رشيد طالبي فنان يتقن اللعب بالألوان وثنائية الضوء والظل

لوحات تقتطع مشاهد من الحياة اليومية والتاريخ الجزائري.
السبت 2024/02/03
مشاهد من الحياة في وهران

رغم أنه عصامي التكوين، إلا أن الفنان رشيد طالبي استطاع أن يفرض موهبته ويؤسس تجربة تشكيلية مبهرة تؤثر في الفنانين داخل الجزائر وخارجها، وتستفزهم للتعلم منها وتثمينها، وهي أيضا تدفع المشاهد لتأملها والبحث عن الفوارق والتقنيات في أسلوب الفنان والتي جعلته يصبح أحد أهم رسامي الحياة اليومية والأسطورة والتاريخ الجزائري.

الجزائر - يُعدُّ الفنان التشكيلي رشيد طالبي (1967) من أهمّ الفنانين النشطين في الجزائر الذين امتدّ تأثيرُهم إلى العشرات من التشكيليّين الشباب داخل الجزائر وخارجها.

ويمتازُ هذا الفنانُ العصاميُّ بتنوُّع في التقنيات التي يستعملُها، فهو يتنقّل ببراعة بين الرسم بالألوان الزيتيّة، والألوان المائيّة، والأكريليك، والباستيل، والفحم، وقلم الرصاص. وتُعبّرُ لوحاتُه، بمشاهدها المُشرقة والمليئة بالألوان، وملمسها الخشن الذي يجمع بين الفرشاة، والسكين، وتقنياتٍ أخرى، عن صور مقتطعة من الحياة اليوميَّة، والبورتريهات، والفانتازيا، والمناظر البحرية.

كما يمتلكُ رشيد طالبي قدرات كبيرة في التلاعب بثنائيّة الضوء والظلّ، تجعلُ من لوحاته التشكيليّة عصيّة على المجاراة والتقليد، وهو في هذا المسلك والمنهج يتقاطعُ مع أسلوب عدد من الفنانين المستشرقين، مع خصوصيّة تُميّزُه عن كلّ هؤلاء تتمثّل في إعادة تشكيله لمفردات الثقافة الجزائرية الأصيلة التي تتجلّى في الرموز، والألوان، ومختلف تعابير التراث الشعبيّ المحلي.

عبقرية التشكيلي رشيد طالبي لا تقف عند حدود رسم مشاهد من الثقافة الجزائريّة بل تتعدى ذلك إلى رسم البورتريهات
عبقرية التشكيلي رشيد طالبي لا تقف عند حدود رسم مشاهد من الثقافة الجزائريّة بل تتعدى ذلك إلى رسم البورتريهات

وحول تجربة هذا الفنان وخصوصيتها، يؤكّد الفنانُ التشكيليّ حسام الدين لعلى، أن “رشيد طالبي أتقن التقنية إلى حدِّ الإعجاز، وهذا يدلُّ على المسيرة الكبيرة لهذا الفنان”. ويضيفُ الفنان حسام الدين بالقول “أكثرُ ما يُعجبُني في تجربة رشيد طالبي ألوانُه النقيّة”.

ويبدو من خلال عدد من لوحات رشيد طالبي مدى تأثُّره بالأسلوب الاستشراقي من الناحية التقنيّة والجمالية، وكذلك من ناحية الموضوعات الاجتماعية، والثقافية التي يتناولُها بطريقة فنية استشراقية، ولهذا سارع عددٌ من النقّاد والتشكيليّين إلى تصنيف أعمال هذا التشكيلي الجزائري تحت خانة “فنّ الاستشراق”.

وتقول الفنانة التشكيليّة رجاء صغير “أعمال رشيد طالبي من أروع الأعمال الفنيّة الجزائريّة، لأنّ لدى هذا الفنان أسلوبًا شديد الدقة، ولمسة فنيّة فريدة. وهناك من يصفُ أسلوبه بالمستشرق، وفعلا فالكثير من أعمال الفنانين المستشرقين تتناول موضوعات شبيهة بتلك التي تدور حولها أعمال الفنان الجزائري رشيد طالبي، لكنّ لمساته أكثرُ حداثة، بحسب رأيي”.

ويؤكّد الناقد الدكتور قاسم بوزيد في دراسة حول أعمال الفنان رشيد طالبي أنّ هذا الفنان “اهتمّ بإعادة رسم مجموعة من لوحات الفنانين المستشرقين؛ إذ اعتبر هذه المهمّة تحدّيًا له من أجل إظهار لمسته الفنيّة، فكان يؤمن بأنّه أولى من المستشرقين بهذه الطبيعة وموضوعاتها باعتباره ابن البيئة التي اشتغل عليها المستشرقون في إنجاز لوحاتهم الفنيّة؛ وبالتالي هو أكثر قدرة على التعبير عنها بالطريقة الأصحّ”.

