رغم إشارات الجسم التحذيرية مرضى القلب يواصلون التدخين

باحثون يؤكدون أن أغلب المدخنين لم يحاولوا قط الإقلاع عن السجائر، وأن الاستمرار في التدخين بعد توسيع الشرايين التاجية يعجّل بالوفاة.
الخميس 2019/03/14
التبغ يودي بحياة ستة ملايين نسمة تقريبا كل عام

ينتاب المدخن الخوف فور إعلامه بإصابته بمرض في القلب وترتفع درجة الخوف كلما زادت حدة الإصابة. ويشعر المريض في ذلك الوقت بضرورة الالتزام بتوصيات الطبيب بالإقلاع عن التدخين واتباع نظام صحي صارم لأن في ذلك نجاته. لكن سرعان ما يتبخر كل ذلك الخوف ويعود إلى سجائره وربما بشراهة أكبر.

ميونيخ (ألمانيا) – كشف باحثون من أكثر من دولة أن الكثير من المدخنين يستمرون في التدخين أو يتصرفون بشكل غير صحي، رغم إصابتهم بمرض في القلب.

وفحص الباحثون في دراستهم التي نشرت في العدد الأخير من دورية “يوروبيان جورنال أوف بريفينتف كارديولوجي” الأوروبية للطب الوقائي للقلب، أكثر من 8200 حالة إصابة في القلب من 27 دولة، واستطلعوا آراءهم بشأن عاداتهم الغذائية، وما يفعلونه في أوقات فراغهم.

وذكر 19 بالمئة من المرضى أنهم استمروا في التدخين بعد أن علموا أنهم مصابون في القلب، وتبيّن أن 82 بالمئة منهم من البدناء، وأن 34 بالمئة منهم لا يتحركون إلا قليلا.

ولم يحاول أغلب المدخنين الإقلاع عن التدخين. وحسب الباحثين تحت إشراف كورنيليا كوتسيفا، من كلية “امبريال كوليدج” في لندن، فإن نحو نصف حالات الوفاة في أوروبا سببها الإصابة بأحد أمراض القلب والدورة الدموية. ولكن ما أثار استغراب الباحثين بشكل خاص هو أن هؤلاء المرضى توفرت لهم فرص كافية للوقاية من المرض.

وقال الباحثون إن توصية الجمعيات الطبية المتخصصة في توفير إجراءات إعادة تأهيل لمرضى القلب يتعلمون خلالها اتباع أسلوب حياة صحي، كانت ذات تأثير محدود.

المدخنون لديهم زيادة تصل للضعف في احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية على مدى 5 سنوات من توسيع الشرايين

وذكر واحد من بين كل ستة مدخنين شملتهم الدراسة أنه لم يتلق أبدا عرضا بمساعدته على الإقلاع عن التدخين، في حين ذكر نحو نصف المرضى الذين شملتهم الدراسة أنه لم يتلق أبدا نصائح تساعده على التحرك أثناء حياته اليومية. بل إن أعداد المدخنين ازدادت عند مقارنتها مع أعداد دراسات سابقة أجريت قبل أربع سنوات، حيث ازداد عدد المدخنين، وتراجعت المشاركة في برامج إعادة التأهيل.

وشارك في الدراسة باحثون من المركز الألماني لأمراض القلب في مدينة فورتسبورغ، وباحثون من مستشفى فورتسبورغ الجامعي.

وشملت الدراسة نحو 400 مريض من عدة مدن ألمانية، حيث خضع هؤلاء المرضى للفحص واستطلعت آراؤهم بعد 6 إلى 24 شهرا من خضوعهم لتشخيص خاص بالقلب.

ويرى شتيفان شورك، المشارك في الدراسة، أن المشكلة تكمن جزئيا في النظام الصحي “حيث لا تكاد فترة الإقامة بالمستشفى تتسع لتوجيه المريض نحو الإقلاع عن التدخين، وربما لم يجد المريض إشارة إلى ضرورة التوقف عن التدخين إلا في خطاب إخلاء الطرف من المستشفى.. رغم أن المرضى يكونون أكثر استعدادا للتوقف عن التدخين عندما يتم إبلاغهم بخطر التدخين بشكل واضح وصريح.. علينا أن نحسن نقطة التقاطع بين المستشفى ومركز إعادة التأهيل”.

