رعب الترحيل يحبس اللاجئين السوريين في لبنان

المداهمات ازدادت في منطقتيْ جبل لبنان والشمال اللتين يقطنهما لاجئون سوريون، من بينها 13 مداهمة في أبريل.
السبت 2023/04/29
الترحيلات تفرق الأطفال عن عائلاتهم

بيروت - تنوّعت الضغوط على اللاجئين السوريين في لبنان، بدءا من التوقيفات وحظر التجوال في أوقات معينة ومرورا بالمداهمات وفرض قيود على معاملات الإقامة ووصولا إلى الترحيل القسري الذي تحول إلى رعب يمنعهم من الخروج من بيوتهم. يستجدّ هذا بينما تنظر السلطات إلى ملف اللاجئين بوصفه عبئاً وتعتبر أن وجودهم ساهم في تسريع واحتداد الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ 2019.

قبل سنوات لجأ سامر وأفراد عائلته إلى لبنان هربا من الحرب في بلاده، لكن الأمن الذي سعوا إليه ترافق مع ظروف معيشية صعبة وخطاب عنصري ضد اللاجئين السوريين، وصولا إلى هاجس الترحيل. فالأسبوع الماضي انقطعت أخبار شقيقه بعد أن سلمه الجيش اللبناني إلى السلطات السورية التي أوقفته.

وشنّ الجيش خلال الأسابيع القليلة الماضية حملات مداهمة واسعة لتوقيف سوريين لا يمتلكون بطاقات إقامة أو أوراقا ثبوتية، وأسفر ذلك عن توقيف نحو 450 شخصا، تمّ ترحيل أكثر من ستين منهم إلى سوريا، وفق ما أفاد به مصدر في منظمة إنسانية مطلع على ملف اللاجئين.

هكتور حجار يحذر من حدوث "تغييرات ديموغرافية خطيرة وسنصبح لاجئين في بلدنا"
هكتور حجار يحذر من حدوث "تغييرات ديموغرافية خطيرة وسنصبح لاجئين في بلدنا"

وشملت المداهمات في إحدى ضواحي بيروت منزل شقيق سامر المتواضع، ورافق الجيش شقيق سامر وزوجته وطفليه إلى الحدود حيث سُلّموا إلى قوات الأمن السورية التي أطلقت بعد أيام قليلة سراح الزوجة والطفلين، وأوقفت الزوج، وفق رواية سامر.

ويقول سامر (26 عاماً)، الذي طلب استخدام اسم مستعار خوفا على سلامته، لوكالة فرانس برس "نخشى أن نعيش المصير ذاته، يرحلوننا إلى سوريا حيث لا نعرف متى يمكن أن يتم اعتقالنا أو حتى إخفاؤنا". ويضيف الشاب، الذي كان وشقيقه في عداد من شاركوا في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري عند اندلاعها عام 2011، "نخاف من أن يصبح شقيقي في عداد المفقودين” في سجون النظام.

وبعد نشوب النزاع في سوريا المجاورة لجأ عدد كبير من السوريين إلى لبنان. وتقدّر السلطات حالياً وجود أكثر من مليوني لاجئ على أراضيها، بينما عدد المسجّلين لدى الأمم المتحدة يتجاوز بقليل عتبة 800 ألف.

ومنذ استعادة الجيش السوري السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة البلاد، تمارس بعض الدول ضغوطاً لترحيل اللاجئين من أراضيها بحجة تراجع حدّة المعارك. لكن ذلك لا يعني، وفق منظمات حقوقية ودولية، أن عودة اللاجئين باتت آمنة في ظل بنى تحتية متداعية وظروف اقتصادية صعبة وملاحقات أمنية تشمل اعتقالات تعسفية وتعذيبا.

ويقول سامر "نحن أيضا تعبنا ونريد حلا. لا نريد أموالا ولا نريد أي شيء من لبنان". ويوضح "يتهموننا بأننا نأخذ مساعدات من الأمم المتحدة بالدولار، لكن ذلك غير صحيح". وتؤكد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن المسجلين لديها يحصلون على مساعدة نقدية بالليرة اللبنانية فقط، وأن التمويل المتوافر لديها يغطي 43 في المئة من اللاجئين المحتاجين.

وأشارت المفوضية مؤخرا إلى ازدياد عدد المداهمات في منطقتي جبل لبنان والشمال اللتين يقطن فيهما لاجئون سوريون، من بينها 13 مداهمة على الأقل في شهر أبريل الجاري. ولفتت المنظمة إلى تقارير تفيد بأن من بين الموقوفين والمرحلين لاجئون مسجلون لديها. وأوضح المصدر المتابع للملف أن في بعض الحالات فُرّق أطفال عن عائلاتهم.

وأعرب عدد من السوريين عن خوف يتملكهم في الأيام الأخيرة يمنعهم حتى من الخروج إلى الشارع. ويقول أبوسليم، الذي طلب استخدام اسم مستعار، "منذ أيام أجلس ونحو عشرين عاملا سوريا آخر في مستودع المكان الذي نعمل فيه خشية توقيفنا". ويخاف أبوسليم من أن يتمّ تسليمه للسلطات السورية بعدما عانى ست سنوات في سجونها حيث تعرّض لتعذيب شديد، على حدّ قوله. ويضيف "لا أريد أن أعيش تجربة الاعتقال مجددا؛ إذا دخلت السجن مجددا فلن أخرج منه".

◙ مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا بات الكثيرون يعبرون إلى لبنان عبر طرق التهريب أملا في ركوب قوارب الهجرة غير القانونية

وترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأربعاء اجتماعين لبحث ملف اللاجئين السوريين، تم التأكيد خلالهما على مواصلة تدابير الجيش والقوى الأمنية "بحق المخالفين خصوصا لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية". واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار الشهر الحالي أن الموضوع بات "قضية حياة وموت"، محذرا من حدوث "تغييرات ديموغرافية خطيرة وسنصبح لاجئين في بلدنا".

وارتفع خلال الأسابيع الماضية مجدداً خطاب الكراهية تجاه السوريين، وطالب لبنانيون كثيرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بإخراجهم من لبنان. ويتساءل عمار (31 عاماً)، اللاجئ السوري في لبنان منذ 2014، "لِمَ كل هذه الكراهية تجاهنا؟ نحن شعب لجأنا إلى هنا هرباً من الموت، ماذا فعلنا لكم؟". ويعيش عمار، الوالد لطفل رضيع، في حيرة من أمره منذ بدء المداهمات الأخيرة.

ويقول "لم أخرج من المنزل منذ أن سمعت بالترحيل، لكنني أخاف أيضاً أن يقتحم الجيش بيتي ويسلّمني إلى السلطات السورية، كما أنني مضطر إلى العودة إلى العمل لأشتري الحليب لطفلي الرضيع". وكان عمار يأمل أن يتخرج من كلية إدارة الأعمال، لكن النزاع في بلده أجبره على اللجوء إلى لبنان حيث يعمل في خدمة التوصيلات. ويضيف "لو كنت أعرف أن الأمور ستصعب بهذا الشكل، لما تزوجت ودمرت حياة عائلتي معي".

ومع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا، بات الكثيرون يعبرون إلى لبنان عبر طرق التهريب أملا في ركوب قوارب الهجرة غير القانونية التي أصبح لبنان نقطة انطلاق لها نحو أوروبا منذ فترة. ويقول عمار "قد أجد الأمل في البحر، لكن في سوريا لم يعد هناك أمل". ويضيف "أفضّل الموت في البحر على العودة إلى سوريا".

2