رهانات أردوغان "لا تتوقف" للتغلغل شمال أفريقيا

تونس - سعت تركيا لاستغلال موجة "الربيع العربي" التي اندلعت شرارتها من تونس قبل أن تمتد إلى ليبيا لترسيخ نفوذها شمال أفريقيا مستغلة صعود نجم الأحزاب الإسلامية آنذاك.
تحظى المنطقة المغاربية في شمال أفريقيا باهتمام تركي خاص سعيا إلى تعزيز النفوذ، في استراتيجية نشطة تنتهجها أنقرة ولكنها تواجه عقبات.
ولوحظ ازدياد تأثير تركيا في منطقة المغرب العربي وتحديدا في تونس وليبيا والجزائر من خلال دعم أنقرة لجماعات الإسلام السياسي مدفوعة بسياسة الرئيس رجب طيب أردوغان لإحياء الإمبراطورية العثمانية، كما يرى المؤرخ بيير فرمرين المتخصص في المغرب العربي المعاصر في جامعة باريس - 1.
وراهنت تركيا على تثبيت نفوذها في منطقة المغرب العربي بدءا من تونس من خلال دعم حركة النهضة الإسلامية والتي تعرفها أوساط سياسية بأنها الواجهة الخفية للنظام التركي.
واتخذ التغلغل التركي في تونس حسب فرمرين بعدا سياسيا ودبلوماسيا وثقافيا ودينيا، وهو ما أثار استياء عارما في تونس.
ودفع ذلك التغلغل المتصاعد غالبية الأوساط السياسية في البلاد إلى التحذير من مخاطره، وتعالت الأصوات المحذرة من تزايد النفوذ التركي في البلاد الذي توسّع منذ زيارة أردوغان لتونس في ديسمبر 2019 والتي كشفت عن طموحات عسكرية تركية قوية ليس في تونس فقط بل في منطقة المغرب العربي أيضا.
وتطور هذا المسعى بأشكال جديدة، عبر إدماج البعد العسكري تحت عنوان التعاون الثنائي، لتكون بذلك تركيا مؤثرة في المنطقة الأفريقية.
وارتبطت زيارة الرئيس التركي آنذاك إلى تونس بالملف الليبي الذي يحتل حيزا كبيرا في أجنداته والتي ربطها مراقبون بمساعي أردوغان لجر تونس إلى الانخراط في النزاع الليبي المستعر في ظل انحياز حركة النهضة للميليشيات وتيارات الإسلام السياسي في ليبيا.
وفي هذا الصدد اعتبر فرمرين أن النفوذ التركي في ليبيا متغلغل على أكثر من صعيد، ووصايتها على حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج والمجموعات المسلحة والسياسية لجماعة الإخوان المسلمين في طرابلس "قوية".
ووقعت تركيا مع حكومة الوفاق الليبية العام الماضي مذكرتي تفاهم، الأولى بشأن السيادة على المناطق البحرية في البحر المتوسط، والثانية حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، رغم معارضة أوروبية وعربية واسعة.
وشرّعت الاتفاقية حسب متابعين لتقسيم ليبيا ورهن جزء كبير من أراضيها لصالح ترسيخ وصاية تركيا عليه.
ويقول المؤرخ فرمرين إن "النفوذ التركي تسارع بشكل مفاجئ وأصبح مباشرا مع التدخل العسكري في ليبيا في 2020 وأصبحت تركيا القوة الخشنة التي لا مفر منها في ليبيا".
أما بالنسبة لبقية دول المغرب العربي، فقد تكون تركيا "القوة الناعمة"، التي تعزز حضورها في المنطقة لأسباب اقتصادية وسياسية في آن واحد، إلا أن خبراء شككوا في إمكانية ترسيخ مكانتها كشريك رئيسي على حساب الفاعلين التقليديين مثل فرنسا.
وبات التمدد التركي في المنطقة يهدد المساس بنفوذ فرنسا، التي تعتبر الجزائر أكبر مستعمراتها القديمة، ولئن كان أردوغان يدرك الأهمية الكبيرة للجزائر بالنسبة إلى فرنسا فإنه عمل على تأجيج الخلافات بين الطرفين من خلال اللعب على وتر حساس بتطرقه إلى حقبة الاحتلال الفرنسي للجزائر وما خلفه ذلك من جرائم جسيمة في محاولة لجذب التأييد الشعبي للجزائريين.
وحاولت تركيا الاستثمار في ملف الذاكرة بين الطرفين، في تصفية حساباتها السياسية مع فرنسا في إطار المعركة المشتعلة بينهما بشأن العديد من الملفات الساخنة على الصعيد العربي والدولي، ولطالما شكل الماضي الاستعماري للفرنسيين في الجزائر، محور تصريحات ومواقف مسؤولين أتراك ضد فرنسا.
واستغل أردوغان الذي ينصب نفسه حاميا للإسلام والمسلمين حول العالم قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد ليشحن العداء بشكل مضاعف، ووجد في الجدل القائم بشأن مواجهة التطرف الإسلامي بوابة لتصفية الحسابات المؤجلة مع ماكرون.
وشدد الرئيس التركي على أن "قيام فرنسا التي تعتبر نفسها قلعة العلمانية والحريات، بعرض الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد مرة أخرى، يعتبر من أبشع أشكال الابتذال، ولا يندرج تحت حدود الحرية، إنما هو معاداة للإسلام بشكل صارخ".
ويرى فرمرين أن هذا مرتبط بالسياسة الإمبريالية لأردوغان المبنية على إحياء العهد العثماني والقومية الإسلامية، في مسعى لكسب جماهيرية شعبية واسعة داخل شعوب دول المغرب العربي، الأمر الذي يسهّل عليه الحفاظ على موطئ قدم وإن كان غير ثابث في المنطقة.
وقال "إنّه نجاح معتبر" ولكنّه "لا يعكس تأثيرا عميقا" في الوقت الذي يبدو فيه الإسلام السياسي فاقدا للزخم في المنطقة.
ويرى المحلل السياسي التركي علي باكير أنّ تركيا تنتهج "استراتيجية الانفتاح تجاه أفريقيا".
ويعدّ المغرب العربي بمثابة جسر نحو القارة الأفريقية، ويضيف باكير أنّ "الأمر ليس جديدا ولكن التطورات الإقليمية والدولية الراهنة توفر فرصا على ما يبدو".
أما بالنسبة للمغرب فتعود الزيارة الرسمية الوحيدة لأردوغان إلى عام 2013، حين كان حينها رئيسا للوزراء ولم يستقبله العاهل المغربي الملك محمد السادس رغم إصرار حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي حثه على الزيارة.