رهان أردني على روسيا لضبط الحدود مع سوريا

يشكك مراقبون في قدرة روسيا على ضبط الأمن على الحدود الأردنية - السورية مع تغلغل الميليشيات الإيرانية في المنطقة، والتي استفادت من انشغال موسكو بحرب أوكرانيا لتعزيز نفوذها. وقدمت روسيا وعودا خلال السنوات الماضية لإحلال الاستقرار في المنطقة إلا أن جميعها باءت بالفشل.
عمّان - يراهن الأردن على دور أكبر لروسيا في ضبط حدوده الشمالية مع سوريا والتي تتخذ منها الميليشيات الإيرانية مركزا لتهريب المخدرات والسلاح، إلا أن محللين يشككون في أن تلعب روسيا دورا في ضبط الحدود الأردنية - السورية، لاسيما أنها تعهدت مرارا بذلك دون أن تفي بوعودها.
وكشفت مصادر أردنية الجمعة عن إجراءات لوجستية جديدة سوف تشهدها الحدود السورية - الأردنية خلال الأيام القليلة القادمة تهدف إلى ضبط التهريب، وتقليص اختراق المسلحين للشريط الحدودي بين البلدين، وذلك من خلال زيادة عدد المخافر الحدودية ومواصلة تسيير دوريات تابعة للشرطة العسكرية الروسية.
وذكرت المصادر الأمنية أن الحدود السورية – الأردنية، وتحديداً جنوب مدينة درعا السورية المقابل لبلدة الرمثا الأردنية، شهدت جولة شاركت فيها الشرطة العسكرية الروسية وعدد من ضباط الأجهزة المختصة السورية. وأشارت المصادر إلى أن الهدف من الجولة هو معاينة الوقائع الميدانية تمهيداً لوضع إجراءات جديدة تسهم في الحد من عمليات التهريب، ومنع تنقل المسلحين عبر الحدود بين البلدين.
وقلل خبراء عسكريون وسياسيون من جدوى تسيير روسيا لدوريات على طول الحدود السورية الجنوبية مع الأردن لمنع تهريب المخدرات إلى المملكة.
واعتبر الخبير العسكري الأردني اللواء المتقاعد مأمون أبونوار أن هذه الدوريات “لن تغير شيئا على الأرض”. وأضاف “لا تغيير في ما يجري منذ مدة طويلة على الحدود الأردنية - السورية، علاقتنا مع سوريا دائما متوترة عبر الزمن”.
وتابع “هذه الدوريات روتينية ترافقها مركبات من الفرقة الخامسة السورية، وبعض الرموز السورية متورطة في تهريب المخدرات، من يحمي الأردن وحدودنا هي قواتنا المسلحة، أصبحت سوريا عاصمة المخدرات في العالم، والأردن بات الحاجز الطبيعي لمنع وصول هذه المخدرات إلى دول الخليج والعالم بالتالي يجب مساعدة الأردن في هذا السياق”.
وبات الجنوب السوري يشكل أكثر الجبهات تغيرا في التمركزات العسكرية والأمنية الإيرانية، كما أنه الأكثر إشكالية بالنسبة إلى الجوار السوري والأكثر حساسية لجهة الأردن كدولة رافضة للتواجد الإيراني، ما يهدد عمّان سواء أمنيا أو من ناحية تهريب المخدرات بشكل كبير.
وخلال الأشهر الماضية وعلى الرغم من اجتماعات ثنائية أردنية – روسية كان آخرها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واجتماعه بالمسؤولين الأردنيين، وعلى الرغم من الوعود التي تم قطعها بضبط الحدود والعمل على استقرار المنطقة، إلا أن عمليات تهريب المخدرات قد زادت، إضافة إلى الفوضى الأمنية المستمرة.
ويُرجع محللون ما يجري من فوضى وتهريب للمخدرات في الجنوب السوري إلى غياب أي رادع حقيقي من الدولة السورية، واستغلال الميليشيات الإيرانية وعصاباتها التي تعمل تحت إمرتها لهذا الغياب ومارست عملياتها الإرهابية من اغتيال وتجويع والضغط على السكان وترهيبهم وإرهابهم لجعل المنطقة منطلقا لتهريب المخدرات والتهديدات الأمنية لابتزاز دول الجوار.
