رفع الفائدة يمنح المغرب فرصة لامتصاص صدمة التضخم الجامح

تسعى السلطات المغربية عبر تغيير سياستها النقدية لامتصاص آثار تقلبات الاقتصاد العالمي على السوق المحلية، والذي أضحى في مرمى ارتدادات استيراد التضخم مما أثر على معيشة الناس بشكل ملحوظ جراء غلاء السلع الأساسية وتكاليفها الباهظة.
الرباط - التحق البنك المركزي المغربي بموجة تشديد السياسة المالية بإعلان زيادة أسعار الفائدة الرئيسية بعد تأخر طويل، أملا في تخفيف العواقب الوخيمة للتضخم، رغم قلق المحللين من أنه إجراء قد يحتاج إلى خطوات حكومية أخرى حتى يحقق أهدافه.
وأثار المركزي عندما رفع سعر الفائدة القياسي الثلاثاء الماضي بواقع 50 نقطة أساس إلى اثنين في المئة تساؤلات عن التحكم في نسبة التضخم التي لم يسبق أن شهدتها البلاد وتداعيات ذلك على اقتصاده عموما وعلى السلم والأمن الاجتماعيين خصوصا.

بدر زاهر الأزرق: القرار لن يكبح الأسعار لكنه قد يخفف وطأة التضخم
ووصل معدل التضخم حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط إلى ثمانية في المئة في أغسطس الماضي مرتفعا من 7.7 في المئة قبل شهر و7.2 في المئة في يونيو الماضي.
وتوقع مجلس إدارة البنك في بيان عقب الاجتماع الأسبوعي أن يرتفع التضخم إلى 6.3 في المئة في عام 2022 من 1.4 في المئة تم تسجيلها العام الماضي على خلفية ارتفاع أسعار الوقود في الأسواق العالمية، قبل أن يتراجع إلى 2.4 في المئة في العام المقبل.
وأوضح المحلل الاقتصادي المغربي بدر زاهر الأزرق لرويترز أن البنك المركزي “كان أمام خيارين أحلاهما مر، إما الخسارة أو التقليل من الخسارة”.
وأضاف “الرفع من نسبة الفائدة كان متوقعا، بل منتظرا منذ عدة أشهر.. لكن تم تأجيله بسبب أن العديد من الشركات كانت لا تزال متأثرة بتداعيات جائحة كورونا، وكذلك العديد من الأسر كانت بحاجة إلى قروض الاستهلاك والقروض العقارية”.
واعتبر الأزرق أن رفع معدل الفائدة لن يخفض التضخم وإنما هو إجراء للتخفيف من وطأته فحسب.
وقال إن “الهدف الرئيسي من هذا الإجراء هو التحكم النسبي في التضخم عن طريق ضمان استقراره وليس تخفيضه وذلك من خلال تخفيض الطلب والرفع من العرض”.
ويرى الأزرق أن هذا القرار ستكون له تبعات على مستوى الاستثمار والاستهلاك.
وقال إن “عددا كبيرا من الشركات محتاجة لقروض الاستثمار، كما أن عددا كبيرا من الأسر المغربية تعتمد على قروض الاستهلاك، وبالتالي فعدد كبير من القطاعات ستتأثر على رأسها العقار في ظل ارتفاع نسب الفائدة وارتفاع أسعار مواد البناء”.

