روحاني يتقمص دور المعتدل إعلاميا في منظومة متشددة

جدد الرئيس الإيراني حسن روحاني انتقاده للرقابة المشددة على الإعلام والإنترنت في البلاد، لكنها انتقادات لا تتجاوز التصريحات، حيث يؤكد المتخصصون أن الماكينة الإعلامية في إيران تخضع لأجهزة الاستخبارات والأمن الوطني وتهدف إلى السيطرة التامة على الخطاب الإعلامي وهي غير قابلة للمراجعة.
طهران - يدرك الرئيس الإيراني حسن روحاني عدم جدوى سياسة الحظر الإعلامي وتقييد الإنترنت في البلاد، مع اتجاه الشباب والناشطين إلى تجاوز الحظر بالتقنيات الحديثة، وسخريتهم اللاذعة من إجراءات الحكومة التي يمكن التحايل عليها.
ووفق ما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، انتقد روحاني هيمنة المتشددين على هيئة الإذاعة والتلفزيون، وقال خلال اجتماع مع مسؤولي وزارة الاتصالات الاثنين، إن الناس اتجهوا إلى وسائل التواصل لأنه “ليس لدينا إعلام حر، لذا فإن حجب مواقع التواصل لا يجدي نفعا”.
وأكد على “عدم جدوى فصل الناس عن التقنیات الحدیثة وتطورات حقل الاتصالات”، مضيفا أنّ “مواجهة المطالب العامة للناس ليست أمرا شرعیاً وقانونیاً” واصفاً الاتصالات وتقنیة المعلومات بأنها “مظهر من مظاهر التحوّل في المجتمعات على صعید التكنولوجیا”.
ووصف روحانی التيار المحافظ (المقرّب من المرشد) الذي يطالب بحظر مواقع التواصل بأنه ينتمي إلى “الأفكار البالية”، مشددا على “ضرورة التعرّف السلیم والتثقیف العام للشعب للاستفادة الصحیحة من التقنیة ونشرها كعلاج للمشاكل الناجمة عنها”.
ولم يأت روحاني بأي جديد في هذه التصريحات التي كررها مرارا دون أن تتراجع السلطات عن مواقفها المتشددة بالرقابة على الإعلام التقليدي والحديث، لكن تبدو كأنها محاولة لتعديل كفتي الميزان في النظام بظهور تيار معتدل ينادي بالحريات ويطالب بتفهم جيل الشباب المطلع على أحدث التقنيات ويتجاوز سياسة الحجب بكل سهولة، رغم أن صوت روحاني يبقى خافتا ولم يصل إلى أبعد من الانتقادات.
قسم التضليل التابع لوزارة الاستخبارات والأمن الوطني ينسق عمليات التضليل ويشرف على الأخبار في الإعلام الإيراني
وعند التعمق في تنظيم الماكينة الإعلامية للنظام الإيراني، يظهر جليا أنها مصممة لأهداف محددة تمس أمن النظام نفسه، وهي غير قابلة للنقاش، وذكر فراس إلياس المختص بالشؤون الشرق أوسطية، في تقرير نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنه خلال الأعوام السابقة، استثمر النظام الإيراني، جهوداً وأموالاً كبيرة لتطوير ماكينته الإعلامية، التي تبث رسائل النظام بنجاح بينما تنتقد خصومها.
ويتم تنظيم أجهزة الإعلام الإيرانية من قبل وكالة بث الجمهورية الإسلامية الإيرانية IRIB، التي غالباً ما تشارك بشكل مباشر في نشر المعلومات والدعاية المضللة. كما تعمل الوكالة بشكل مستقل عن الحكومة، ويشرف عليها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، الذي يقوم بإملاء السياسات الإعلامية ويراقب جميع محطات التلفزيون والإذاعة الإيرانية.
وتتعاون وكالة البث الإيرانية مع مجموعة من الوزارات والهيئات الحكومية حيث تساعد النظام في بسط سيطرته على عملية بث الأخبار ووسائل الإعلام.
وتساعد وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية وكالة البث في حفظ المواد الإعلامية التلفزيونية التي يتعارض محتواها مع مواقف طهران وسياساتها.
كما تساعدها في فرض الرقابة على الصحافة بشكل عام. وتستخدم وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية عدة أساليب متطورة لمراقبة الصحافيين الأجانب في إيران وتقليل وجودهم في البلاد. وهناك أيضا قسم التضليل وهو أحد أقسام وزارة الاستخبارات والأمن الوطني، والذي ينسق أغلب عمليات التضليل ويقوم بالإشراف على غالبية الأخبار التي تنشر في الصحف والمواقع الرسمية الإيرانية.
ويقوم هذا القسم أيضاً، بتوظيف الحرب النفسية من أجل التلاعب بوسائل الإعلام والأجهزة الاستخبارية الأجنبية، التي تسعى للحصول على معلومات حول الأجهزة المخابراتية الإيرانية أو القدرات العسكرية الإيرانية.

