربية للمصادرة بأوامر من الرئيس فلاديمير بوتين، منذ أن تم الاستيلاء على أعمال شركة دانون الفرنسية متعددة الجنسيات، والتي تعتبر من أضخم شركات الصناعات الغذائية في العالم، وأيضا مجموعة كارلسبيرغ الدنماركية للمشروبات الكحولية العام الماضي.

ولكن حتى الشركات التي لم تتأثر بالعقوبات تدرس ما إذا كان استمرارها في العمل في السوق الروسية يتماشى مع المعايير الأخلاقية، في ظل معاناة الأوكرانيين، خاصة وأنه يتم وصفها بأنها “راعية للحرب”.

وينظر الكثير من الروس إلى المنتجات الغربية نظرة تقدير، وتشكو مواطنة مسنة في موسكو أثناء تسوقها في سوبرماركت بريكريوستوك في محطة كييف للقطارات بموسكو قائلة “لكن كل السلع ارتفع ثمنها بدرجة كبيرة”.

ورغم حصولها على معاش يبلغ 300 يورو شهريا، وهو مبلغ جيد نسبيا للعيش في موسكو، فإنها لا تستطيع شراء كل ما تحتاجه حسب قولها، وهي تحمل الزبادي والحليب والجبن من إنتاج شركة غربية لمنتجات الألبان.

بعد أكثر من عامين من الحرب، يؤكد الروس أنهم لا ينقصهم أي شيء، كما أن الاقتصاد منطلق بسرعة مانحا دفعة للاستهلاك

وبالنسبة إلى الشباب الذين يتمتعون بدخول أعلى ولديهم احتياجات أخرى، تمثل العقوبات لهم عقبات أحيانا للحصول على متطلباتهم. وعلى سبيل المثال يقول مصمم الغرافيك الشاب أندريه إنه “لا يمكن مثلا استخدام برامج الكمبيوتر مثلما كان الحال قبل العقوبات”.

ويؤكد لوكالة الأنباء الألمانية أنه يتعين استخدام برنامج فك الشفرة (في.بي.إن)، لتخطي القيود الروسية على المواقع الإلكترونية، كما أن سداد اشتراكات برامج الكمبيوتر أصبح أكثر تعقيدا.

وأغلقت شركتا فيزا وماستر كارد أنظمتهما في روسيا، وتم قطع نظام الدفع الدولي (سويفت) عن الكثير من البنوك الروسية في إطار العقوبات، ما يعني أن إجراء عمليات الدفع الرقمي أصبح أكثر صعوبة.

ولحل هذه المشكلة فتح أندريه حسابا له في أوزبكستان، إحدى دول الاتحاد السوفييتي سابقا، ما يسمح له بالشراء من مواقع الإنترنت والدفع إلكترونيا ببطاقة الائتمان.

وبالنسبة إلى الأثرياء الروس الذين يستطيعون تمضية عطلات طويلة في دبي وتايلاند أو في أماكن أخرى، ليس هناك سقف لمتطلباتهم بغض النظر عن حجم العقوبات التي يفرضها الغرب.

وبإمكان الأثرياء أن يواصلوا طلب أي طراز يريدون من متاجر السيارات في موسكو، إلى جانب التسوق من المتاجر الراقية متعددة الأقسام ومتاجر الأزياء الفاخرة التي تعرض أحدث التصميمات العالمية، وهم يجدون على الدوام وسائل لتجاوز العقوبات.

وكما قال بوتين ذات مرة إنه “رغم الإجراءات العقابية، يمكن للمواطنين شراء أي شيء يحتاجونه في روسيا، ويتوقف الأمر فقط على حجم الأموال التي يمكن أن ينفقها المرء”.

10