ويقول مراقبون إن التمدد الإيراني في جنوب سوريا الذي زاد بعد تورط روسيا في المستنقع الأوكراني، والذي أجبرها على سحب عدد من قواتها من سوريا ومن بينها الجنوب كان أهم الأسباب لما يجري، حيث لا تمتلك روسيا في الجنوب القدرة على اتخاذ القرار.
وباتت إيران المسيطر الرئيسي في الجنوب السوري رغم كل الادعاءات بعكس ذلك، فمنذ العام 2018 عملت على تجنيد الآلاف من أبناء المنطقة، كما نجحت في توظيف الشخصيات المعروفة بالتهريب لخدمة مصالحها ومصالح حكومة دمشق، ولم تستطع روسيا خلال السنوات الأربع الماضية الحدّ من التمدد الإيراني أو وقفه.
وامتدت السيطرة الإيرانية إلى جميع مفاصل الدولة السورية بما فيها الأجهزة الأمنية وهذا ما يسهّل عمليات تهريب المخدرات دون أن يتعرض أتباع إيران لأدنى تهديد من أي جهة.
وحتى الآن لم تتمكن روسيا من تنفيذ ضماناتها بإحلال الاستقرار في الجنوب، ما أدى إلى سيطرة إيرانية كبيرة على المنطقة وبات من الصعب إخراجها من خلال مبادرات ومفاوضات، فبالنسبة إلى إيران وحكومة دمشق تشكل تجارة وتهريب المخدرات جزءا كبيرا من دخلِهما في ظل الحصار المفروض عليهما، ولا يمكنهما التنازل عنها دون أن يكون هناك مقابل مماثل على الأقل، أو أن يتم إخراج إيران بالقوة من هذه المنطقة.
ومن الواضح أن التفاهمات التي تمت مع روسيا في العام 2018، والتي أدت إلى عملية التسوية في الجنوب السوري لم تعُد سارية بعد مرور أربع سنوات، وانشغال روسيا بغزو أوكرانيا وسحب جزء من قواتها من سوريا، فالأردن يريد تفاهمات جديدة مع حكومة دمشق خاصة في ما يتعلق بالحدود الجنوبية لسوريا بسبب التواجد الكبير للميليشيات الإيرانية واستمرار عمليات تهريب السلاح والمخدرات إلى الأردن.
وكان البند الأهم في تفاهمات 2018 هو إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية مسافة لا تقل عن 60 كيلومترا، لكن السنوات الماضية أثبتت العجز الروسي عن منع هذا التواجد، فالميليشيات الإيرانية تقبع اليوم بالقرب من الحدود سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر مجموعات تهريب ترتبط بها بشكل مباشر.
ولذلك فالأردن معني ببحث موضوع الجنوب السوري مع روسيا من أجل منع انتشار المخدرات والسلاح، وأيضا التنسيق في ذلك مع حكومة دمشق ومع الفصائل المتواجدة في الجنوب، كما أن الأردن يطالب روسيا بالضغط على الميليشيات الإيرانية في الجنوب لاعتقاده بقدرتها على ذلك.
ورغم محاولات الأردن المتعددة في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، وتجنيب الأردن المواجهات المستمرة مع عصابات تهريب المخدرات المتمثلة في الأجهزة الأمنية والميليشيات الإيرانية، واقتراح مبدأ خطوة مقابل خطوة اعتقادا منه أن رفع بعض العقوبات عن حكومة دمشق من شأنه أن يخفف الضغوط على حدودها، إلا أن مساعيه باءت بالفشل بعد إثبات إصرار دمشق وإيران على الاعتماد على صناعة وتهريب الكبتاغون والحشيش والسعي لإغراق الأسواق بتلك المواد.
وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قال في مقابلة مع معهد هوفر الأميركي إن “الوجود الروسي في جنوب سوريا كان يشكل مصدرا للتهدئة، هذا الفراغ سيملأه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.
وليست هذه المرة الأولى التي يحذر فيها الأردن من التواجد الإيراني بالقرب من حدوده الشمالية بعدما سيطرت ميليشيات إيرانية وشيعية على مناطق واسعة في الجنوب السوري، وخصوصا في مدينة درعا التي يتواجد فيها المعبر الأساسي (نصيب - جابر) لتبادل البضائع بين البلدين والذي توقف عن العمل منذ سنوات قبل أن يعود في 2021 بعد الجائحة.
وكشف العاهل الأردني في مقابلة صحافية في 2021 عن هجمات إيرانية على الأردن بطائرات مسيرة قال “إنها تحمل تواقيع إيرانية وكان علينا التعامل معها”.