رهان سوري على التمويل الأصغر لمعالجة البطالة المزمنة

ينظر المتابعون إلى محاولات السلطات السورية لتوسيع منافذ التعامل بالتمويل الأصغر كإحدى أدوات معالجة أزمة البطالة المزمنة، بالكثير من الشكوك في ظل محدودية قدرة الدولة على توفير الإمكانيات الكافية الناتجة عن مأزق الحرب والعقوبات الأميركية.
دمشق - يكافح المسؤولون في سوريا من أجل إزالة العقبات أمام جعل المشاريع الصغيرة تقوم بدورها في تنمية الاقتصاد المشلول من خلال تقديم المزيد من التسهيلات وتذليل العقبات أمام الوصول إلى مصادر التمويل.
ولا يملك أصحاب هذه النوعية من المشاريع سوى فرصا ضئيلة للنشاط نظرا لكثرة الصعوبات، رغم المحاولات المستميتة من قبل السلطات لتقديم حوافز قد لا تبدو مجدية في سياق بحثها عن سبل مكافحة البطالة والفقر الذي اتسع بسبب الحرب.
وأصدر مصرف سوريا المركزي الاثنين قرارا سمح بموجبه لبنوك التمويل الأصغر توسيع منافذ التمويل للمستفيدين، وذلك استنادا إلى قرار تم اتخاذه قبل عامين، لتنشيط الأعمال رغم الوضع المعقد الذي تمر به البلاد منذ 2011.
وبموجب القرار الذي أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية، فإن البنوك سيكون بمقدورها افتتاح مكاتب في العديد من الأماكن لتيسير وصول أصحاب المشاريع إليها.
وتشمل الأماكن المجمعات التجارية الكبيرة (المولات) وشركات خدمات المكتب المرن والجامعات وأيضا مراكز خدمة المواطن أو أي أماكن مماثلة من الناحية النوعية، مع تحديد الأنشطة التي يمكن أن يتم تقديمها وفق القوانين المعمول بها.
وأوضح المركزي في بيان أن “القرار يأتي في إطار العمل على دعم أعمال مصارف التمويل الأصغر المحدثة بموجب أحكام القانون رقم 8 لعام 2021 لجهة تعزيز النفاذ والانتشار ما أمكن”.
وأضاف سيتم ذلك “من خلال افتتاح منافذها المتنوعة على أوسع نطاق ممكن للوصول إلى الشريحة المستهدفة من المتعاملين من جهة، ومع العمل على تخفيض التكاليف التشغيلية بالحد المناسب من جهة أخرى”.
وقال إن الخطوة تأتي “في إطار مواكبة التوجه الحكومي الخاص بالشمول المالي والعمل الحثيث والتدريجي على تنفيذ أكبر قدر ممكن من العمليات والتعاملات عن طريق القنوات المصرفية”.
كما أكد المركزي أنه “يسمح بموجب هذا القرار للمكاتب المصرفية لمصارف التمويل الأصغر التي يمكن أن تفتتح في الأماكن المشار إليها ممارسة عدد كبير ومهم من الأنشطة المصرفية المسموح بها للمكاتب المصرفية بشكل عام”.
وتشمل تلك الخدمات فتح الحسابات الجارية وتهيئة ملفات المتعاملين الراغبين بالحصول على تمويل واستلام أقساط القروض، إضافة لتسويق المنتجات التي تقدمها.
وعلى نحو مماثل للأنشطة المسموح للمكاتب المصرفية التي تفتح بمقرات مستقلة ما عدا قبول الودائع، وإمكانية تسليم مبالغ القروض الممنوحة، والتي تبقى من اختصاصها.
ولم يشر المركزي في بيانه إلى سقوف القروض التي يمكن لبنوك التمويل الأصغر تقديمها للمستفيدين، لكن الملاحظين يعتقدون أنها قد تكون ضعيفة في المجمل، وبالكاد قد تسد احتياجات أصحاب المشاريع الصغيرة.
ويقر المسؤولون بالتحديات الكبيرة، التي تواجه الحكومة لتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، نتيجة قلة الموارد المالية ضمن مساعيها المضنية لإخراج الاقتصاد من أزماته الحادة.
