رهان خارجي على تولي سلام فياض تشكيل حكومة فلسطينية

سجلت تحركات لافتة لرئيس الوزراء الأسبق سلام فياض على الساحة الفلسطينية، ما يشي بأن هناك رهانا إقليميا وربما غربيا على توليه مهمة تشكيل حكومة وحدة وطنية، يطالب بها المجتمع الدولي لإنهاء الانسداد الحالي والبدء في إعمار غزة.
غزة – طرحت تحركات رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت هناك نية لأن يلعب دورا متقدما في المشهد السياسي الفلسطيني مستقبلا، باعتباره شخصية توافقية كما أنه يحظى بعلاقات جيدة مع المجتمع الدولي.
وتمر الساحة الفلسطينية بظروف حساسة في ظل احتقان شعبي على السلطة الحالية بقيادة الرئيس محمود عباس، فاقمتها وفاة الناشط المعارض نزار بنات، وتعثر جهود إعادة إعمار قطاع غزة، بسبب وجود فيتو إسرائيلي وغربي لتولي حركة حماس التي تسيطر على القطاع هذه المهمة.
ويضغط المجتمع الدولي حاليا باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى إعمار القطاع الذي دمرت الآلاف من أبنيته في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل في مايو الماضي. وترى أوساط سياسية فلسطينية أن تحركات فياض لا يمكن أن تكون بمبادرة فردية، بل الأقرب أنها جاءت نتاج رغبة إقليمية وغربية لتوليه مهمة قيادة الحكومة المقبلة.
وقام فياض مؤخرا بزيارة دامت لأيام إلى قطاع غزة، التقى خلالها بعدد من الفصائل الفلسطينية، كما زار معبر رفح الحدودي مع مصر، ومنزل الرئيس الراحل ياسر عرفات، وقبل ذلك كان رئيس الوزراء الأسبق اجتمع بالرئيس عباس في رام الله.
وقال الخبير في الشؤون الفلسطينية طارق فهمي إن فياض يعد أحد الوجوه المطروحة لتولي منصب رئيس الوزراء، وهناك جملة من العوامل التي تدعم وجوده على رأس السلطة التنفيذية، لأنه شخصية تحظى بقدر من التوافق ونجح في تخطي أزمات عديدة اقتصادية في أثناء توليه رئاسة الحكومة سابقا، بجانب أنه وجه معروف لدى الأوساط الدولية والجهات المناحة التي بحاجة للتعاون مع شخصية وسيطة لإعادة إعمار غزة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ستقبل حركة حماس بتشكيل حكومة وحدة وطنية وتتخلى عن مطلبها الرئيس بتعديل النظام السياسي وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية قبل التوافق على تشكيلها؟
وأشار إلى أن التوافق على شخصية لإدارة الحكومة أمر ليس بالصعب، لكن المهم أن تتخلى حماس عن مساعيها لاستثمار الوضع الراهن وطرح نفسها كطرف رئيسي بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي توسيع الهوة مع فتح. وتسعى حركة حماس لاستثمار ما تعتبره إنجازا في حرب غزة الأخيرة التي تفجرت في 10 مايو استمرت لأحد عشر يوما قبل أن تنجح مصر في احتوائها.
وأبدت تحفظا على تشكيل حكومة وحدة وطنية، مطالبة بإجراء انتخابات، وإعادة هيكلة منظمة التحرير، الأمر الذي ترفضه السلطة الفلسطينية. ويرى مراقبون أن الحركة الإسلامية قد تجد نفسها مجبرة على إعادة النظر في طموحاتها في ظل وجود حكومة إسرائيلية تبدو أكثر تشددا، وحرصا على عدم تمكين الحركة من تسجيل أي نقاط.
ولفتت مصادر فلسطينية إلى أن استقبال حماس لفياض في غزة يحمل إشارات عديدة، أبرزها أنها تدرس المشهد الحالي وقد تقبل به رئيسا للحكومة في حال وجود ضغوط عليها من قوى إقليمية، من جانب مصر وقطر، تدعم توليه هذا المنصب، على اعتبار أن الرجل تتوافر فيه كافة الشروط التي يمكن أن تقبل بها الأطراف المختلفة.
وسبق أن تولى فياض الذي لا ينتمي إلى أي تنظيم رئاسة الحكومة بين العام 2007 و2013، وجاءت استقالته على خلفية تجاذبات بينه وبين الحلقة الضيقة للرئيس عباس.
ويستبعد متابعون أن يكون عباس متحمسا كثيرا لفياض، الذي سبق أن انتقد بشدة السلطة وكان آخر انتقاداته حينما توفي الناشط المعارض نزار بنات، قبل أيام، بعد اعتقاله من قبل عناصر أمنية للسلطة الفلسطينية.
وقال فياض حينها في منشور على صفحته على فيسبوك إن “نزار بنات قضى شهيدا دون رأيه وحق الناس في ممارسة هذا الحق”، وأضاف “سيقال في ما يقال سنحاسب الفاعلين”، متابعا “كفى استهتارا بحياة الناس واستخفافا بعقولهم والمطلوب تغيير النهج ودون ذلك ستتكرر المأساة على أيدي فاعلين جدد”.
ويرى المتابعون أن موافقة عباس على تولي فياض مهمة تشكيل حكومة وحدة وطنية، تبدو صعبة إلا في صورة تعرضه لضغوط فعلية من قبل القوى الإقليمية والغربية.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة مخيمر أبوسعدة إن فياض لم يتناول موضوع تشكيل حكومة جديدة مع أي فصيل فلسطيني في أثناء زيارته للقطاع، وهي زيارة استكشافية بالدرجة الأولى، وعبرت لقاءاته مع النخب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عن أنه يدرس مجمل الأوضاع قبل إقدامه على أي خطوة متقدمة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن فياض لم يحظ بعد بالتوافق المطلوب ليكون رئيسا للوزراء، وليست هناك معلومات مؤكدة على فحوى اللقاء مع قيادات حماس خلال زيارته، بينما جرى لقاء بينه وبين الرئيس الفلسطيني عباس قبيل وصوله غزة أوحى بالتفاهم بينهما حول ملفات عدة.
وذكر أن الأطراف الفلسطينية لم تتوافق بعد على التحرك المستقبلي بشأن إعادة ترتيب السلطة الوطنية، لأن حماس تسعى إلى منح الأولوية لمسألة إصلاح منظمة التحرير، في حين ترى فتح أهمية كبيرة لتشكيل حكومة توافق وطني تتولى مهمة حل الأزمات التي تواجه عملية إعادة إعمار غزة، وبما يشكل خروجا آمنا من الأزمة السياسية في الضفة الغربية بعد مقتل الناشط نزار بنات الذي أزعجت تداعياته السلطة الفلسطينية وحركة فتح.