رفع الأسعار تدريجيا يحصّن الحكومة المصرية من غضب الشارع

توزيع زيادة الأسعار على فترات مختلفة يعصم القاهرة من الاحتجاجات.
الأحد 2022/02/06
المصريون يكتفون بانتظار الزيادات في الأسعار

تراهن الحكومة المصرية على التدرج في رفع الأسعار من أجل تفادي الغضب الشعبي حيث قررت اللجنة المعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع الوقود بشكل ربع سنوي زيادة أسعار البنزين في خطوة جاءت متأخرة عما كان مرسوما لها زمنيا.

القاهرة - أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية الجمعة زيادات طفيفة على أسعار الوقود للمرة الرابعة على التوالي، ما أدى إلى زيادة سعر البنزين بقيمة جنيه واحد على مدار عام وسط حالة من الغضب الظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يتحول إلى سلوك احتجاجي تحاول الحكومة تلافيه بأدوات مختلفة.

وقررت اللجنة المعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع الوقود بشكل ربع سنوي زيادة أسعار البنزين بقيمة 25 قرشًا ليصل سعر لتر بنزين 80 أوكتان إلى 7.25 جنيها (نصف دولار تقريبًا) و92 أوكتان إلى 8.5 جنيهات، و95 أوكتان إلى 9.5 جنيهات، في حين تم تثبيت سعر السولار عند 6.75 جنيها، بقيمة زيادة إجمالية بلغت 16 في المئة منذ أبريل الماضي.

وكان من المقرر أن تعلن اللجنة قرارها بالزيادات الجديدة مطلع العام الجاري، غير أن الحكومة عللت التأخر بعدم استقرار أسعار النفط عالميًا، وبدا التأخير متماشيًا مع رغبتها في الإعلان أولا عن زيادات في رواتب الموظفين وتمرير فترات أعياد الميلاد وذكرى ثورة يناير دون منغصات على مستوى الشارع، واختارت الجمعة مع انشغال المواطنين بفرحهم بوصول فريق بلادهم لكرة القدم إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية.

فريدة النقاش: إجراءات الحكومة لا يقبل بها قطاع واسع من المواطنين

ويرى مراقبون أن القاهرة استفادت من أخطاء وقعت فيها حكومات سابقة بعد أن تسببت زيادة أسعار تذاكر المترو بنسبة 500 في المئة مرة واحدة قبل أربع سنوات في مظاهرات، وباتت تضع في حسبانها “انتفاضة الخبز” التي اندلعت في سبعينات القرن الماضي وكانت نتيجة رفع أسعار بعض السلع الرئيسية في مقدمتها الخبز بنسبة مرتفعة.

وتترجم مواقف الحكومة ارتكازها على جملة من السياسات التحصينية، وتعمل على تهيئة الأوضاع في الشارع قبل اتخاذ قرارات الزيادة، وتسير وفق سياسة تفكيك الزيادات وتوزيع عمليات رفع أسعار السلع والخدمات على فترات، وتختار توقيتات ترى فيها الشارع في وضعية تسمح بتقبل قرارات ما يتيح لها سهولة في التنفيذ.

وبالنظر إلى ما جرى بالنسبة إلى رفع أسعار البنزين فقد وضعت الحكومة آلية للتسعير التلقائي على عدد من المنتجات البترولية بعد تحرير أسعارها ضمن برنامج نفذته للتخلص من دعم هذه المنتجات بشكل تدريجي.

وأصبحت توقيتات وقرارات اجتماع لجنة التسعير معروفة بشكل مسبق، فقبل أيام أعلنت مصادر عدة بوزارة البترول عن عزم الحكومة اتخاذ قرار بالزيادات الجديدة، بالتالي فإن الخطوة لم تكن مفاجئة لقطاعات متباينة.

وتقدم الحكومة مبررات للزيادة، فتشير إلى أنها تتوقف على متوسط سعر خام برنت خلال الربع السابق للقرار، وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، على ألا تتجاوز نسبة الزيادة أو الخفض 10 في المئة، ولا تطال الفئات التي تتعامل بشكل يومي مع المركبات وسيارات الأجرة التي تعمل بالسولار وتهم الطبقات الفقيرة فتضمن عدم تحرك المنتمين إليها احتجاجاً على الزيادات.

