روسيا تبني شبكة لتجارة الغاز على أنقاض خراب علاقتها مع أوروبا

غازبروم تسعى لتعزيز المبيعات من حقول سيبيريا إلى الصين.
الأربعاء 2023/02/15
من مركز التوزيع إلى القيادة حوّل

يراقب المحللون تحركات روسيا لبناء شبكة جديدة لتجارة الغاز، على أنقاض خراب علاقتها مع بقية دول أوروبا، من أجل الحفاظ على حصتها في السوق العالمية وبما يحقق لها استدامة الإيرادات رغم أن الوقت لا يزال مبكرا لكسب هذا الرهان في ظل الحظر الغربي.

نوفي يورنغوي (روسيا) – صُنعت تجارة الغاز الروسية مع أوروبا بدقة على مدى عقود من الزمن كمصدر رئيسي لإيرادات موسكو، ومن غير المرجح أن تتعافى من ويلات الصراع في أوكرانيا.

وأدت مجموعة من العقوبات الغربية وقرار روسيا بقطع الإمدادات عن أوروبا إلى خفض صادرات البلاد من الطاقة بشكل كبير.

ومن المرجح أن تؤدي العقوبات الأخيرة، بما في ذلك تحديد سقف الأسعار، إلى المزيد من تعطيل تجارة النفط، لكن من الأسهل العثور على أسواق جديدة للخام والمنتجات المكررة مقارنة بالغاز.

وتعتمد تجارة الغاز الروسية مع أوروبا على آلاف الأميال من الأنابيب، التي تبدأ من سيبيريا وتمتد إلى ألمانيا وما وراءها. وحتى العام الماضي، حُبس المشترون الغربيون في علاقة توريد طويلة الأمد.

رون سميث: السعر الذي تبيع به روسيا الغاز للصين أقل بكثير من أسعار أوروبا
رون سميث: السعر الذي تبيع به روسيا الغاز للصين أقل بكثير من أسعار أوروبا

وقال يوري شافرانيك الذي تولى وزارة الطاقة الروسية في التسعينات لرويترز “بالطبع خسارة السوق الأوروبية اختبار خطير للغاية لروسيا في مجال الغاز”.

وكان مدير كبير سابق في شركة غازبروم أكثر وصفا لما يحدث حينما قال لرويترز، مشترطا عدم الكشف عن هويته، “عمل المئات من الأشخاص الذين بنوا نظام التصدير لعقود من الزمن وتم التخلص منهم في سلة المهملات”.

ومع ذلك، يقول الموظفون الحاليون إن العمل يسير كالمعتاد. وقال مسؤول في غازبروم غير مصرح له بالتحدث في نوفي يورنغوي “لم يتغير شيء بالنسبة إلينا. لقد حصلنا على زيادة في الرواتب مرتين خلال العام الماضي”.

وغالبا ما يشار إلى المدينة القطبية الشمالية باسم “عاصمة الغاز” لروسيا لأنها بنيت لخدمة أكبر حقول البلاد، وتديرها غازبروم التي تأسست في أيام احتضار الاتحاد السوفياتي عام 1989 تحت إشراف وزارة صناعة الغاز وبرئاسة فيكتور تشيرنوميردين.

وقال شافرانيك “تشيرنوميردين لم يسمح لأي شخص بوضع أنفه في غازبروم. لقد كانت دولة داخل دولة، ولا تزال كذلك إلى حد ما”.

ومنذ بدء الحرب في أوكرانيا قبل نحو عام كانت المعلومات المتاحة حول أعمال قطاع الطاقة أقل. ومثل العديد من الشركات الروسية، توقفت غازبروم عن الكشف عن تفاصيل نتائجها المالية.

ووفقا لتقديرات رويترز، وبناء على رسوم التصدير وبيانات حجم الصادرات، بلغت عائدات الشركة من المبيعات الخارجية نحو 3.4 مليار دولار في يناير الماضي من 6.3 مليار دولار بمقارنة سنوية.

