رغم جهود حكومة تونس.. لماذا يتصاعد الغضب ضد المهاجرين

مهاجرون غير نظاميين يستمرون بالتواجد في الأراضي التونسية دون أفق واضح لمغادرتها.
الثلاثاء 2024/05/28
مخيمات منتشرة تحت أشجار الزيتون

تونس - عبّر تونسيون من منطقتي العامرة وجبنيانة بولاية (محافظة) صفاقس (شرق) عن غضبهم من استمرار تواجد مهاجرين غير نظاميين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء على أراضيهم.

ورغم حملات أمنية تنفذها السلطات لإخراج الآلاف من المهاجرين غير النظاميين من غابات زياتين العامرة، إلا أنهم يستمرون بالتواجد في هذه الغابات دون أفق واضح لمغادرتها.

وغضب الأهالي من تواجد المهاجرين فسره محمد بن فرح، الناشط بالمجتمع المدني في معتمدية العامرة، بأن “الوضع في العامرة منذ سنة ونصف شهد عدة تطورات في مختلف المجالات، فكل مجال ضُرب في الصميم، كالمجال التربوي والديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي”.

وأضاف “نعيش مرحلة من التحولات الخطيرة جدا على النسيج المجتمعي في معتمديتي العامرة وجبنيانة.. وصلنا مرحة لم يعد أحد مرتاحا، لا أفارقة جنوب الصحراء (المهاجرون) ولا الأهالي”.

واعتبر أن “الوضع في العامرة وصل مرحلة خطيرة فقدنا فيها السيطرة الأمنية والاجتماعية على مجال جغرافي في جهتنا إلى درجة تصل إلى الاحتلال”.

وتابع أن “العديد من المواطنين يشتكون من عدم إمكانهم الوصول إلى مزارعهم وزياتينهم، ووصلنا إلى درجة أن منازلهم ربما ستُفتك منهم (تُسلب) من قِبل المهاجرين غير النظاميين”.

ورغم رفضه الوضع القائم، قال بن فرح إن “الأفارقة يعانون الإهمال والتسيب والفوضى، ووضعهم الاجتماعي قاس جدا، ويشكلون قنبلة موقوتة، خاصة مع توقع ارتفاع عددهم في الصيف”، محذرا من أنهم “قد يصلون إلى مرحلة رد فعل تهدد المواطن التونسي في عيشه وأملاكه وأرزاقه، خاصة في ظل غياب الحلول الناجعة في التعاطي مع الأمر”.

الناشط بالمجتمع المدني محمد بن فرج يؤكد أن الوضع في العامرة خطير فقدت فيها السيطرة الاجتماعية على المجال

وأضاف “الآن الحلول الأمنية على أهميتها غير كافية في المنطقة، بل تزيد الأمر تعقيدا، وفي الحمايزية، منطقة تدخل فيها الأمن لإجلاء الأفارقة، الناس يقولون كفى للتدخلات الأمنية وقنابل الغاز المسيلة للدموع وتهديم خيامهم، فهم يعودون إلى قطع أغصان الزياتين وقنوات الري لبناء خيام لهم”.

وتابع “خسرنا فلاحتنا السقوية (المروية) وأشجارنا المثمرة، خاصة ثروة الزياتين، والناس لم تعد لها ثقة في المستقبل وتصورات الحكومة في معالجة الأمر، ونخشى الصيف المقبل، ولنا إحساس بأن الأمر سيتعقد أكثر”.

وأردف “أعتقد أنه لو أولت السلطات أهمية لأصواتنا وتحذيراتنا من هذه الظاهرة قبل أن تستفحل، لتمت معالجة الأمر”، مرجحا أنه “بعد شهر يمكن أن تفوق أعدادهم (المهاجرون غير النظاميين) أعداد الأهالي”.

ونبه بن فرح إلى أن “مع العطش والإجراءات التي تمس إنسانيتهم، بمنع الأكل والشراب وكراء المنازل لهم، ربما هذا يزيد في تغذية نزعة العنف داخلهم، لا ندري ماذا ستكون ردة فعلهم إذا جاعوا، لأنهم يعيشون ظروفا قاسية جدا في زياتيننا وعلى أراضينا، والوضع ينذر بكارثة في القريب العاجل، إذا لم تقف كل الأطراف لنجد حلا جذريا”.

واعتبر أن “الحل بالنسبة إلينا في العامرة هو ترحيلهم من المكان، مع المحافظة على إنسانيتهم وكرامتهم، التي لا ينكرها أحد، فنحن لسنا عنصريين”.

واستدرك “لكن قبل أن نفكر في حقوق هؤلاء، علينا أن نفكر في حقوقنا، وأن تكون لنا أرضنا ونضمن حقنا في استغلالها، الناس هنا تعبوا من أجل هذه الأراضي والزياتين، ولا يمكن أن نسمح في لحظة ما بأن يستولي عليها الآخر”.

وتابع “لنا العديد من المناطق السقوية التي خسرناها، لأن المهاجرين غير النظاميين يقيمون خيامهم بالقنوات البلاستيكية وبلاستيك البيوت المحمية (صوب بلاستيكية)، والآن يقطعون أغصان الزيتون لبناء خيام لهم”.

