رفض التلقيح صداع في رأس الحكومات تغذيه المعارضة

منظمات وجمعيات وأحزاب تعارض فرض جواز التلقيح، ومطالب بوقف تنفيذه.
الخميس 2021/12/23
بين الحفاظ على الصحة العامة وتقييد الحريات

لندن – تحولت منظمات حقوقية وجمعيات بالإضافة إلى أحزاب سياسية إلى كتلة معارضة لإجراءات الحكومات ضد لقاح فايروس كورونا التي تهدف إلى تحقيق مناعة جماعية.

وعاد الجدل مجددا بشأن التلقيح، مع فرض الحكومات لجوازات التلقيح عند دخول الفضاءات العامة.

وبدأت الحكومة التونسية الأربعاء تنفيذ مرسوم جديد بشأن فايروس كوفيد – 19، والذي يمنع أيّ شخص يبلغ من العمر 18 عاما أو أكثر لا يحمل “جواز التلقيح” من الدخول إلى عدد كبير من الفضاءات العامة والخاصة، ويحظر عليه العمل في القطاع العام أو وظائف القطاع الخاص بأجر، وإذا كانوا مواطنين تونسيين يمنعهم من السفر إلى الخارج.

وكانت منظمة العفو الدولية في صدارة المعارضين للمرسوم وطالبت بوقف تنفيذه. وقالت آمنة القلالي نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية “يجب على السلطات التونسية ألا تنفذ المرسوم الجديد قبل تعديله لضمان عدم انتهاك اشتراطات جواز التلقيح للقانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال تهديد لقمة عيش التونسيين من دون داعٍ عبر فرض عقوبات قاسية بلا مبرر على عدم الامتثال للقانون”.

عمر الشرقاوي: تحرك المحامين يغلب عليه الطابع السياسي أكثر من القانوني

وفي المغرب قوبل بدء تنفيذ قرار الحكومة بفرض جواز التلقيح بردود فعل غاضبة من قبل المحامين الذين احتجوا الاثنين بمظاهرات في مختلف المدن ورفضوا الالتزام بالقانون.

ويعتقد المحلل السياسي عمر الشرقاوي أن بلاغ نقابة هيئة المحامين الرافض لاشتراط جواز التلقيح لولوج المحاكم يغلب عليه الطابع السياسي أكثر من الطابع القانوني الذي يهدف إلى حماية قواعد النظام العام التي من بين أسسها الصحة العامة.

وأوضح الشرقاوي أنه قد تفلح هيئات المحاماة في فرض تحديها للقانون ولقرارات السلطات العمومية، فهي لوبي قوي ومتضامن وله نفوذ معتبر، لكن ذلك سيؤثر لا محالة على مصداقية قرارات السلطات القانونية والقضائية، وسيدخل المغاربة في نفق نكران القانون.

وجاء تصعيد المحامين بعد حملة معارضة لفرض الحكومة للتلقيح قادتها خلال الأشهر الماضية القيادية اليسارية المحسوبة على المعارضة نبيلة منيب.

واعتصمت منيب التي ترأس الحزب الاشتراكي أمام البرلمان في أكتوبر الماضي، بعد أن منعت من الدخول إلى مقر البرلمان بسبب عدم استظهارها بجواز التلقيح.

كما منعت زميلتها النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار فاطمة التامني من الدخول بسبب عدم توفرها لا على جواز التلقيح ولا على شهادة التلقيح.

وبينما ينظر الرافضون للتلقيح إلى مواقف مثل هذه بعين الارتياح وتشجعهم على التمسك بقرارهم يرى مراقبون أن مواقف كهذه تشكل قمة الانتهازية السياسية حيث تستغل الأحزاب والمنظمات الوباء للضغط على الحكومات أو محاولة استمالة الشارع بتكريس نظرية المؤامرة بعد أن عجزت تلك الأحزاب عن إقناع الناس بأفكارها وبرامجها.

ويحذر مراقبون من أن تصل موجة الاحتجاجات الشعبية ضد فرض اللقاح إلى الدول العربية حيث شهدت أوروبا خلال الأشهر الماضية احتجاجات شعبية انخرطت فيها أحزاب سياسية.

