رهانات الأسواق تضغط على التوازنات المالية لسلطنة عمان

الأسواق المالية ترفع تكلفة الاقتراض إلى مستويات حرجة، ومواقف مسقط البعيدة عن جيرانها تقلل فرص معالجة أزماتها.
الاثنين 2019/02/04
مؤشرات مثيرة للقلق

ترجح رهانات أسواق المال العالمية أن تواجه سلطنة عمان أزمة مالية شبيهة بالتي واجهتها البحرين في العام الماضي، لكن محللين يستبعدون حصولها على دعم مماثل للذي حصلت عليه المنامة في ظل مواقف مسقط البعيدة عن أكبر جيرانها الخليجيين.

لندن – تزايدت المخاوف من نشوب أزمة ثقة بالتوازنات المالية لسلطنة عمان بعد أن دفعت أسواق الدين العالمية عوائد سنداتها السيادية إلى مستويات حرجة، وهي ما يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض وأعباء الديون.

فرغم تصنيف سلطنة عمان في مستويات أعلى من البحرين من قبل وكالات التصنيف الائتماني إلا أن العائد على سنداتها التي تستحق في عام 2028 بلغ الأسبوع الماضي 7 بالمئة وهو ما يزيد بنسبة 0.4 بالمئة على عائد السندات البحرينية المماثلة.

ويقول محللون إن مستثمري أدوات الدين السيادية يخشون من تعرض سلطنة عمان لأزمة مشابهة للتي واجهتها البحرين في العام الماضي حين ارتفعت تكلفة اقتراضها والمراهنات على فك ارتباط عملتها بالدولار.

وخرجت البحرين من الأزمة بفضل حزمة مساعدات من السعودية والإمارات والكويت، كانت مشروطة بتنفيذ إصلاحات مالية وضريبية واسعة بينها تطبيق ضريبة القيمة المضافة. وقد نفذتها بالفعل واستعادت ثقة الأسواق.

لكن مراقبين يقولون إن مسقط قد لا تجد حبل إنقاذ مماثلا بسبب بعد مواقفها النسبي عن جيرانها الخليجيين خاصة في ما يتعلق بالقضايا الساخنة مثل حرب اليمن والموقف من السياسات الإيرانية المزعزعة لاستقرار المنطقة إضافة إلى الأزمة مع قطر.

عبدالقادر حسين: مسقط ستكون بحاجة لاقتراض المزيد إذا ما تراجعت أسعار النفط مجددا
عبدالقادر حسين: مسقط ستكون بحاجة لاقتراض المزيد إذا ما تراجعت أسعار النفط مجددا

كما أنها تنأى بنفسها حتى عن تطبيق السياسات الاقتصادية الخليجية، حيث لم تفرض حتى الآن ضريبة القيمة المضافة، التي طبقتها السعودية والإمارات منذ أكثر من عام، والتحقت بهما البحرين مطلع العام الحالي.

ويرى محللون أن التوازنات المالية لسلطنة عمان لا تستطيع أن تكون بمعزل عن السياق الإقليمي. وقد تواجه خيارات مالية صعبة في ظل مناخ إقليمي وعالمي يميل إلى تعزيز التحالفات السياسية والاقتصادية.

وكانت السلطنة التي تعاني من ضائقة مالية، بطيئة في تنفيذ الإصلاحات بعد انهيار أسعار النفط منتصف عام 2014 وتزايد إقبالها على الاقتراض خلال السنوات الأربعة الماضية.

كما أن عجز الموازنة العمانية يعد من أكبر المعدلات في الجهات السيادية التي تراقبها وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، والتي خفضت تصنيف ديونها إلى مستوى عالي المخاطر في ديسمبر الماضي.

وتعد السندات العمانية أرخص من جميع نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، أي أن تكلفة اقتراضها السيادي أعلى من تلك الدول.

ونقلت بلومبرغ عن عبدالقادر حسين، رئيس قسم إدارة أصول الدخل الثابت في “أرقام كابيتال” ومقرها دبي قوله إن مسقط تسعى إلى جمع 6.2 مليار دولار من خلال إصدارات محلية ودولية، لكنها ستكون بحاجة إلى اقتراض المزيد إذا ما تراجعت أسعار النفط مجددا.

وأضاف أن احتياطات الصندوق السيادي يمكن أن تساعد عمان لبعض الوقت “لكن الحكومة بحاجة إلى إظهار عزيمة قوية لتنفيذ الإصلاحات، وإلا فإن تلك الاحتياطات يمكن أن تتآكل بسرعة”.

وقالت بلومبرغ إنه بينما استفادت البحرين ماليا من علاقتها الوثيقة بالسعودية، فإن سلطنة عمان قاومت الضغوط ورفضت الوقوف إلى أي جانب في الخلافات الإقليمية. كما احتفظت السلطنة بسياسات مستقلة جعلتها في بعض الأحيان في خلاف مع جيرانها، ومن بين ذلك علاقاتها الطيبة مع كل من إيران وقطر.

سيرغي درغاتشيف: عمليات البيع المكثفة لسندات عمان في ديسمبر لا تزال حاضرة في الأذهان
سيرغي درغاتشيف: عمليات البيع المكثفة لسندات عمان في ديسمبر لا تزال حاضرة في الأذهان

ويرى محمد علمي مدير محفظة الأسواق الناشئة لدى شركة “فيدريتد انفستورز” في لندن أن “حصول عمان على حزمة دعم خليجية مثل التي حصلت عليها البحرين، سيتطلب إصلاحات جادة على الموازنة وتبني تغيير في توجهها السياسي ليصبح أقرب إلى جيرانها الخليجيين وخاصة السعودية”.

وتتسع المخاوف حاليا بشأن احتياطات البنك المركزي العماني المتضائلة من النقد الأجنبي. وتشير تقديرات المحللين والمؤسسات المالية الدولية إلى أن مستويات أسعار النفط الحالية تقل كثيرا عما تحتاجه مسقط لتخفيف الضغوط على توازناتها المالية الحرجة.

ويرى سيرجي درغاتشيف، كبير مديري المحافظ الاستثمارية في شركة يونيون أنفستمنت برايفتفوندز في فرانكفورت أن عمليات البيع المكثفة لسندات سلطنة عمان السيادية في ديسمبر الماضي لا تزال حاضرة في أذهان المستثمرين. ويضيف أن ذلك سيزيد أعباء الاقتراض وسوف يضيف علاوة إضافية إلى تكلفة ديونها السيادية الحالية بنسبة 0.45 بالمئة.

لكن فيليب غود الرئيس التنفيذي لشركة فيش لإدارة الأصول في زيوريخ يقول إنه ليس قلقا بشأن الوضع الائتماني لسلطنة عمان. ويشير إلى أنها بدأت بتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط بالاستثمار في البنية التحتية والتركيز على السياحة.

وتشير توقعات وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إلى أن الدين العام لسلطنة عمان سيصل إلى ما يعادل 58 بالمئة إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام المقبل مقارنة بنحو 48 بالمئة في نهاية العام الماضي.

10