وحول الحلول التي يطرحها المجتمع المدني، قال ابن فرح “قبل ترحيلهم إلى بلدانهم أو إلى أوروبا، يجب إبقاؤهم في الحدود، فكل شبر من الأرض نحتاجه، وهي مناطق سقوية. هل نخسر أراضينا ونحن منطقة مهمشة بها نسبة كبيرة من الفقر وشباب معطل؟.

وشدد على أنه “لا يمكن التفكير في التنمية أمام هذا الوضع المأزوم، لذلك نقول إن مستقبلنا مأزوم وأمامنا أيام صعبة، ولكن المجتمع المدني نبه من قبل، إلا أنه مُغيّب”.

وتساءل “المنظمات الدولية التي تدفع لهم الأموال لماذا لا تدفع لهم في بلدانهم وتوفر لهم مسالك تنموية لتشجيعهم على الاستقرار في بلدانهم؟ ولماذا لم تغير طريقة التعامل معهم التي تغذي الحروب في تلك المناطق؟”.

وأضاف أن “الجميع يهرب من الحروب، سواء كانوا سودانيين أو بوركينيين أو غينيين أو سنغاليين، ولهم حد أدنى من التدريب، فتونس مقبلة على فترة سيئة جدا إذا لم توقف هذه الظاهرة (استمرار تواجد المهاجرين)”.

واتفقت ضحى بن سعيد، ناشطة بالمجتمع المدني، مع بن فرح في مخاوفه من تبعات استمرار استقرار المهاجرين في غابات الزياتين، قائلة “قلقون جدا، وهنا صرخة فزع للمواطنين، ونحن قادمون على كوارث بيئية وصحية”.

وأضافت “نريد حلولا جذرية من رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي قال إن تونس ليست أرض توطين للمهاجرين ولن تكون أرض عبور إلى أوروبا”.

وتابعت “السكان تعرضوا للسرقات والمضايقات والمداهمات. نريد أن يصل صوتنا إلى أعلى مستوى، لنا ثقة في دولتنا وأمننا ورئيسنا لإيجاد حلول لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين الذين يتجولون بأسلحة بيضاء”.

وقال بالوتا سيسي، وهو مهاجر غير نظامي، “أتيت منذ 9 أشهر ونعاني هنا.. غادرنا بلادنا لظروفنا الصعبة التي لا أريد تذكرها، لأتجه إلى أوروبا”.

واكتفى سيسي بالقول إنه “من غينيا” دون تفصيل أكثر، وأضاف “عندما جئت إلى هنا لم أرد البقاء أكثر من شهرين أو ثلاثة لأعبر البحر المتوسط”.

تونس تشهد تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا خصوصا باتجاه سواحل إيطاليا على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلد ودول جنوب الصحراء

وتابع “هنا لا نأكل جيدا ولا نعيش في أحسن الظروف، ونتعرض للعنف من قبل إخوتنا الأفارقة”، موضحا “نريد الإعانة الدولية لنخرج من هذا الوضع، حيث نتعرض للعنف والاعتداء وانعدام الأمن، ونعيش في بيوت قش بلا أبواب، وهناك نساء تعاني وأطفال، وهذا غير مقبول”.

كما قالت كاديات كامارا من غينيا كوناكري “أنا هنا منذ 9 أشهر، ونتناول بصعوبة وجبة في اليوم، ونريد العبور إلى أوروبا، ولكن الدولة التونسية ترفض”.

وأضافت “نعاني كثيرا هنا، لا غذاء ولا أموال ولا شغل، وكلما يأتون إلى هنا يهينوننا كي نغادر”.

وتابعت “نريد مرافقة المجموعة الوطنية (السلطات التونسية) والدولية لإخراجنا من هذا الوضع، ونطلب من الرأي العام الوطني والدولي أن ينظر إلى وضعنا وأين ننام”، مشددة على أن “الأطفال والنساء والرجال يعانون دون فرق أو تمييز.. مطلبنا هو العبور”.

والثلاثاء، أعلن وزير الداخلية التونسي كمال الفقي المقال أن السلطات أحبطت منذ بداية 2024، 3 آلاف و369 عملية هجرة غير نظامية وانتشلت 341 جثة، بالإضافة إلى إنقاذ 4 آلاف و336 مهاجرا غير نظامي.

وقال الفقي إن 52 ألفا و972 شخصا حاولوا، منذ بداية العام الحالي، اجتياز الحدود البحرية خلسة نحو أوروبا انطلاقا من السواحل التونسية، بينهم 48 ألفا و765 أجنبيا.

ومنذ فترة تشهد تونس تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، خصوصا باتجاه سواحل إيطاليا، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلد ودول أفريقية أخرى، لاسيما جنوب الصحراء.

وأعلنت المفوضية الأوروبية في سبتمبر 2023 تخصيص مساعدات لتونس بقيمة 127 مليون يورو، تندرج ضمن بنود مذكرة تفاهم موقّعة بين تونس والاتحاد الأوروبي، جزء منها للحد من توافد المهاجرين غير النظاميين.

4