رواية عن العراق الذي لم يعرف السلم تفوز بجائزة سيف غباش بانيبال للترجمة

"حدائق الرئيس" رواية تمزج بين اللطافة والسلاسة والتسلية والمأساوية والحكمة والشاعرية، وهي مشبعة بغنى منطقة مأزومة.
الخميس 2019/01/17
الكاتب العراقي محسن الرملي عثر على مترجم تعاطف تماماً مع روايته

لندن – منحت جائزة سيف غباش بانيبال لترجمة الأدب العربي إلى الإنكليزية للعام 2018 إلى المترجم الأميركي لوك ليفغرين عن ترجمته لرواية “حدائق الرئيس” للكاتب العراقي محسن الرملي، التي صدرت عن دار مكلهوز البريطانية، وقد اختارت لجنة التحكيم هذه الترجمة من بين ترجمات لأربع روايات وصلت إلى القائمة القصيرة التي أعلن عنها في ديسمبر الماضي.

وقد تشكلت لجنة التحكيم من أربعة أعضاء برئاسة الناشر بيتر آيرتون، وعضوية كل من المحررة والمترجمة جورجيا دي شامبيريه، والكاتبة والأكاديمية فادية الفقير والباحثة والمترجمة صوفيا فاسالو.

وسوف تمنح الجائزة، وقيمتها 3 آلاف جنيه استرليني، إلى المترجم لوك ليفغرين، في الحفل الرسمي الذي تقيمه جمعية المؤلفين في بريطانيا يوم 13 فبراير 2019 في المكتبة البريطانية في لندن.

وجاء في تقرير لجنة التحكيم أن الرواية المتوجة “يمتزج فيها الشخصي والسياسي والخيالي، حيث يرصد الكاتب تاريخ العراق المعاصر ويسجل كل التعقيدات، والرعب، والعبثية التي تكتنفه. وتتميّز ترجمة لوك ليفغرين بالدقة، وتعكس التغيّرات التي شهدها ذلك البلد. ومن حظ الكاتب أنه عثر على مترجم تعاطف تماماً مع روايته. ومع أن ليفغرين واجه صعوبات كثيرة أثناء الترجمة، لكنه أصدر عملاً مطابقاً للنص العربي، وفي الوقت نفسه، عملاً فنياً رائعاً باللغة الإنكليزية”.

وفي إشارة واضحة إلى ماكوندو في رواية غابريل غارسيا ماركيز التي هُدمت من أجل مزارع الموز، بدأ محسن الرملي روايته باكتشاف تسعة صناديق موز، يوجد في كلّ منها رأس مقطوع مشوّه في إحدى القرى العراقية التي لا يوجد فيها موز، ويعود أحد تلك الرؤوس إلى إبراهيم “المنكود الحظّ” الذي أصبح عقيماً نتيجة إصابته بغازات سامة خلال الحرب الإيرانية، وبُترت قدمه أثناء غزو الكويت، ثمّ وجد أخيراً وظيفة للعمل في حدائق قصر الرئيس.

عندما عُيّن إبراهيم في وظيفته الجديدة “ليعتني بهذه الورود”، أُخذ بجمال الحديقة من السطح، أما الجرائم فكانت تقبع تحتها. ويطرأ تغيير دائم على عمل إبراهيم ومسؤولياته خلال انحداره إلى الجحيم، حتى أصبح حفّار قبور. وعلى الرغم من خوف إبراهيم وإيمانه بالقضاء والقدر، فقد كرّم الموتى الذين دفنهم، وكان يسجّل تاريخ وساعة قتلهم، ويثبّت هويتهم ويوثّقها من خلال جمع شذرات من الأدلة كالجلد والأسنان والأظافر وما إلى هنالك.

ترجمة سلسة لعمل روائي مميّز
ترجمة سلسة لعمل روائي مميّز

لقد أعطى العمل الذي أنجزه إبراهيم تاريخاً لآلاف العراقيين الذين اختفوا. وتتمثل النقطة الهامة التي أثارها الكاتب في أنه باستطاعة عامة الناس أن يحدثوا تأثيراً؛ إذ أن منحه هوية محددة للجثث التي لا تحمل أسماء يعني أن النسيان لا يمكن أن يطوي هؤلاء.

وأكدت لجنة التحكيم أن رواية “حدائق الرئيس” تمزج بين اللطافة والسلاسة والتسلية والمأساوية والحكمة والشاعرية، وهي مشبّعة بغنى منطقة لم تنعم إلاّ بفترات قليلة من السلام في القرن الماضي وتعقيداتها. وتنقل ترجمة لوك ليفغرين الروح الأصلية للرواية وخصائصها بأسلوب جميل. إنها ترجمة سلسة لعمل روائي مميّز. ويجب تهنئة كلّ من المؤلف والمترجم على العمل الذي أنجزه كلّ منهما.

وقد عبّر المترجم لوك ليفغرين عن سعادته لفوزه بالجائزة، كما عبر عن امتنانه الشديد للكاتب محسن الرملي الذي منحه الثقة لترجمة هذه الرواية، لافتا إلى الدور المهم الذي لعبه الأكاديمي الأردني خالد المصري، صديقه الطيب وأستاذه في اللغة العربية، لمساعدته في ترجمتها. كما أدان المترجم بالامتنان ليوسف حنّا، صديقه العراقي الذي قرأ معه أجزاء من رواية “حدائق الرئيس”، وأجابه على جميع الأسئلة اللغوية والثقافية التي كان يطرحها.

وعلق ناشر الرواية كريستوفر ماكلهوز قائلا “إنه خبر رائع، يجعل الناشر يشعر بفخر كبير للتقدير الذي منحته لجنة التحكيم لقدرة المترجم وعبقريته”.

ونذكر أن لوك ليفغرين يعمل مساعدا لعميد كلية هارفرد، ويدرّس اللغة العربية في الجامعة نفسها، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن عام 2012 وترجم العديد من الأعمال العربية إلى الإنكليزية، منها رواية “يا سلام” لنجوى بركات ورواية “تمر الأصابع” لمحسن الرملي، وهي أولى روايات الرملي المترجمة إلى الإنكليزية، إلى جانب ترجمته لرواية “ساعة بغداد” لـلكاتبة العراقية شهد الراوي، التي حصلت على جائزة أول كتاب من معرض أدنبره العالمي للكتاب.

أما محسن الرملي فقد ولد عام 1967 في شمال العراق، ويقيم في مدريد بإسبانيا منذ عام 1995، ونُشر له 11 عملا أدبيا، بين قصص قصيرة وروايات ومقالات وأشعار، وترجم بعض الأعمال الأدبية الكلاسيكية الإسبانية إلى العربية، مثل “دون كيخوته”، وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة والأدب الإسباني من جامعة مدريد المستقلة عام 2000، ويدرّس حاليا في جامعة سانت لويس بمدريد.

وتمنح “جائزة سيف غباش بانيبال لترجمة الأدب العربي” السنوية إلى المترجم الذي يقوم بترجمة عمل أدبي عربي إبداعي كامل يتمتع بأهمية أدبية إلى اللغة الإنكليزية. ويقوم عمر سيف غباش برعاية الجائزة ودعمها إحياء لذكرى والده الراحل سيف غباش من خلال إطلاق اسمه على الجائزة.

وتشرف جمعية المؤلفين في المملكة المتحدة على إدارة جائزة سيف غباش- بانيبال، مع عدد من الجوائز المعروفة في المملكة المتحدة للترجمات الأدبية.

15