رفيق بوبكر.. يمنح كل شخصية يؤديها حياة جديدة

الرباط- يعتبر رفيق بوبكر واحدا من أبرز الممثلين المغاربة الذين استطاعوا أن يتركوا بصمة واضحة في السينما والتلفزيون المحلي، وتجاوز تأثيره حدود الوطن ليصل إلى العالم العربي بأسره، ففي كل دور يؤديه تجد قدرة فنية مقبولة، حيث ينجح في تقديم شخصيات تتمتع بعمق نفسي وشحنات عاطفية معقدة بأسلوب عفوي.
يقوم بوبكر بنسج روح جديدة لكل شخصية، وكأنها جزء حي ينبض بالحياة في مخيلة الجمهور، إذ تكمن قدرته في الغوص داخل تفاصيل الشخصية، محولا كل دور إلى لوحة فنية تعكس العديد من الأبعاد الإنسانية التي تتراوح بين الصراع الداخلي والتأمل في الواقع الاجتماعي، بل ويجسد كل شخصية بما يعكس تطورا نفسيا متتابعا يدعو المشاهد لإعادة التفكير في المعاني الخفية وراء الأفعال والحركات الشعبية للمجتمع المغربي.
أداء تمثيلي
اشتهر الممثل رفيق بوبكر بدور مجيد في فيلم “القسم رقم 8″، حيث قدم أداء مميزا جذب انتباه الجمهور المغربي، وتدور أحداثه حول ليلى المعلمة الطموحة التي تسعى للانتقال إلى مدرسة ثانوية قريبة من منزلها، هروبا من مشقة السفر اليومية، وبعد أن تحقق هدفها بنجاح تجد نفسها أمام تحد جديد وهو تعيينها للتدريس في الفصل رقم 8، وهو فصل لا يخفى على أحد ما يضم من طلاب مشاغبين يشكلون تهديدا دائما لها، سواء في عملها أو حياتها الشخصية، حيث يلاحقونها بتهديدات مستمرة إذا فكرت في تركهم.
ونجح بوبكر في تجسيد شخصية مجيد الطالب المشاغب بأسلوب شعبي واقعي وملهم، فاجتذب قلوب الجمهور المغربي، فلم يكن مجيد مجرد شخصية شريرة أو مشاغبة فحسب، بل كان تجسيدا لإنسانية معقدة ومزيجا من التمرد والعفوية، وهذا ما جعلها تكسب القلوب وتترك انطباعا قويا.
وقد تمكن أداء رفيق بوبكر من إيجاد التوازن بين الجوانب السلبية والإيجابية للشخصية، ليبرز في لحظة التغيير الدرامي العميق في الفيلم. تلك اللحظة التي كشف فيها عن قدرته الاستثنائية على التفاعل مع الأحداث بأسلوب معقول، خاصة في خاتمة الفيلم عندما حاول الانتحار وسرد سبب شغبه وحقده، فكانت تلك النهاية نقطة تحول في مسار شخصية مجيد، وهذا جعل أداء بوبكر يصبح حديث الجميع، ويترك بصمة قوية في قلوب المشاهدين بفضل عفويته وموهبته.
ولا يمكننا أن نغفل عن تفرده في تقديم الشخصيات التي تحمل أبعادا معقدة ومتناقضة. في مسلسل “المكتوب” مثلا، حيث جسد شخصية رجل يواجه صراعا نفسيا عميقا بين الوفاء لأحلامه وحقيقة الواقع المعيش، وأظهر الصراع النفسي الذي يمكن أن يظهر في مثل هذه الأدوار، حيث أضفى على الشخصية هالة من الغموض المحير والعمق الإنساني، وقدم لنا شخصية مكبلة بالكثير من الأسئلة المعلقة في حياتها الخاصة، حيث يجعل الشخصية تبوح بكل مشاعرها وأفكارها دون الحاجة إلى كلمات كثيرة، بل عن طريق تفاصيل بسيطة تخرج من بين تعبيرات وجهه، من حركة جسده، ومن وقع صوته وفي علاقته بالشخصيات الأخرى في المسلسل.
ويتميز أداء رفيق بوبكر بقدرته على التنقل بين الأدوار المتناقضة بمرونة عالية، حيث قدم في مسلسل “نصف قمر” دورا دراميا أظهر فيه براعة في التفاعل مع الأحداث، وتدور القصة حول حادثة تغيير طفلتين في مصحة للولادة، ما يقلب حياة عائلتين رأسا على عقب ويجعل بينهما رابطا لا يمكن فصله، ومع اكتشاف السر الذي يربط بينهما، تنطلق العائلتان في صراع لاستعادة أبنائهما البيولوجيين والكشف عن هوية الفاعل.
ورغم الطابع الدرامي للعمل فإن بوبكر نجح في استخدام هذا النوع من الأداء ليغوص بعمق في شخصية كل فرد، مستخلصا منها عبرا درامية تنبش في جوانب الحياة اليومية للمواطن المغربي، فما يراه البعض مجرد موقف عابر، يجد بوبكر فيه مادة درامية غنية تطرح قضايا اجتماعية معقدة، كما كان يستخدم الدراما أحيانا كأداة لفتح النقاش حول مواضيع مثل الفقر والإحباط وتحديات الطبقات الاجتماعية، يجعل كل لحظة درامية ترافق تأملا عميقا في الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المشاهد.
التنقل بين الشخصيات
في مسار متوازٍ يدير رفيق بوبكر دفة التراجيديا بحرفية عالية، ففي أدوارٍ أخرى قدم فيها شخصيات ضحية الظروف والمجتمع، أسقطنا جميعا في مأساة إنسانية معقدة تجمع بين الإحساس بالخذلان والانكسار النفسي كانتحاره في الفيلم السينمائي “هوس”.