ولذلك، قررت دمشق في أبريل الماضي، تعديل قانون بنوك التمويل الأصغر الصادر في 2021 عبر إعفاءها من الضريبة على الدخل وإعفاؤها من الرسوم المترتبة على أية عقود أو عمليات تجريها مع الزبائن لتحقيق دعم أكبر للمشاريع الصغيرة.
31
ألف مشروع صغير في مناطق سيطرة دمشق، 13 ألفا منها مرخصة بشكل رسمي
وأكد مدير التخطيط والسياسات المالية بوزارة المالية مياد محمد حينها على أهمية تعديل القانون الذي سيعمل على دعم هذه المؤسسات المالية وزيادة مساهمتها في تحقيق النفاذ المالي.
والبنوك الأربعة المستفيدة من الإعفاءات هي مصرف الوطنية للتمويل الأصغر ومصرف الأول للتمويل الأصغر ومصرف الإبداع للتمويل الأصغر ومصرف بيمو السعودي – الفرنسي للتمويل الأصغر.
ومع اشتداد صعوبات الحياة بالبلد بعد أكثر من 13 سنة على اندلاع الحرب، وفرض عقوبات “قيصر” الأميركية القاسية، لجأت معظم الأسر حلول للتغلب على صعوبات الحياة عبر إنشاء مشاريع صغيرة تساعدها على قضاء احتياجاتها على مدار الأيام.
لكنّ الكثيرين ممن يعيشون تحت سيطرة حكومة الرئيس بشار الأسد يعانون بسبب عدم توفر فرص عمل نتيجة حالة الشلل، وهم ينتظرون وعود المسؤولين لتنفيذ خططهم المتعلقة بتمويل مشاريعهم الصغيرة.
وتشير إحصائيات هيئة تنمية المشاريع الصغيرة إلى وجود 31 ألف مشروع في مناطق سيطرة الحكومة، 13 ألف منها مرخص رسميا و18 ألف يعملون دون ترخيص.
ويعاني نحو 72 في المئة من أصحاب هذه المشاريع من مشكلات في التسويق وعدم القدرة على مواكبة تقلبات الطلب الشديد والافتقار إلى المواصفات وغياب رقابة الجودة، إضافة لمشكلات إنتاجية وكذلك ارتفاع الأسعار وتكاليف الإنتاج في ظل انهيار الليرة.
وفي خضم الحرب وصل معدل البطالة في سوريا إلى أعلى نسبة له في عام 2015 عند 48.4 في المئة مقارنة بالمعدل الرسمي البالغ 8.6 في المئة في عام 2010. ومنذ 2016 اتخذ منحى تنازليا ليصل الى 21.9 في المئة عام 2021.
ورغم وجود عدّة نماذج لاحتساب معدل البطالة الحقيقي في البلاد، لكن يصبح الأمر أكثر صعوبة بغياب آليات الإحصاء الشامل، حيث يتعذر معرفة الأرقام الحقيقية للعاطلين في مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد.
وأحد النماذج التي يرى الخبراء والمؤسسات والمنظمات الدولية، هو الاستناد إلى نسبة المشمولين بالتأمينات الاجتماعية، والتي بلغت عام 2022، حوالي 39 في المئة، ما يعني أنّ معدل البطالة الرسمي في سوريا يفوق 60 في المئة.
وبالتوازي مع ذلك، فقدت العملة المحلية 83 في المئة من قيمتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة و53 في المئة خلال العام الماضي، ومازال تدهورها مستمرا خلال العام الحالي.
وتشير بيانات تعود للبنك الدولي نشرها في مايو الماضي، ضمن تقرير بعنوان “المرصد الاقتصادي لسوريا، ربيع 2024: الصراع والأزمات وانهيار رفاه الأسر” إلى أن 69 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر من بين 23.46 مليون نسمة.
ومع تعرض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، فمن المتوقع أن يستمر الانكماش الاقتصادي ليبلغ 1.5 في المئة هذا العام ارتفاعا من 1.2 في المئة بنهاية 2023.