رفع تدريجي لأسعار المحروقات في مصر لتفادي حراك الشارع

القاهرة - أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر رفع أسعار البنزين بأنواعه بواقع 25 قرشا لكل لتر، مع تثبيت سعر السولار، واختارت بذلك ألا تزعج المصريين بصورة مثيرة، حيث توقعوا زيادة أكبر من ذلك، أو تطمئنهم تماما أنها لن تقوم برفع جديد في سلعة حيوية كل قرش زيادة فيها يؤدي إلى زيادة مضاعفة في سلع أخرى.
وقررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المعنية بمتابعة وتنفيذ آليات تطبيق التسعير التلقائي للطاقة بشكل ربع سنوي في اجتماع عقدته قبل نهاية مارس، التوصية بتعديل الأسعار السائدة في السوق المحلي للفترة من أبريل الجاري إلى يونيو المقبل.
وأعلنت الحكومة قرار الزيادة الجديدة متأخرا وتحاشت الكشف عنه خلال الأيام الماضية، وهو ما يؤكده نشر القرار بعد نحو أسبوعين من اتخاذه خوفا من ردات فعل سلبية في شارع أصبح مهيأ للإفصاح عن غضبه على ضوء ما شهدته أسعار الكثير من السلع والخدمات من زيادات متتالية لم تستطع الحكومة المصرية تحجيمها بما انتهجته من سياسات لتخفيف الأعباء عن المواطنين لأن الغلاء جزء من أزمة تمر بها دول عديدة في العالم.
مخاوف في مصر من أن تصطحب الزيادة المحدودة في أسعار الوقود زيادة كبيرة في أسعار النقل والمواصلات
وتم تعديل سعر بيع منتجات البنزين بأنواعه الثلاثة الجمعة وصارت الأسعار بعد الزيادة كالتالي: 7.50 جنيه للتر بنزين 80 و8.75 جنيه للتر بنزين 92 و9.75 جنيه للتر بنزين 95، وتثبيت سعر السولار 6.75 جنيه للتر ويشيع استخدامه في وسائل النقل العام وشحن البضائع والسلع في مصر.
وارتفع سعر طن المازوت المورد لباقي الصناعات بواقع 400 جنيه ليصل إلى 4600 جنيه، وثبات أسعار المازوت المورد للصناعات الغذائية والكهرباء.
وتضم لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية ممثلين عن وزارتي البترول والمالية، وتجتمع بشكل دوري كل ثلاثة أشهر لمراجعة أسعار الوقود وتحريكها رفعًا وخفضًا في حدود 10 في المئة أو تثبيت الأسعار، الأمر الذي درجت عليه خلال العامين الماضين، ونجحت الحكومة في رفع الدعم عن الوقود بدون صدام مع المواطنين.
وتقوم الحكومة بزيادة طفيفة ومستمرة بدلا من القيام بطفرة دفعة واحدة لتتمكن من تمرير الزيادات وتفادي حدوث حراك في الشارع عندما يشعر الناس بوجود قفزة هائلة في الأسعار، حيث استفادت الحكومة من تجربة مضاعفة سعر تذكرة مترو الأنفاق مرة واحدة منذ عامين وما أفضت إليه من غضب معلن بين مستعمليه.
ويشير متابعون إلى أن مراجعة وتحريك أسعار البترول كل ثلاثة أشهر اختراع مصري صميم يمكّن الحكومة من أن تكون الزيادة بسيطة وقد لا يشعر بتأثيرها الناس، وهي طريقة حصيفة مطلوبة في التعامل مع القضايا ذات الأهمية الحيوية والارتباط المباشر بشريحة عريضة من الجمهور.
وتعتمد لجنة التسعير في اتخاذ قرار تحريك الأسعار على أسعار البترول العالمية التي شهدت زيادة منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، كذلك أسعار الصرف التي شهدت زيادة بنحو 15 في المئة الشهر الماضي في مصر عقب قيام الحكومة بما يشبه تحريرا ثانيا للعملات الأجنبية للحفاظ على منجزات برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وقال خالد الشافعي رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية في القاهرة إن كل المؤشرات صبت في خانة تحريك أسعار المواد البترولية بنسبة بسيطة حاليا، على الرغم من الارتفاعات العالمية الكبيرة، لأن الحكومة تدرك خطورة الأوضاع وعليها أن تتحمل العبء الأكبر بدلا من المواطن لحسابات سياسية واجتماعية متباينة.
وأضاف لـ”العرب” أن أسعار النفط العالمية ارتفعت أكثر من 50 في المئة عقب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وتحركت مصر في الحد الأدنى الذي تسمح به المواءمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا تستطيع القيام بزيادة أكثر من ذلك خشية تأزم الموقف وتوظيفه من قبل جماعة الإخوان الشغوفة باللعب على وتر الغلاء لتأجيج الغضب في الشارع.
ورأت الحكومة المصرية ضرورة قطع الطريق على هذا النوع من الاحتمالات وعبور هذه الفترة الحرجة بسلام وأقل خسائر ممكنة، ولو كلفها الأمر أن تتحمل فاتورة اقتصادية كبيرة في هذه المرحلة للحفاظ على استمرار الهدوء والأمن والاستقرار.
وأوضح الشافعي لـ”العرب” أن هناك مشكلة ترتبط بعدم تعريف الشارع بجملة الفواتير الباهظة التي تتحملها الحكومة نيابة عن المواطن في وقت الأزمات الاقتصادية، وهذا دور لا يقوم به الإعلام كما ينبغي ويتم تصدير صورة قاتمة بأن الحكومة تحرك أسعار الطاقة إلى أعلى دائما دون توضيح النسبة التي تتحملها نيابة عن الناس.
وعبّر مواطنون عن مخاوفهم من أن تصطحب الزيادة المحدودة في أسعار الوقود زيادة كبيرة في أسعار النقل والمواصلات في مصر، حيث يقوم سائقو سيارات نقل الركاب بتحديد أسعار الأجرة وفقا لأسعار الوقود.
وتستخدم غالبية سيارات الأجرة في مصر السولار أو بنزين 80، وهما لم يشهدا زيادة هذه المرة، لكن عقب الإعلان عن الزيادة الجديدة سادت توقعات بزيادة الأجرة في وسائل النقل العامة، ما أحدث تململا في صفوف الشريحة التي ترتادها يوميا.
ونفى المركز الإعلامي التابع لمجلس الوزراء المصري ما تردد حول زيادة أجرة الركوب لسيارات النقل الجماعي، وهو ما أكدته وزارة التنمية المحلية المسؤولة عن متابعة ومراقبة أسعار المواصلات في المحافظات.
وكثفت الوزارة من الحملات التفتيشية ومراقبة مخالفات تعريفة الركوب المقررة، وشددت الرقابة عليها، والتأكد من وضع الملصق الخاص بسيارات النقل الجماعي المتضمن خط السير والأجرة لمنع قائدي السيارات من التلاعب بالأسعار.