أمّا الفنان محمد جرديني فيُشيرُ إلى أنّ معرفته بأعمال رشيد طالبي، كانت عبر ما ينشرُه هذا الفنان عبر صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، مُعتبرًا أنّ تجربته الثريّة جعلت منه فنّانًا مهمًّا، إذ يقول “في رأيي، رشيد طالبي فنّانٌ عظيم..، وعلى الرغم من أنّني لا أعرفه شخصيًّا إلا أنّه فنّانٌ يُجيد تصوير خيول الفانتازيا”.

ولا تتوقّفُ عبقريّة الفنان التشكيلي رشيد طالبي عند حدود رسم مشاهد من الثقافة الجزائريّة بل تتعدّى ذلك إلى رسم البورتريهات، أو الوجوه البشريّة في شتّى حالاتها الشُّعوريّة (فرح، حزن، قلق، ضعف)، مع قدرات فائقة يملكُها هذا الفنان التشكيلي في جعل الوجوه المرسومة تنطقُ بالمشاعر المخبوءة عبر خطوط من الضوء والنور، ومزيج من الألوان المُوحية، فضلا عن مواهب يملكُها الفنان طالبي في إعادة تصوير الأماكن الأثريّة، والمباني القديمة، وهو الأمر الذي تُترجمُه العديد من اللّوحات التي أعاد فيها تشكيل بعض الشوارع القديمة في مدينة وهران (غرب الجزائر)، بتفاصيلها الدقيقة، وحركة ناسها وهم يتجوّلون بجوار بيوتاتها، وبين أزقّتها الضيّقة.

أسلوب يصفه النقاد بـ{فن الاستشراق}
أسلوب يصفه النقاد بـ{فن الاستشراق}

وقد مكّنت هذه التجربة الفنيّة الثريّة التشكيلي رشيد طالبي من التواجد كعضو فاعل في الاتحاد الوطني للفنون الثقافية، والحضور بانتظام في المعرض المغاربي في باريس، كما توجد بعض أعماله كمقتنيات لدى العديد من المتاحف الجزائرية والفرنسية والأميركية. رشيد طالبي هو من مواليد 29 أكتوبر عام 1967، في بني ملال بالمغرب، وهو يعيش في وهران بالجزائر. في عام 1992، تخرَّج في جامعة وهران “السانية”، في مجال علم الأحياء الدقيقة.

تعود علاقة طالبي بالفن إلى الطفولة، فقد رافقه الرسم والتصوير طوال دراسته المدرسية والجامعية. تعلَّم وأتقن الرسم بالتوازي مع دراسته من خلال الممارسة والرغبة في تعلم جميع التقنيات. في نهاية دراسته الجامعية، اختار أن يجعل موهبته في الرسم، مهنته.

ولعبت الصدفة دورا هاما في حياة الفنان، حيث يقول في إحدى تصريحاته القديمة إنه حين شاهدت أعماله ليلى فرحات، إحدى أشهر الفنانات التشكيليات بوهران، أخذت بيده وقدّمته لإحدى القائمات على المعارض الفنية بالجزائر العاصمة وهي زهية قالمي، وتنقّلت إلى المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بولاية مستغانم، لمشاهدة أعماله التي عرضها هناك، فأذهلتها لوحاته، لتتم استضافته برواق “الكنز” بالعاصمة، وبفضلها فُتحت له آفاقٌ واسعة، وتوالت بعدها المعارض، منها ذلك الذي أقامه بسفارة الولايات المتحدة بالجزائر، وبقصر الرئاسة بالمرادية، وبالمجلس الشعبي الوطني، وبرئاسة الحكومة، وبمقر سوناطراك، ومجلس الأمة، وفي كلّ مرة كان يكسب جمهورا جديدا ووفّيا.

وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اتخذت مسيرة رشيد طالبي الفنيَّة منعطفا مزدهرا عندما أصبح فنانا دائما في صالة دار الكنز في الجزائر العاصمة. ومنذ عام 2018، قرَّر رشيد طالبي نقل تجربته كفنان تشكيليّ إلى الأجيال الشابَّة من الفنانين من أجل ضمان استمرارية الإبداع، ودعم المواهب، إذ يشرف بانتظام على ورشات عمل داخلية وخارجية مع طلاب من مدرسة الفنون الجميلة في مدينة مستغانم (غرب الجزائر).

Thumbnail
14