وفي ما يتعلق بالإنترنت، فعلى مدى السنوات العشر الماضية، بذلت وكالة البث الإيرانية ووزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية بالتعاون مع وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، جهودا كبيرة للسيطرة على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
بالمجمل يمكن القول بأن التداخل القوي الذي يربط الكثير من الوسائل الإعلامية بالجهد الاستخباري في إيران، يمثّل رأس الحربة للمرشد الإيراني علي خامنئي في حربه المستمرة مع العالم الخارجي، ففي الوقت الذي تقدم فيه وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي المفردات الخطابية والثورية المؤثرة، يأتي دور وسائل الإعلام لترويجها على شكل مواد إعلامية وخبرية، وأخيراً يأتي دور وزارة الاستخبارات في تحشيد الموارد المادية والمعنوية من أجل وضعها موضع التنفيذ.
ويهدف المجلس الأعلى الإيراني للإنترنت، إلى تطوير “شبكة إنترنت وطنية” مغلقة مع منصات محلية للتواصل الاجتماعي وتطبيقات تبادل الرسائل التي يمكن أن ترصدها من قبل الأمن والأجهزة الحكومية.
لكنّ نوابا يقولون إن الناس لا يثقون بهذه التطبيقات المحلية. كما تقول منظمات حقوقية إن الهدف من إنشاء هذه التطبيقات هو السيطرة على الاحتجاجات من خلال رصد تحركات الناشطين.
ويتجه المجلس الأعلى الإيراني للإنترنت لحجب موقع إنستغرام كليا، وهو آخر منصة تواصل اجتماعي يمكن الوصول إليها بحرية في البلاد.

وبالرغم من هذا يستمر المواطنون الإيرانيون باستخدام برنامج كسر الحجب أو خدمات VPN التي توجه حركة المرور عبر اتصالات الإنترنت في الخارج ما يجنّبهم شبكات الحكومة، ويتيح لهم الوصول إلى المنصات المحظورة مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب، فضلا عن استخدام تطبيقات المراسلة مثل واتسآب وتلغرام.
والمفارقة أن العديد من كبار المسؤولين بما في ذلك وزراء الحكومة وأعضاء البرلمان، ينتهكون علانية الحظر المفروض على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي خاصة تويتر وتلغرام.
وللمسؤولين حسابات في أهم مواقع التواصل فيغردون ويعلقون ويردون بخصوص القضايا الداخلية أو الرد على زعماء دول أخرى.
ولدى المرشد الأعلى للنظام، خامنئي، أكثر من 500 ألف متابع على تويتر باللغة الإنكليزية و2.3 مليون على إنستغرام باللغة الفارسية.
وتظهر الخلافات حول حجب إنستغرام أزمة داخل النظام حول وسائل التواصل ككل، حيث تحاول الأطراف المتصارعة إيجاد حل وسط بين الوصول غير المقيد الذي يتمتع به معظم سكان العالم وبين نموذج الصين المغلق.