رمضان في الضفة الغربية.. فرحة غائبة وتمسك بالأمل

صمود الفلسطينيين وقدرتهم على الحفاظ على الأمل في ظل هذه الظروف القاسية يظل مصدر إلهام، فبالرغم من كل التحديات يواصلون الاحتفاء برمضان ويسعون إلى إيجاد فرح وسط المعاناة.
السبت 2025/03/08
تطلعات بسيطة للعيش بسلام

بدأ شهر رمضان هذا العام على وقع معاناة مريرة يعيشها أكثر من 16 ألف فلسطيني من سكان مخيمي طولكرم ونور شمس في الضفة الغربية، بعد أن أجبرتهم المواجهات المتصاعدة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي على النزوح من منازلهم.

رمضان، الذي يُفترض أن يكون وقتا للعبادة والاجتماع العائلي، تحوّل بالنسبة إلى هؤلاء الفلسطينيين إلى فترة من القلق وعدم اليقين. فبدلا من تحضير موائد الإفطار والاستعداد للصلاة في المساجد، يواجهون تحديات يومية تتعلق بتأمين الغذاء والمأوى في ظل ظروف معيشية صعبة.

يبقى السؤال الأهم: هل ستقتنع إسرائيل بوقف تصعيدها؟ وهل سيعود الأهالي إلى منازلهم ليعود معهم الهدوء والاستقرار، وتنعم المنطقة بسلام حقيقي؟ الإجابة ليست بيد طرف واحد، بل بيد المجتمع.

وغابت بهجة رمضان عن الآلاف من الفلسطينيين الذين تحاصرهم قوات الاحتلال في شوارع الضفة الغربية، وتواصل مداهمة منازلهم وتدمير البنية التحتية في عمليات عسكرية منظمة. جرافات الاحتلال لم تترك شيئا سليما؛ دمرت البيوت والطرق وحتى المراكز الطبية والمستشفيات، بينما تواصل عمليات الاعتقال العشوائي للشباب، وكأن الضفة الغربية تتحول إلى ساحة حرب مفتوحة، على غرار ما حدث في غزة.

ويعيش الأهالي في المخيمات على أمل أن تشهد الأيام القادمة انتهاء للمواجهات، وأن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم للاحتفال بعيد الفطر مع عائلاتهم بشكل لائق. إلا أن هذا الأمل يتزامن مع واقع مرير يتمثل في استمرار الاحتلال وتصاعد العنف، مما يزيد من معاناتهم ويحول دون تحقيق تطلعاتهم البسيطة في العيش بسلام.

ومن الصعب الحديث عن معاناة الفلسطينيين دون التطرق إلى دور الاحتلال في تفاقم هذه الأزمات. فسياسات الاحتلال، بما في ذلك القيود المفروضة على الحركة والوصول إلى الخدمات الأساسية، تزيد من صعوبة الحياة اليومية للسكان، خاصة في أوقات الأزمات مثل شهر رمضان. هذه الممارسات لا تؤثر فقط على الجانب المادي للحياة، بل تمتد لتطال الجانب النفسي والروحي، حيث يشعر الكثيرون بالظلم والإحباط نتيجة عدم قدرتهم على ممارسة طقوسهم الدينية بحرية، فالاحتلال يصرّ على استخدام كل أدوات القمع والعنف ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وليس في غزة فقط. فبينما تذرّعت إسرائيل في غزة بملاحقة حركة حماس، يبدو أن الضفة الغربية أصبحت بدورها ساحة جديدة لتصفية الحسابات، وإن كانت الذرائع مختلفة هذه المرة. ومع كل عملية عسكرية جديدة، يزداد الحصار الأمني والاقتصادي على الفلسطينيين، ممّا ينشر الذعر والرعب ويقوض أيّ أمل في استقرار أو ازدهار.

من الصعب الحديث عن معاناة الفلسطينيين دون التطرق إلى دور الاحتلال في تفاقم هذه الأزمات. فسياسات الاحتلال، تزيد من صعوبة الحياة اليومية للسكان، خاصة في أوقات الأزمات مثل شهر رمضان

وتكشف سياسات الاحتلال عن مخطط واضح يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، تمهيدا لبناء مستوطنات جديدة وتهويد المنطقة بالكامل. ففي مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، يحاصر الاحتلال السكان ويجبرهم على النزوح، تماما كما فعل في غزة، حيث نزح أكثر من 40 ألف فلسطيني من منازلهم بعد تدمير البنية التحتية بشكل كامل. هذه السياسة لا تهدف فقط إلى السيطرة على الأرض، بل أيضا إلى تدمير حياة الفلسطينيين بشكل منهجي.

ومع ذلك، فإن صمود الفلسطينيين وقدرتهم على الحفاظ على الأمل في ظل هذه الظروف القاسية يظل مصدر إلهام. فبالرغم من كل التحديات، يواصلون الاحتفاء برمضان، ويسعون إلى إيجاد فرح وسط المعاناة، مما يعكس قوة إرادتهم وتعلقهم بحقهم في العيش بكرامة، لكن أكثر ما يؤلمهم هو فقدانهم لأمنهم واستقرارهم، وترحيلهم قسرا عن منازلهم، تماما كما حدث مع أهالي غزة.

لكن هذا الأمل يحتاج إلى دعم عربي ودولي حقيقي. فمن الضروري أن تتعامل الدول العربية مع مخططات التهجير بحكمة، وأن تتحرك كجبهة واحدة لوقف هذه السياسات التي تهدد بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة. وقد جاءت القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة لتعكس هذا التوجه، حيث أكد القادة العرب على ضرورة التحرك العاجل لوقف العدوان الإسرائيلي وحماية المدنيين الفلسطينيين، مع دعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في إنهاء الانتهاكات الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي والإنساني. كما طالبت القمة بضرورة توفير دعم مادي وسياسي لفلسطين، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة سياسات التهجير والتهويد.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستقتنع إسرائيل بوقف تصعيدها؟ وهل سيعود الأهالي إلى منازلهم ليعود معهم الهدوء والاستقرار، وتنعم المنطقة بسلام حقيقي؟ الإجابة ليست بيد طرف واحد، بل بيد المجتمع الدولي الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته في توحيد الجهود العربية والدولية للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها، وإعادة الأهالي المهجرين إلى منازلهم، وضمان عودة الهدوء والاستقرار إلى المنطقة.

8