يحسب للممثل المغربي في هذه الأدوار تمكنه من لعب الشخصيات المظلومة التي تسعى لإيجاد السلام الداخلي رغم المحيط المضطرب من حولها، وقدم لنا شخصية تجسد قسوة الحياة وتشتت المشاعر بعد سلسلة من الخيبات التي يواجهها الإنسان حين يطارد حلما لن يتحقق أبدا، حيث جعل من معاناة الزوج الذي تخونه زوجته سمة جمالية تحولت كل لحظة قاسية في حياة الشخصية إلى مشهد يعبر عن ألم إنساني مكثف، ومن خلال هذا الأسلوب العفوي يسحب المتفرج إلى عمق الشخصية وأحاسيسها المتضاربة حتى لو كان الدور دورا صغيرا في فيلم سينمائي ضخم..
ويتمتع رفيق بوبكر بقدرة استثنائية على التحول بين الأدوار المختلفة بشكل جذري، حيث يضفي على الشخصية التي يجسدها طابعا حيا، مملوءا بكل تفاصيلها الدقيقة. ففي فيلم “الطريق إلى كابول”، قدم شخصية “حميدة” الذي فشل في الوصول إلى أمستردام كمهاجر غير شرعي، وبعد انقطاع أخباره عن أصدقائه الثلاثة، قرروا الانطلاق في مغامرة للبحث عنه في أفغانستان.
على سبيل المثال، أبدع بوبكر في تقديم شخصية الشاب الذي يعيش صراعا داخليا بين طموحه في تحقيق النجاح المهني وحبه العميق لأصدقائه. وبفضل تعرض الشخصية لضغوطات متعددة من المجتمع والمحيطين بها، قدمها بوبكر من زاوية سينمائية غنية، مبرزا أبعادا نفسية معقدة جعلتنا نشعر بكل لحظة من معاناته، بين الألم والأمل. كان يتنقل بين أحداث الفيلم وكأن جسده ينبض بالكلمات غير المعلنة، مستخدما حواسه كلها لإظهار التوتر الداخلي للشخصية.
◄ كل حركة أو تعبير صغير يؤديه الممثل يحمل في طياته نافذة تتيح للمشاهد التسلل إلى واقع غير مرئي
ويبرز بوبكر قدرته الفائقة على التنقل بين المواقف الاجتماعية والشخصية، ليحقق توازنا فنيا بين الواقع والتمثيل الفني. في فيلمه الكوميدي “ضاضوس”، يعاني ضاضوس من اضطراب نفسي عميق يجعله يخلط بين الماضي والحاضر، ويسعى للعودة إلى عالم الجريمة من أجل تحقيق العدالة هذه المرة. لذا، يقرر فور خروجه من السجن العودة إلى النصب والاحتيال، ولكن مع مشاريع أكبر وخطط مدروسة لتحقيق أهدافه. ومن هنا، يستعين بأربع نساء يعشن ظروفا قاسية ويجندهن للعمل لصالحه، ليبدأ في تنفيذ عمليات ابتزاز ضد شخصيات معروفة وغنية.
ممثل محبوب
يقدم لنا الممثل رؤية شعبية عميقة للصراعات الداخلية التي تقف وراء كل قرار يتخذه فرد من المجتمع المغربي سواء بالفكاهة أو التراجيديا أو الدراما، فكل حركة أو تعبير صغير يحمل في طياته نافذة تتيح للمشاهد التسلل إلى واقع غير مرئي، حيث يذوب الفارق بين الشخصية وواقعها، بينما لا يقدم تمثيلا تقليديا، بل يجسد حالة من التفاعل الديناميكي بين الممثل والشخصية، بين الذات والتحديات، ويتقن خلق توازن بين تعبيرات الوجه وحركات الجسد وصوته الذي يتأرجح بين القوة والضعف، وبين الصمت الذي يكشف عن الكثير من الأسرار الداخلية للشخصية.
ويبقى رفيق بوبكر الممثل المغربي المحبوب الذي قدم مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية التي ساهمت في تعزيز مكانته في الساحة الفنية المغربية، حيث بدأ مسيرته السينمائية بفيلم “غراميات الحاج المختار الصولدي”، ليواصل تألقه في أفلام مثل “طعم الأمل”، “شفاه الصمت”، “ولد الحمرية”، “القسم 8″، “حكاية زروال”، “السمفونية المغربية”، “الحي الخلفي”، “سالم وسويلم”، “ملائكة الشيطان”، “القلوب المحترقة”، “إكس شمكار”، “موسم المشاوشة”، “مسحوق الشيطان”، “أولاد البلاد”، “القرصان الأبيض”، “الطريق إلى كابول”، “الصوت الخفي”، “المحبة الزايدة”، “كمبوديا”، “كبرو ومابغاوش يخويو الدار”، “30 مليون”، “ضاضوس”، “جرب تشوف”، “جاب الربحة”، و”البطل”. كما تألق في العديد من المسلسلات التي حققت نجاحا كبيرا مثل “عائلة محترمة جدا”، “الكيشي”، “المجدوب”، “حديدان في غيليز”، “الله يسامح”، “دموع وردة”، “زنقة السعادة”، “نصف قمر”، “لمكتوب”، “كاينة ظروف”، “حياة خاصة”، و”جنين”.
ومن خلال هذه الأعمال المتنوعة، أثبت رفيق بوبكر قدرته على تقديم أدوار معقدة ومؤثرة في مختلف المجالات، ما جعله واحدا من أبرز الفنانين في المغرب.