رهان عراقي على تملك الأراضي الزراعية لضبط أسعار العقارات

استقبلت أوساط اقتصادية مساعي الحكومة العراقية لكسر قيود البيروقراطية الجاثمة على سوق العقارات بالكثير من التفاؤل كون الآلية المتعلقة بتملك الأراضي الزراعية قد تهدئ الأسعار، والتي شكلت أحد المشاكل أمام تملك الناس للمساكن منذ الغزو الأميركي قبل عقدين.
بغداد - رجح اقتصاديون عراقيون أن يسهم قرار الحكومة المتعلق بتمليك المواطنين أراضي زراعية في تراجع أسعار العقارات خلال الفترة المقبلة، مما يساعد على التخفيف من أزمة الإسكان الخانقة، رغم ما قد ينجر عنه من سلبيات.
واصطدم الكثير من سكان البلد، وخاصة الطبقتين المتوسطة والفقيرة، في الآونة الماضية بالعراقيل في سبيل الحصول على مسكن جراء الأسعار الخيالية، والتي كانت نتيجة سياسات تخطيط خاطئة على مدار عقدين، فضلا عن استشراء الفساد.
ويؤكد خبراء أن مسألة تحويل صنف الأراضي الزراعية، والتي أقيمت عليها المباني والبيوت من قبل العراقيين، إلى ملك عقاري لها مميزات عديدة ومردود مالي.
واعتبر الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش أن القرار يعني شمول تلك المناطق بالخدمات العامة من كهرباء وماء، الأمر الذي سيتيح استحصال جباية أموال للدولة.
ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى حنتوش قوله إن “تحويل الأرض لن يكون بالمجان، حيث إن سعر تحويل المتر يصل إلى 100 ألف دينار (68.5 دولارا)، ويمكن إعادة استثمار هذه الأموال بإنشاء الطرق والتخطيط العمراني”.
وأوضح أن قرار التحويل سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية، وقد يتراوح سعر المتر الواحد من 700 ألف دينار إلى مليون دينار.
لكنه أشار إلى أن في الوقت ذاته سينتج عنه انخفاض أسعار العقارات في المناطق، بسبب دخول نحو مليونين ونصف المليون وحدة سكنية من زراعي إلى “ملك صرف”.
ويعاني البلد النفطي من أزمة سكن خانقة، وتقول وزارة الإسكان إن النقص يصل إلى قرابة أربعة ملايين وحدة سكنية لحل الأزمة في بلد يتجاوز التعداد السكاني فيه 42 مليون نسمة.
ومن أهم أسباب فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة هذه المشكلة المستعصية هو عدم وجود خطط إستراتيجية بشقيها، قصيرة المدى وطويلة المدى، من أجل تلافي المؤشرات السلبية التي تنتج عنها.
وجعلت حلول أزمة الإسكان التي كانت مطروحة سابقا مجرد وعود غير قابلة للتطبيق وفقاعات للاستهلاك المحلي وعدم إنجاز المشاريع المخططة، وخاصة رخيصة التكلفة، التي أدت إلى تضخم المشكلة مع استمرار معاناة الأسر التي باتت عاجزة أمام هذا الأمر.
ويرى المستشار الاقتصادي دريد العنزي أن القرار مهم جدا، وكان لابد من إجراء دراسة مستفيضة بشكل اقتصادي وشامل تبدأ من عدد القطع وكمية المواد المستخدمة في الوحدات السكنية والخدمات التي يجب توفيرها من ماء وكهرباء ومدارس.
وقال “يجب معرفة حجم ومساحة الأراضي في كل محافظة، بالإضافة إلى تحديد الأسعار المستقبلية”.
وتوقع أن يوفر القرار نحو مليوني قطعة أرض سكنية بمساحة مئتي متر، إضافة إلى أنه سينتج عنه انخفاض أسعار العقارات داخل المدن بشكل عام.
لكن العنزي أكد أن أسعار مواد البناء قد ترتفع، خاصة وأن نسبة 80 في المئة من تلك المواد مستوردة، ما سيؤدي إلى زيادة الطلب عليها.
وتحتاج الدولة إلى مواجهة الوضع بتوفير المواد الأولية بالتنسيق مع وزارة الصناعة، مع النظر إلى حجم القروض والفوائد واستغلال المبالغ المودعة بالبنك المركزي.
وعلاوة على ذلك، يتطلب الأمر الإيعاز إلى الجهات المعنية بالنظر في الخدمات المقدمة للوحدات السكنية في تلك المناطق، لتخفيف الضغط عن مراكز المدن.
ويعتقد الأستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة المستنصرية أحمد الحسيني أن القرار يحمل أوجها عديدة سلبية وإيجابية، إذ إن من سلبياته تقليص المساحات الخضراء، لاسيما وأن البلاد تعاني من تبعات التغيرات المناخية والاحتباس الحراري والتصحر والجفاف.
وقال إن “إصدار القرار سيزيد من تلك الآثار، فضلا عن تشجيع المواطنين على تملك الأراضي الزراعية، حتى وإن كانوا يملكون عقارا داخل المدن، لتحقيق استفادة عند تحويلها إلى سكنية”.
وتوصلت دراسة حكومية حول الأراضي الزراعية بغية اتخاذ القرار بشأنها، إلى أن الأمر عبارة عن واقع حال، وأنه أشبه بقانون العشوائيات الذي أقره البرلمان في السابق.
وفي ضوء ذلك، يؤكد الحسيني أن السلطات لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام واقع الحال، الذي يشير إلى وجود مواطنين بمئات الآلاف يقطنون هذه العشوائيات المملوكة أراضيها للدولة بالأساس.
وقال إن “ذلك دفع مجلس الوزراء إلى أن يقر قانون تمليك العشوائيات، ومن ثم ستشكَّل لجان منبثقة عنه لاحتساب سعر المتر المربع الواحد، وإعادة التعاقد مع المواطنين وبيعها بأسعار ستقر لاحقا”.
ورجح الحسيني أن ما حصل مع العشوائيات سيحصل مع الأراضي الزراعية التي سيتحول صنفها من زراعي إلى سكني.
وثمة مطالب بأن تضع الحكومة سقفا زمنيا لعملية تحويل صنف الأرض، كأن تقرر أن من يسكن الأراضي الزراعية الآن مثلا سيكون مشمولا بالآلية الجديدة، ومن يشتري بعد ذلك أرضا زراعية لا يغير صنفها ويبقى بمثابة الساكن بالتجاوز.
وسيسهم هذا المقترح، بحسب البعض من المحللين، في الحد من شراء الأراضي الزراعية بالتجاوز ولتنتظم عملية الإسكان.
وستكون للآلية الجديدة عقبات أخرى ما لم تتبعها حلول واقعية تناسب حجم القضية المطروحة، للحد من ظاهرة تأثيرها على الجانب البيئي والتخطيط العمراني بالنسبة للمدن.
ويرى خبراء أن الحكومة كان بإمكانها الاستعانة بحلول أخرى، منها توسعة المدن أو بناء مدن جديدة واستثمار مبادرات بعض الدول ممن لديها رغبة في الدخول إلى القطاع السكني العراقي، عبر التعاقد على بناء وحدات منخفضة التكلفة وصديقة للبيئة.
ويؤكد الأكاديمي الاقتصادي ماجد البيضاني أن التخطيط العمراني للمدن العراقية سيتأثر كثيرا عند تنفيذ الآلية، مشيرا إلى أن مشكلة السكن وأسعار العقارات في السوق المحلية لم توضع لها الحلول حتى الآن، رغم بناء العديد من المجمعات السكنية.