رمزية سياسية وعسكرية لحصار مجمع الشفاء في غزة

غزة - يحمل تواجد قوات من الجيش الإسرائيلي بالقرب من محيط مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة رمزية سياسية وعسكرية مهمة، بعد أن جرى التعامل معه من قبل مسؤولين في إسرائيل على أن حركة حماس أقامت قاعدتها العسكرية الرئيسية أسفل مبانيه، وأن حصار المجمع سيؤثر في مجريات الحرب.
وقدمت حماس رواية مضادة إنسانية، تعتمد على أن إسرائيل لا تعبأ بالمرضى ومن ذهبوا إلى المجمع طلبا للحماية أو فرارا من نيران الحرب المتواصلة، واستفادت من صور وفيديوهات تسربت إلى وسائل إعلام عربية وغربية كشف جُلها عن تصاعد المأساة على أمل أن تمثل مانعا أمام إسرائيل إذا قررت استهداف مجمع الشفاء مباشرة.
وقال المدير العام للمستشفيات في غزة محمد زقوت في مؤتمر صحفي، الاثنين، “لا يوجد مكان آمن لنقل الجرحى والمرضى والأطفال الخدج من مجمع الشفاء، هناك المئات من الجرحى الذين لا يستطيعون مغادرة المستشفى”.
وأوضح مدير مستشفى الشفاء في غزة محمد أبوسلمية أن “الجثث بالمئات أمام قسم الطوارئ ولا نستطيع دفنها بسبب الحصار الإسرائيلي، ويتم استهداف كل ما يتحرك بمحيط المستشفى، والقصف متواصل.. لا كهرباء ولا ماء ولا غرف عمليات ولا مختبرات دم ولا أشعة والحضانة بالكاد تساعد الأطفال الخدج”.
تركيز إسرائيل على مجمع الشفاء يحوي رغبة في تصويره كبقعة تمثل خطورة أمنية بالغة، وليس مكانا للعلاج فقط
وتنتشر هذه النوعية من الخطابات وتحدث صداها الإنساني، خاصة أن الصور المصاحبة لها تعزز مصداقيتها، وتصريحات بعض المسؤولين الأمميين تصب في صالحها، حيث أصبحوا أقل قدرة على الصمت وامتصاص الغضب.
وأوضح مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن عدد الوفيات بين المرضى في الشفاء ارتفع بشكل كبير، مؤكدا أن الوضع “خطير ومؤلم”، والعالم يصعب أن يقف صامتا بينما تتحول المستشفيات إلى “مسارح للموت والدمار”.
وحاولت إسرائيل تخفيف حدة المأزق من خلال إعلانها عن فتح ممرات آمنة لخروج الأصحاء، وتوفير خدمات طبية للمرضى تحملهم إلى جنوب القطاع، وعرضت تزويد المجمع بالوقود بنسب محدودة لتشغيل الكهرباء، وهو ما رفضته إدارة المستشفى، لأن الكميات المعروضة عليهم ضئيلة تكفي للتشغيل أقل من ساعة فقط، والغرض منها توظيفها إعلاميا وتقديم إسرائيل في صورة المتعاونة إنسانيا.
ويحوي التركيز على مجمع الشفاء من جانب إسرائيل رغبة في تصويره كبقعة تمثل خطورة أمنية بالغة، وليس مكانا للعلاج فقط، وأن حماس توظفه في الحرب وأقامت أسفل مبانيه قاعدة عسكرية مليئة بالأسلحة والذخائر، مستفيدة من المعاني الإنسانية التي يحملها في خداع المجتمع الدولي، بالتالي فاستهدافه يدخل ضمن الأهداف الحيوية.
ويأتي التضخيم الإسرائيلي للخطورة التي تحملها مستشفيات غزة، ومجمع الشفاء خصوصا وتحويله إلى هدف ثمين عسكريا عقب تعثر قواتها في أثناء هجومها البري، وما يواجهه جنودها من متاعب على الأرض، وصعوبة تحقيق الهدف المعلن منذ بداية الحرب وهو اجتثاث القوة المسلحة لحماس من جذورها، ولذلك جعلت إسرائيل المجمع هدفا أوليا يمكن أن تقدمه قيادتها للداخل على أنها دمرت قوة حماس.