وتشير الأرقام، جنبا إلى جنب مع توقعات الصادرات ومتوسط أسعار الغاز، إلى أن العائدات ستنخفض إلى النصف تقريبا هذا العام، مما يوسع عجز الميزانية البالغ 25 مليار دولار الذي سجلته روسيا في يناير الماضي.

وقدرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن روسيا قطعت 80 في المئة من إمدادات الغاز إلى أوروبا في الأشهر الثمانية التي أعقبت اندلاع الحرب.

ونتيجة لذلك وفرت روسيا 7.5 في المئة فقط من احتياجات أوروبا الغربية العام الماضي، مقارنة بنحو 40 في المئة خلال 2021.

وقبل الحرب كانت روسيا واثقة من بيع المزيد لأوروبا. وأخبرت إيلينا بورميستروفا رئيسة وحدة التصدير في غازبروم حدثا صناعيا في فيينا خلال 2019 بأن الصادرات خارج الاتحاد السوفياتي، والتي تجاوزت 200 مليار متر مكعب في 2018، كانت “الواقع الجديد”.

يوري شافرانيك: خسارة السوق الأوروبية اختبار خطير للغاية بالنسبة إلى موسكو
يوري شافرانيك: خسارة السوق الأوروبية اختبار خطير للغاية بالنسبة إلى موسكو

وفي العام الماضي كان الإجمالي أعلى بقليل من 100 مليار متر مكعب بعدما تقوضت قدرات النقل الروسية إثر انفجارات غامضة ببحر البلطيق في خطوط أنابيب نورد ستريم.

وتبادلت روسيا والغرب اللوم على ما حصل، ولكن المراسل الأميركي سيمور هيرش قال في مدونة إن “الولايات المتحدة مسؤولة”، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة “خطأ واضحا”.

ولطالما انتقدت واشنطن سياسة ألمانيا القائمة على الاعتماد على الطاقة الروسية، والتي كانت برلين حتى العام الماضي تقول إنها “وسيلة لتحسين العلاقات”.

وتقع أهم أصول شركة غازبروم في غرب سيبيريا وبمنطقة يامال القطبية الشمالية الأوسع، وأحد الحقول يوجد في منطقة التندرا في يورنغوي، ويعد من بين أكبر الحقول في العالم وتم اكتشافه في عام 1966.

وفي ذلك الوقت بدأ الاتحاد السوفياتي محادثات مع ألمانيا الغربية حول مبادلة الغاز بالأنابيب، حيث كانت موسكو تفتقر إلى تكنولوجيا الإنتاج.

والاتفاق الناتج، الذي أطلق عليه اسم “عقد القرن”، تم الانتهاء منه في عام 1970. وتبلغ قيمة صفقة التوريد التي مدتها 20 عاما حوالي 30 مليار دولار بأسعار الغاز الحالية.

وهذا يعني أن أوروبا، وخاصة ألمانيا، استفادت لعقود من عقود رخيصة نسبيا وطويلة الأجل، واعتمدت على الغاز الروسي، أو الميثان، لتدفئة المنازل وكمادة أولية لصناعة البتروكيماويات.

ويضم المشروع المشترك بين غازبروم وشركة وينترشال ديا الألمانية مكاتب لشركة أو.أم.في النمساوية التي قال متحدث باسمها إن “المبنى فقط يضم مكاتب المشغل في حقل يوزهونو – روسكوي، حيث تمتلك الشركة حصة”.

وألغت أو.أم.في خلال مارس الماضي خططها للاستحواذ على حصة في مشروع حقل غاز غازبروم، بينما قالت وينترشال ديا، التي تمتلك فيها شركة باسف نحو 73 في المئة من أسهمها، الشهر الماضي إنها “ستنسحب من روسيا”.

