رواية أخرجت فيلما قبل سنوات تنبأت بكارثة اليوم

مع ما يجدّ في الواقع من تبعات انتشار فايروس كورونا المستجد، نكتشف أن ما يحدث سبق أن حدث بالفعل في روايات خيالية وأفلام، حتى أن التطابق بين ما يطرأ اليوم والأحداث المصورة أو المكتوبة سابقا يدعو إلى الدهشة، وفيما يذهب البعض مباشرة إلى تبني نظرية المؤامرة، يمجد آخرون أدوار المخيلة والإبداع في قراءة المعطيات والاستشراف.
جوهانسبرغ – تمنى الروائي الجنوب أفريقي ديون ماير ألا يكون الفايروس القاتل الذي يعيث فسادا في روايته “فيفر” التي تحولت إلى فيلم عام 2016، تصويرا دقيقا ومخيفا لفايروس كورونا الذي يدمر العالم حاليا.
وقال مؤلف قصة الفيلم وكاتب السيناريو “لا أجد متعة في ذلك”. مضيفا “ما زلت أفكر في حزن الآلاف من الأشخاص الذين فقدوا أحبتهم ووظائفهم وما زالوا يعيشون في خوف”.
فيلم بعد القراءة
يروي فيلم “فيفر” قصة صمود رجل وابنه في جنوب أفريقيا المقفر بعدما قضى فايروس على 95 في المئة من سكان العالم.
وبعد أربع سنوات، أصبحت أوجه التشابه بين قصة فيلم “فيفر” ووباء كوفيد – 19 مخيفة، حيث نفس القصة تقريبا إذ أن فايروس كورونا ينتقل من الحيوانات إلى البشر، وينتشر في أنحاء العالم، كما يصوره عمل ماير.
وفي السيناريو، تغلق الحدود وتصبح الشخصيات المشاركة في الفيلم أكثر حذرا مع تحكم غرائز البقاء في الناجين.
قصة فيفر كانت كتابتها تتويجا للعديد من المشاعر والمخاوف والكثير من القراءات والبحوث لتكون بتلك الحبكة
وقال ماير (61 عاما) خلال مقابلة مع وكالة فرانس برس عبر الهاتف من منزله في مدينة ستيلينبوش الجنوب أفريقية “فيفر كان تتويجا للعديد من المشاعر والمخاوف والكثير من القراءات”. وأضاف “لطالما أحببت الروايات الخيالية لما بعد نهاية العالم، وقرأت هذا النوع الأدبي بشكل مكثف عندما كنت في العشرينات والثلاثينات من العمر”.
وتابع “عندما أصبحت أكثر وعيا بالتغير المناخي وإيبولا وإنفلونزا الطيور (إتش 5 أن 1) في العام 1996 وإنفلونزا الخنازير (إتش 1 أن 1) في الفترة 2009 – 2010، لم أستطع إلا أن أفكر في أننا نعيش في عالم حيث نهايته تعتبر احتمالا. وقد أصبحت هذه المخاوف مصدر إلهام في العام 2012 خلال رحلة عودة إلى الديار من نيويورك”.
روى ماير “اشتريت مجموعة من القصص القصيرة وقرأتها في الطائرة. كانت إحدى القصص تتناول موضوع ما بعد نهاية العالم وجعلتني أفكر في اتجاهات أخرى محتملة كان يمكن أن يتخذها المؤلف”.
وفي الوقت الذي هبطت فيه الطائرة في كايب تاون، بدأت قصة “فيفر” تتشكل في رأسه. وخلال السنوات الثلاث التالية، جمع الصحافي السابق معلومات علمية لإدخالها إلى السيناريو الخاص به.
وأوضح ماير “كنت في حاجة إلى قتل 95 في المئة من سكان العالم مع ترك البنى التحتية سليمة. وقد بدا أن الفايروس هو الخيار المثالي لهذا السيناريو”.
وأدت ساعات من المشاورات مع اثنين من خبراء علم الفايروسات إلى “أفضل مرشح” للمهمة وهو فايروس من عائلة كورونا.
وقال ماير “لقد… أعطياني تفاصيل كاملة عن طريقة حدوث ذلك. وقد تم تجسيد سيناريو الثلاثي الخيالي في صفحات الرواية”.
وكتب ماير “يستلقي رجل في مكان ما في أفريقيا المدارية تحت شجرة مانغا. كانت مناعته منخفضة لأنه مصاب بفايروس نقص المناعة البشرية، ولم يكن يتلقى علاجا له. وكان في دم الرجل أحد فايروسات كورونا”.
وتابع “في شجرة المانغا كان هناك خفاش، مع نوع مختلف من فايروس كورونا في دمه. واحد يمكن أن يصيب الآخرين بسهولة عند استنشاقه، مع القدرة على جعلهم مرضى للغاية”.
وبالعودة إلى ما يحدث اليوم على أرض الواقع، فعندما كُشف عن الإصابات الأولى بفايروس كورونا في الصين في ديسمبر الماضي، اعترف ماير بأنه راجع كتاباته في حالة صدمة.
وجاء في مقتطف آخر من رواية “فيفر”، “حتى معظم البلدان النامية لديها خطط واسعة النطاق لمعالجة مثل هذا الحادث”. وتابع “من الناحية النظرية، كان ينبغي أن تعمل هذه الخطط. لكن الطبيعة لم تلتفت إلى النظريات”.
إلهام جديد
فيما كان يشاهد أحداث فايروس كورونا في العالم الحقيقي، شعر ماير بأن معظم الحكومات استندت في ردودها إلى “نصيحة علمية جيدة”. وقال “حتى الآن، الأمور جيدة” ملمحا إلى كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتباره أحد “الاستثناءات القليلة”.
لكن الكاتب يخشى أيضا أن يستمر هذا الوضع أشهرا أخرى وتساءل “إلى متى سيكون الناس قادرين على اعتبار المصلحة العامة أهم من نجاتهم ومن نجاة أسرهم”.
وتكافح الدول الفقيرة، بما فيها جنوب أفريقيا، من أجل إبقاء المواطنين في المنزل، ومعظم هؤلاء يعملون في أعمال غير رسمية.
في “فيفر”، يتحول هذا النضال إلى حرب شاملة بين الناجين تحت مراقبة مجموعة صغيرة من البشر الذين صمموا الفايروس.
وتدور نظريات مؤامرة مماثلة في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، زاعمة أن الوباء من صنع الإنسان.
وأمل ماير في ألا توفر روايته الوقود الذي يعزز اقتناع مصدقي تلك النظريات.
ومع دخول جنوب أفريقيا في الأسبوع الرابع من الإغلاق واستمرار انتشار فايروس كورونا المستجد، عرف ماير ما سيكون مشروعه التالي. وقال “رواية عن جريمة تدور أحداثها خلال مرحلة الإغلاق”.