اقرأ أيضا:
وأدت الرمزية السياسية والعسكرية التي يحملها مجمع الشفاء إلى جعل القيادة الإسرائيلية تجد فيه هدفا مناسبا للخروج من محنتها والحد من الضغوط الواقعة عليها بسبب طول أمد الحرب عن الفترة المرسومة لها مسبقا، وهو ما اعترف به صراحة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وعدم تحقيق أهدافها المعلنة ممثلة في تدمير قوة حماس وإعادة الأسرى والمحتجزين لديها.
كما أن اهتمام إسرائيل بالمجمع وحصاره قد يؤثر على الدور الذي يلعبه الأطباء والمسعفون فيه الذين قاموا بنقل صورة قاتمة للأوضاع داخله تدين قوات الاحتلال أمام المجتمع الدولي، وتضاعف من تشويه صورة القيادة العسكرية التي أقدمت على تصرفات لا تراعي الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، وأن تركيزها على اتخاذ حماس من المدنيين والمرضى دروعا بشرية غير دقيق.
ويشير موقع مجمع الشفاء القريب من البحر وما يحويه من مقرات عديدة للعلاج يتردد عليها الآلاف من المرضى إلى صعوبة أن تتخذه حماس مقرا عسكريا لها، لأن فتحات الأنفاق تحت الأرض ستكون ملحوظة وتنكشف الحركة للجميع، ما يدحض صدق رواية إسرائيل أو على الأقل يتم تضخيمها لأغراض سياسية أكثر منها عسكرية.
وتستثمر حماس في ما يجري داخل وخارج الشفاء لإحراج إسرائيل والضغط عليها عالميا، وسواء كان للحركة مقر عسكري تحت بنايات المجمع أم لا، وسواء كان كبيرا أم محدودا، فهي تريد تحقيق انتصار معنوي تظهر به انكسار إسرائيل أمام المجتمع الدولي.
إسرائيل جعلت مجمع الشفاء هدفا أوليا يمكن أن تقدمه قيادتها للداخل على أنها دمرت قوة حماس
ويقول مراقبون إن أزمة المجمع الإنسانية تبدو أشبه بمعركة عسكرية، يجد فيها كل طرف مضامين تخدم أجندته، فإسرائيل تريد الاقتحام وإنهاء ظاهرة الشفاء وتصوير الأمر على أنه نصر عسكري بعد دعاية قاتمة أحاطت بدوره إعلاميا، بينما تسعى حماس إلى اتخاذه دليلا على التعاطف معها وتخريب مخططات إسرائيل.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن اهتمام إسرائيل بمجمع الشفاء يؤكد أنها من استهدفت مستشفى المعمداني بعد أيام قليلة على اندلاع الحرب واتهمت وقتها صواريخ حركة الجهاد الإسلامي وقالت في حينه إنها انطلقت خطأ وغيرت مسارها من غلاف غزة إلى داخل القطاع، ووقتها حاولت إسرائيل التنصل من مسؤوليتها العسكرية عن تدمير المعمداني، ومضى هذا الموقف، لكن مع منح المستشفيات أهمية عسكرية، عاد الحديث عن المعمداني يميل ضد إسرائيل.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، الاثنين، أن كل المستشفيات في شمال غزة أصبحت خارج الخدمة مع احتدام القتال بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حركة حماس.
وغطت حرب المستشفيات على بعض النواحي العسكرية في القطاع وخارجه، وجعلت وسائل الإعلام تسلط الأضواء عليها أكثر من متابعة التطورات الميدانية التي يقوم بها كل طرف وما يحرزه من تقدم أو تراجع، ما جعل مستشفيات غزة تعاني من ويلات الحرب بصورة حرمتها من قداستها وعدم المساس بها في المعارك، ووضعتها في موقف لا يقل خطورة عن غيرها من الأماكن الأخرى.
وقد تقدم إسرائيل على استهداف مجمع الشفاء وتقديمه قربانا لمواطنيها أو جائزة تمهد الطريق للقيام باستدارة عسكرية عكسية، لأن طول فترة الحرب بلا خطة مستقبلية وفي أجواء تزداد سخونة داخل إسرائيل ربما يرتد على قيادتها السياسية مباشرة.