رمضان جانا

مع إطلالة شهر رمضان، تبدأ الإذاعات العربية في بث الأغاني الخاصة به، والتي لم تتغيّر قائمتها خلال السنوات الخمسين الماضية على الأقل: “بوركت يا رمضان” للبناني حليم الرومي، “مرحبا شهر الصوم” لعبدالعزيز محمود، “أهو جاء يا أولاد” و”أفرحوا يا بنات” لثلاثي المرح، و”حوي يا وحي” و”كريم يا شهر الصيام” لأحمد عبدالقادر، “هاتوا الفوانيس” و”أهلا رمضان” لمحمد فوزي، و”الله بعودة يا رمضان” لمحمد قنديل، و”حالّو يا حالّو” لهدى سلطان و”رمضان جانا” لملك المواويل محمد عبدالمطلب ، وهي الأغنية التي تم تسجيلها منذ 80 عاما، ولا تزال إلى اليوم تتردد على ألسنة الكبار والصغار كلما أهلّ هلال الشهر المبارك، وكأنها أيقونة على جبين رمضان ونشيد رسمي في ديار الصائمين.
بعد أن تأسست في العام 1934 بدأت الإذاعة المصرية في تسجيل أغاني المناسبات التي تحتاج إليها شبكة البرمجة، ومنها أغاني رمضان التي جرى تصنيفها على أربعة أقسام، وهي قسم الرؤية والترحيب، وقسم وصف العادات والتقاليد الرمضانية، وقسم تقديس الشهر وذكر فضائله، ثم القسم الرابع الخاص بتوديع رمضان وأبرز عناوينه أغنية «والله لسّه بدري يا شهر الصيام» للمطربة شريفة فاضل التي غادرتنا إلى دار البقاء في الخامس من مارس الجاري عن عمر ناهز 85 عاما.
ولعل من اللافت أن أشهر أغاني رمضان وأوسعها انتشارا حتى الآن، هي تلك التي تم تسجيلها بعد تأسيس الإذاعة وحتى خمسينات القرن الماضي، وقد كتبها الشاعر حسين طنطاوي ولحنها الموسيقار محمود الشريف وكان من المنتظر أن يسجلها للإذاعة المطرب أحمد عبدالقادر، لكن تم إسنادها للمطرب محمد عبدالمطلب الذي كان يعاني من ضائقة مالية في ظل الظروف التي فرضتها الحرب العالمية الثانية على كافة مجالات الحياة بما في ذلك مجال الفن والمسارح والملاهي.
وكان هدف المطرب أحمد عبدالقادر من التنازل عن الأغنية، هو أن يحصل صديقه عبدالمطلب على مكافأة تساعده على تجاوز أزمته، وبالفعل، سجل الأغنية ونال عن ذلك ست جنيهات، وتم بثّها على موجة الإذاعة للمرة الأولى يوم 2 رمضان سنة 1362هـ، الموافق 2 سبتمبر عام 1943م، أي قبل ثمانين عاما من الآن.
وقد نجحت ”رمضان جانا” نجاحا باهرا سواء في مصر والوطن العربي، حتى أن محمد عبدالمطلب صرّح بأنها أصبحت أهم من بيان المفتي، وأنه لو نال جنيها واحدا عن كل مرة تذاع فيها الأغنية لأصبح مليونيرا، وهذا التصريح طبعا كان قبل انتشار القنوات الإذاعية والتلفزيونية العامة والخاصة بالشكل الذي نراه حاليا، وظهور الفضائيات والإنترنت، والثورة الاتصالية التي جاءت بأجيال جديدة من المغنين وبألوان مختلفة من الغناء وعصفت بالكثير من تراث الماضي، ولكن أغاني رمضان ومنها أغنية محمد عبدالمطلب لا تزال فوق النسيان وكأنها تزداد بريقا مع كل عام جديد.