وتتخذ الحكومة قرارات الزيادة في ليل الخميس وصباح الجمعة (إجازة رسمية) بما يُمكنها من التنفيذ بسلاسة داخل محطات الوقود دون تكدس قد يؤدي إلى احتجاجات، بالإضافة إلى أنها تفصل بين زيادة سعر البنزين وبين زيادات أخرى في سلع وخدمات مختلفة، حيث سبقتها برفع أسعار بعض السلع التموينية الرئيسية.

كما أن القرار الأخير يأتي قبل الذهاب باتجاه تحويل دعم الخبز العيني إلى نقدي وزيادة أسعاره في ظل تأكيدات حكومية عديدة تمهد لهذه الخطوة الفترة المقبلة.

ورفعت الحكومة مؤخرا أسعار الزيوت النباتية والسكر المدعومة بعد زيادات في تكاليف السلع والشحن، وتسعى جاهدة لتعديل خطة دعم الخبز في محاولة للحد من المستفيدين مع نمو عدد سكان مصر، وقللت مرارا من وزن الرغيف المدعوم.

وقالت عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في البرلمان) فريدة النقاش إن إجراءات الحكومة التخفيفية لا يقبل بها قطاع واسع من المواطنين من المثقلين بالأعباء وتحاصرهم زيادات الأسعار من اتجاهات عدة، وعلى الحكومة إعادة النظر في المواد والسلع المدعمة وتوسيع دائرة الدعم في سلع بديلة لتلك التي ترفع أسعارها.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” إذا هدفت الحكومة زيادة أسعار الخبز عليها التوسع في دعم الأرز، وإذا لم تتمكن من وقف الزيادات المستمرة في أسعار اللحوم والدواجن عليها أن تعيد النظر في خطط الاستزراع السمكي.

Thumbnail

ونصحت النقاش بضرورة أن تمضي الحكومة في تنفيذ سياسات تهدف إلى وصول الدعم إلى مستحقيه وإقناع المواطنين بأن توجهاتها نحو تقليل أعداد بطاقات التموين المدعمة في صالح الفئات الأكثر فقراً، وهي أمور قد تسهم في تمرير أكبر قدر من القرارات دون أن تصطدم مباشرة بالشارع.

وقد تحاول بعض القطاعات المتضررة من الزيادات مقاومة قرارات الحكومة في ظل صعوبات الحياة المعيشية، لكن لن تتحرك على مستوى الشارع، وفي كل مرة ستقدم إشارات على رفض قرارات الزيادات، وليس من المعروف إذا كان هذا السلوك سيتغير من عدمه، فالوضع القائم يصعب فيه توجيه اتهامات للحكومة أو المواطنين، ولكل منهم مبرراته المنطقية.

ويؤكد مراقبون أن عدم وجود قاعدة سياسية في الشارع تستطيع أن تقدم بدائل للمواطنين يخدم الحكومة ويصب في صالح استمرار شكاوى الناس من الزيادات دون وجود غضب كبير، فالدور الذي لعبه تيار اليسار في سبعينات القرن الماضي حينما نزل المواطنون إلى الشارع للاحتجاج على ارتفاع أسعار الخبز لم يعد موجودا، لذلك تنجح سياسة الحكومة في امتصاص امتصاص غضب المتضررين من الزيادات.

وذهب المراقبون للتأكيد على أن المجتمع المصري فقد الثقة في كثير من التيارات السياسية المعارضة، ويؤمن بأنه ليس هناك بديل عن التوجهات الرسمية الحالية، لكن المهم أن تصل رسائل الغضب إلى الحكومة لتعيد التفكير في قرارات أخرى أو تخفف من حدتها، وهو أمر جاء بنتائج إيجابية على مستوى خطوة زيادة أسعار الخبز التي تتردد الحكومة كثيراً في الإقدام عليها.

ولدى دوائر حكومية عديدة قناعة بأن استمرار الانفجار السكاني يدفع نحو الحاجة إلى زيادة أسعار السلع والخدمات ما يُمكنها من توفيرها، وانخفاض جودة وقيمة الخدمات التي تقدمها سببه الزيادة السكانية، بما يجعلها تُلقي بالمسؤولية على المواطنين أنفسهم لتؤكد أهمية أن يضحي الجميع في عملية توفير الخدمات.

3