وقال مسؤول في غازبروم إن “الشركة الألمانية ستندم على ذلك”. وأضاف “سيتعين علينا فقط استخدام المزيد من الغاز للمنازل المحلية بدلا من تصديره إلى أوروبا. والصين بحاجة أيضا إلى الغاز”.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لتنويع أسواق الغاز قبل وقت طويل من 2022، لكن سياسته الآن اكتسبت زخما. ففي أكتوبر الماضي طرح فكرة إنشاء مركز للغاز في تركيا لتحويل تدفقات الغاز الروسي من البلطيق وشمال غرب أوروبا.

100

مليار متر مكعب صادرات عام 2022، إذ تقلصت إلى النصف قياسا بما كان قبل الحرب

وتسعى موسكو أيضا لتعزيز مبيعات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم وأكبر مشتر للنفط الخام والغاز الطبيعي المسال والفحم.

وبدأت الإمدادات عبر خط أنابيب سيبيريا في أواخر 2019، وتهدف روسيا إلى زيادة الصادرات السنوية إلى 38 مليار متر مكعب اعتبارا من عام 2025.

كما أبرمت روسيا اتفاقا مع بكين للحصول على 10 مليارات متر مكعب أخرى سنويا من خط أنابيب لم يتم بناؤه بعد من جزيرة سخالين في المحيط الهادئ، في حين تطور خط باور أوف سيبريا 2، والذي يمكن نظريا أن يزود الصين بـ50 مليار متر مكعب إضافية سنويا.

ويقول محللون في مجال الصناعة إنه من السابق لأوانه الوقوف على ما إذا كانت هذه العلاقة مربحة للروس مثل عقود توريد الغاز إلى أوروبا.

وأشاروا إلى أن المفاوضات مع الصين بشأن مبيعات الغاز الجديدة من المتوقع أن تكون معقدة، لأسباب ليس أقلها أنه من غير المتوقع أن تحتاج الصين إلى غاز إضافي إلا بعد عام 2030.

وتواجه روسيا منافسة أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي من الطاقة المتجددة حيث يسعى العالم للحد من تأثير تغير المناخ، فضلا عن منافسة إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الصين، بما في ذلك من تركمانستان.

وثمة اقتناع لدى مستثمري القطاع والدول بأن الغاز المسال الذي يمكن شحنه إلى أي مكان قلل الحاجة إلى خطوط الأنابيب.

oo

وأبقت غازبروم والصين سعر الغاز المتفق عليه سرا. وتوقع رون سميث، المحلل في شركة بي.سي.أس للسمسرة ومقرها موسكو، أن يبلغ متوسط السعر 270 دولارا لكل ألف متر مكعب، وهو أقل بكثير من الأسعار في أوروبا.

وهو أيضا أقل من سعر تصدير غازبروم البالغ 700 دولار لكل ألف متر مكعب والذي توقعته وزارة الاقتصاد الروسية هذا العام.

وخلال العام الماضي كانت موارد الطاقة في روسيا، والتي لم يتم تقسيمها علنا إلى النفط والغاز، مدعومة بتأثير السوق على المخاوف من النقص.

وفي أوروبا وصلت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية، وارتفعت أسعار النفط العالمية بعد وقت قصير من بدء الحرب بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق.

ومنذ ذلك الحين تراجعت أسعار الغاز والنفط، وفُرضت سقوف غربية في ديسمبر وأوائل هذا العام بهدف زيادة تآكل الإيرادات الروسية.

وفي غضون ذلك كلف الكرملين غازبروم بالمهمة الضخمة لبناء 24 ألف كيلومتر من خطوط الأنابيب الجديدة لتوفير الغاز لنحو 538 ألف منزل وشقة في البلاد حتى عام 2025.

ويتم تنظيم أسعار الغاز المحلي من قبل الحكومة وكانت هناك مناقشات حول تحرير سوق الغاز، وهي قضية حساسة بالنسبة إلى الأسر الروسية.

10