رشيد أوراز: تدابير المركزي غير قادرة على مواجهة العوامل الخارجية
ومضى يقول “إن هذا قد يدفع نحو السير بسرعة نحو الركود الاقتصادي”.
وبينما كان المركزي يعتبر دائما أن التضخم في البلاد “مستورد”، قال محافظ البنك عبداللطيف الجواهري أثناء مؤتمر صحافي عقب القرار إن “التضخم في المغرب بدأ يمس منتجات محلية” وهو ما يقف أيضا وراء قرار الرفع “الخفيف” لنسبة الفائدة كإجراء وقائي عوض أن يستفحل الأمر ويصبح تضخما بنيويا.
ويرى المحلل الاقتصادي رشيد أوراز من المعهد المغربي لتحليل السياسات أن “رفع معدل الفائدة من طرف البنك المركزي لن يؤدي إلى خفض معدل التضخم لأن الجميع يعرف أن معدل التضخم مستورد”.
وأضاف لرويترز “التضخم مستورد وبدأ يصبح محليا لعدة أسباب، منها أن بعض المواد المحلية تعتمد على مواد مستوردة، خاصة منها المحروقات التي شهدت ارتفاعا كبيرا خلال الأشهر الأخيرة والتي أثرت على كلفة النقل التي تعتبر من الكلف الثابتة في الإنتاج”.
ويستورد المغرب كل احتياجاته من الطاقة تقريبا ويغطي إنتاجه من الغاز أقل من 20 في المئة من احتياجات البلاد وخاصة لتشغيل مولدات الكهرباء.
وساهم رفع الحكومة الدعم عن المحروقات في 2015 وإغلاق مصفاة سامير الوحيدة بالبلاد، في تأزم الوضع وارتفاع كلفته في ظل احتكار أصحاب الشركات والمضاربة فيه.
كما أن تقلبات الأسعار العالمية والحرب الأوكرانية الروسية زادت من أسعار المحروقات في السوق المحلية إلى مستويات غير مسبوقة.
وتوقع المركزي في بياناته التي أعلن عنها أن يتسع “عجز الحساب الجاري هذا العام إلى 3.2 في المئة لأسباب من بينها فاتورة واردات الطاقة التي من المتوقع أن تصل إلى 135 مليار درهم (12.2 مليار دولار)”.
وقال أوراز إن “البنك المركزي رفع معدل الفائدة ليرفع عنه الحرج ويخلي مسؤوليته من موجة التضخم التي يعرفها المغرب”.
واعتبر أن الخطوة ستؤدي إلى “كبح النمو بسبب كبح الاستثمار وسوق العمل”.

عبداللطيف الجواهري: زيادة سعر الفائدة ستساعد على مواصلة تنفيذ برامج الدعم
ويرى محللون أن رفع نسبة الفائدة يبقى إجراء يستهدف محاولة التخفيف من أثر التضخم ويجب أن تصاحبه إجراءات حكومية أخرى، كبرامج الدعم التي تقدمها الحكومة لعدد من القطاعات على رأسها النقل.
وقال الجواهري إن “الرفع من الفائدة والتخفيف من التضخم سيساهمان في مساعدة الحكومة على مواصلة برامج الدعم في ظل أسعار متحكم فيها”.
وصرح أيضا للصحافيين بأن “السياسة النقدية لوحدها ليست كافية للسيطرة على التضخم، بل يجب أن تصاحبها إجراءات أخرى”.
وذهب الأزرق في نفس المنحى عندما قال “برامج الدعم الحكومية قد تساهم في استقرار الأسعار ودعم القدرة الشرائية وهذا يخدم الأمن والسلم الاجتماعيين”.
لكنه أضاف “السؤال الرئيسي الذي يُطرح عقب اتخاذ هذا القرار هو هل السياق والظرفية التي يجتازها الاقتصاد وحاجة الشركات إلى قروض الاستثمار والأسر إلى قروض الاستهلاك وقروض عقارية تستدعي اتخاذ قرار الرفع من نسبة الفائدة؟”.
وفي السياق ذاته، قال أوراز في ورقة تحليلية عن التضخم في المغرب تاريخيا وعلاقته بالسلم والأمن الاجتماعيين إن “الاستقرار في المغرب هو استقرار الأسعار”.
وأكد أن بلاده في السابق “نجحت في تجنب التضخم المتفشي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بفضل سياسته النقدية المتينة التي أبقت معدلات التضخم المحلية دون اثنين في المئة معظم السنوات”.
وأشار أوراز إلى أن هذا “ساعد في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي النسبي للمغرب خلال فترة الانتفاضات الاجتماعية في معظم أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
ولكن الوضع حسب رأيه تغير الآن، كما أن السياسة النقدية المحلية غير قادرة على مواجهة العوامل الخارجية التي أدت إلى الارتفاع الأخير في الأسعار.
وأشار أوراز إلى الانتفاضات الشعبية التي شهدها المغرب في السابق بسبب الغلاء وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، والتي كان أبرزها انتفاضات 1981 و1984 و1990.
كما أشار إلى الاحتجاجات التي شهدها المغرب في السنوات القليلة الماضية، كاحتجاجات العشرين من فبراير أو النسخة المغربية من (الربيع العربي)، وغيرها من تحركات الأوساط الشعبية.
وقال إن “الحكومة المغربية تواجه وضعا صعبا، حيث يصاحب ارتفاع التضخم تباطؤ في النمو الاقتصادي”.
وتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي إلى 0.8 في المئة هذا العام من 7.9 في المئة في العام الماضي بعد أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد منذ عقود.