وفي النمسا لعب حزب الشعب والحرية والحقوق الأساسية الذي تم تشكيله حديثًا والمناهض للقاح دوراً أساسياً في التخطيط للاحتجاجات الأخيرة على الأرض. وشبّه الحزب القيود التي فرضتها الحكومة بممارسات الحكم النازي خلال الحرب العالمية الثانية ووصف الحكومة بأوصاف شنيعة مثل “الدكتاتورية” و”الفصل العنصري”.

وتقول جينا كلارك -الباحثة في “مركز الإدراك المتقدم” التابع لجامعة ديوك في ولاية نورث كارولينا الأميركية- في مقال نشر ضمن العدد الأخير من مجلة “فورين بوليسي” إنه في حين أن “البلدان الأكثر ضعفاً في العالم حُرمت من نصيبها العادل من جرعات التطعيم، فإن المشكلة في البلدان الأكثر ثراءً لا تكمن في توفر اللقاحات، وإنما في التردد بأخذها أو القبول بها، وذلك تحت وطأة أسباب نفسية أو ثقافية أو حتى سياسية”.

وتشير كلارك بذلك إلى أن وجود أعداد كبيرة من غير الملقحين هو ما يُبقي وباء كورونا خطرا داهما باستمرار.

فعلى الرغم من أن الإشارات الأولى لظهور متحور “أوميكرون” جاءت من جنوب أفريقيا، حيث نسب التلقيح ما تزال منخفضة، فقد توفرت دلائل على أن هذا المتحور ظهر قبل ذلك في بلدان حققت نسب تلقيح عالية مثل هولندا. كما توفرت فيما بعد دلائل أخرى أشارت إلى أن هذا المتحور ظهر في العديد من دول العالم، من دون أن تكون الإصابات قد نتجت من جراء السفر من بلدان منخفضة نسب التلقيح.

تحذيرات من أن تصل موجة الاحتجاجات الشعبية ضد فرض اللقاح إلى الدول العربية

وترصد كلارك العديد من النماذج السلوكية في الغرب تحول دون الأخذ باللقاحات المضادة لكورونا. وتشير في بعض جوانبها إلى وجود أنماط رفض تعود إلى أسباب نفسية من قبيل الخوف من الآثار الجانبية للقاحات، ووجود معتقدات ثقافية مناهضة للتطعيم تنسج أساطير حول أثر اللقاحات، فضلا عن أثر الأفكار التآمرية التي أثارها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول المنشأ الصيني للفايروس، وما إذا كان قد تم تخليقه عمدا. وذلك إلى جانب اعتقاد البعض أنهم أكثر ذكاء من باقي المجتمع، وأنهم لن يُجبروا على أخذ لقاحات قد تتحول إلى وسائل للسيطرة على الأجسام.

ويشير رصد الوقائع في العالم العربي إلى أن “نظرية المؤامرة” ظلت أحد أبرز الأسباب التي جعلت الملايين يترددون في تلقي اللقاحات. فعدا عن أن الفايروس قد تم تخليقه لقتل البشر، أو للتخلص من الزيادات السكانية في العالم، فإن الموقف من اللقاحات اقترن أيضا بالمخاوف من فاعليتها، وبأطماع الشركات المنتجة للقاحات.

وساهم تأخر وصول اللقاحات إلى الدول الفقيرة في جعل وسائل الإعلام تميل إلى اتخاذ موقف سلبي تجاه المخاطر، وذلك في محاولة لتهدئة المشاعر. حيث حرصت أجهزة الإعلام الرسمية على بث رسائل طمأنة كانت لا تتناسب مع حجم الخطر، ولكنها تتناسب مع عجز الحكومات عن تلبية الاحتياجات. وهو على عكس الحال في الدول الغنية التي ظلت تحض مواطنيها على تلقي اللقاحات بمختلف وسائل الدعاية والمتابعة والتوعية بالمخاطر.

ولعبت “القدرية” دورا مهما أيضا في الحد من الدوافع لتلقي اللقاحات حتى بعد أن توفرت. فالاعتقاد القائل “إن الأعمار بيد الله” ظل كافيا بالنسبة إلى الملايين من أنهم لن يصابوا بسوء، سواء أخذوا اللقاحات أم لم يأخذوها.

1