وحسب شتورك، فإن الكثير من الإجراءات التي يوصي بها الخبراء ضمن المبادئ الرئيسية للوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية لا تستهدف المرضى، بل تخاطب رجال السياسة والصناعة، حيث تتضمن هذه التوصيات على سبيل المثال خفض نسبة السكر في الأغذية وفرض ضرائب على الأغذية غير الصحية.

كما يوصي الباحثون بفرض حظر التدخين في الأماكن العامة وحظر إعلانات التبغ. ويقرّ البروفيسور نوربرت دونر بانسهوف، أستاذ طب الباطنة والطب الوقائي والتأهيلي بمدينة ماربورغ، من خلال دراسات أخرى ومن خلال تجاربه اليومية، بأن هناك في الغالب هوة بين تصرفات المرضى وتوصيات الأطباء “لأن الأمر يكون في البداية متعلقا بأهداف مجردة جدا، مثل الوقاية من التعرض لسكتة قلبية في المستقبل القريب.. في حين أن علاج آلام الظهر على سبيل المثال يحقق نتائج مباشرة".

التحذير الصريح والمباشر أكثر وقعا على المريض للإقلاع عن التدخين
التحذير الصريح والمباشر أكثر وقعا على المريض للإقلاع عن التدخين

كما أيد دونر بانسهوف، الذي لم يشارك في هذه الدراسة، بقوة حظر الدعاية للتبغ، وقال إنه يتمنى أن يصبح تحويل المرضى إلى مراكز توعية المدخنين في ألمانيا أسهل مما هو عليه الآن. غير أن البروفيسور الألماني شدد على ضرورة قبول سلوك المرضى بعد أن تتم توعيتهم جيدا بشأن أضرار التدخين “فعلينا نحن الأطباء ألا نشعر بخيبة الأمل، وعلينا ألا نستهين بالمرضى عندما يحددون أولويات لهم غير السلوك الصحي”.

ونشر موقع “هيلث داي” الطبي دراسة كشف فيها باحثون في جامعة شفيلد البريطانية أن الاستمرار في التدخين بعد إجراءات توسيع الشرايين التاجية لمرضى القلب يرفع كثيرا من خطر التعرض للنوبات القلبية والسكتة الدماغية والوفاة المبكرة مقارنة بغير المدخنين والأفراد الذين أقلعوا عن التدخين.

وشملت الدراسة ما يقرب من 1800 من الأفراد الذين يعانون من مرض الشريان التاجى الحاد، والذين يعانون من ضيق واحد أو اثنين من الشرايين القلبية لديهم، وتم إجراء توسيع الشرايين التاجية لهم باستخدام القسطرة العلاجية أو تعديل الشرايين.

ووجد الباحثون خلال الدراسة أن المدخنين لديهم زيادة تصل إلى الضعف في احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية على مدى 5 سنوات من إجراء التوسيع مقارنة بغير المدخنين، وتصل هذه النسبة إلى 80 بالمئة.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن تعاطي التبغ من أكبر الأخطار الصحية العمومية التي شهدها العالم على مر التاريخ. فهو يُودي، كل عام، بحياة ستة ملايين نسمة تقريبا، منهم أكثر من خمسة ملايين ممّن يتعاطونه أو سبق لهم تعاطيه وأكثر من 600000 من غير المدخنين المعرّضين لدخانه غير المباشر.

ويقضي شخص واحد نحبه كل ست ثوان تقريبا جرّاء التبغ، ممّا يمثّل عُشر وفيات البالغين. وجدير بالذكر أنّ نحو نصف من يتعاطون التبغ حاليا سيهلكون، في آخر المطاف، بسبب مرض له علاقة بالتبغ.

17