رهانات حزب "تحيا تونس" تصطدم بحسابات الراهن المعقد

يُحاول حزب “تحيا تونس” المحسوب على رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، إعطاء انطباع بأنه حزب “وُلد كبيرا”، وتتجاوز رهاناته الواقع السياسي الذي يتسم بالتعقيد والضبابية، إلى مرحلة جديدة يكون فيها رقما فاعلا ومُؤثرا في المعادلة السياسية في البلاد.
وعكست التصريحات التي أطلقها مسؤولو هذا الحزب، وطبيعة الاصطفافات والمواقف المُعلنة، حجم التمنيات والأهداف المُراد تحقيقها، كما تصور مجموعة من الرهانات، بخطاب سياسي ينحو باتجاه الدفع بالكثير من المُتغيرات في سياق الاستثمار السياسي في الركام الناتج عن تشظي الأحزاب والقوى الوسطية.
غير أن ذلك الخطاب الذي عبّر عنه بوضوح سليم العزابي خلال تقديمه خارطة الطريق لمراحل تأسيس هذا الحزب الجديد، سرعان ما اصطدم بحسابات الراهن المُعقد، لأنه وببساطة لم يقرأ جيدا الخارطة الحزبية والسياسية في البلاد، وما يلحق بها من توازنات واستراتيجيات.
وسعى العزابي إلى التركيز على أن ولادة هذا الحزب دفعت بها جملة من الاعتبارات التي تبدأ بضرورة تجاوز حالة التشظي والتفكك التي تعيشها القوى الوسطية، إلى مرحلة التجميع والاتحاد، ولا تنتهي عند خلق واقع جديد يُسهل عملية إعادة التوازن للمشهد السياسي والحزبي.
وذهب في خطابه إلى حد تقديم هذا الحزب الجديد على أنه “البديل” القادر بشكله “الديمقراطي” ومضمونه “الحداثي”، على تحقيق الاختراق المطلوب في هذه المرحلة باتجاه تغيير التوازنات التي يُنتظر أن تُفرزها نتائج صناديق الاقتراع خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
وتجاهل عن قصد تداخل المصالح في ما بينها، الذي يعكسه المسار المعقد والشائك، الذي تمر به البلاد، في علاقة باللاعب السياسي الأبرز، أي حركة النهضة الإسلامية، حتى بدا خطابه كأنه محكوم بإيقاع مواقفها، لاسيما وأن القوى التي قال إنه يسعى إلى توحيدها لم تنتظر طويلا لتُعلن عن رفضها القاطع لهذا المسعى الذي جاء في الوقت الضائع.
وفي رد مباشر على تصريحات العزابي التي أشار فيها إلى وجود مشاورات وصفها بالمُتقدمة بين حزب “تحيا تونس” مع أطراف سياسية من العائلة الديمقراطية منها حزب “البديل” برئاسة رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، أكد محمد علي التومي الناطق الرسمي باسم حزب “البديل” أن حزبه لا نية له للانصهار في حزب “تحيا تونس”.
وتابع أن حزب البديل “يحمل مشروعا ورؤية ويزخر بكفاءات كبيرة، وهو مُنفتح على أي طرح فيه تقارب حول مشروع لإنقاذ تونس من الأزمة التي تعيشها، لكنه يرفض اللقاء حول الأشخاص، وبالتالي فإن هذا أمر غير مطروح”.
ولم يقف رفض أطروحات “تحيا تونس” عند هذه النقطة المفصلية التي تجعل من جوهر فكرة تأسيس هذا الحزب تصطدم بإكراهات الواقع الحزبي، عند هذا المستوى، وإنما تحول إلى انتقادات لا تخلو من القلق والهواجس من تشويه المشهد السياسي في البلاد من خلال إعادة تكريس التداخل بين الحزب والدولة وتوظيف موارد البلاد لخدمة هذا المشروع الحزبي.
وعبّر بقوة عن تلك الهواجس، الحزب الجمهوري، الذي دعا رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس إلى تقديم استقالته بعد تكليفه من حزب “تحيا تونس” بالإشراف على مؤتمره التأسيسي، واصفا هذا التكليف بـ”القرار الخاطئ”.
وبرر في بيان له هذه الدعوة بـ”الدور الوطني، وحساسية الهيئة المذكورة وواجب الحفاظ على استقلاليتها وحيادها وحمايتها من كل تداخل مع مهام أو أدوار حزبية تتعارض ودورها الأساسي في بلد يسعى إلى تثبيت خطوات الانتقال الديمقراطي”.
وسبق لحركة النهضة الإسلامية أن حذرت من مسألة التداخل بين الدولة والحزب، عندما أكدت في بيان لمكتبها التنفيذي رفضها المطلق لـ”كل توظيف حزبي لمؤسسات الدولة ومواردها لصالح أي طرف حزبي”.
واعتبرت أن حدوث ذلك يُعد “تهديدا للاستقرار ولبناء الثقة ولكل مسعى توافقي”، فيما كشف عبداللطيف المكي الذي يعتبر واحدا من أبرز قادة هذه الحركة الإسلامية، عن “تخوفات من توظيف إمكانات الدولة لفائدة حزب ما”.
ولم تُفلح عبارات المُهادنة التي جاءت في تصريحات مسؤولي حزب “تحيا تونس” في توسيع هامش التمايز بين هذا الحزب الوليد وحركة النهضة، كما أنها لم تتمكن من تبديد الهواجس المُقلقة التي تعيد المشهد العام إلى مُربع التوافق المغشوش الذي عرفته العلاقة بين حركتي نداء تونس والنهضة خلال السنوات القليلة الماضية.
وعلى وقع هذه المؤشرات، تبدو رهانات حزب “تحيا تونس” تتقاطع على منحى الخيارات الصعبة التي تضيف إلى الهواجس قائمة أخرى من التعقيدات التي تجعل المشهد السياسي العام في البلاد أمام مواجهات سياسية مفتوحة، تتساوى فيها الاحتمالات، خاصة وأن حركة النهضة تجاوزت بكثير الحسابات والمعادلات، وراحت تبني على ما بعدها، لترسيخ استفرادها بالمشهد.