رسوم القمح الروسي تزيد الضغوط على الموازنة العامة لمصر

تزايدت الضغوط الاقتصادية على مصر مع فرض رسوم على صادرات القمح الروسية بدءا من الثلاثاء، بينما تسعى الحكومة إلى تأمين المزيد من الواردات، مع زيادة في التحوط من الأزمات العالمية الطارئة التي ترفع الأسعار وقد تقوض سلاسل الإمداد عالميا.
القاهرة - تواجه الحكومة المصرية تحديا جديدا بعد إعلان وزارة الزراعة الروسية فرض رسوم جمركية على صادرات القمح، في إطار سياسات موسكو الرامية لضبط السوق الداخلية.
وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول تأثيرها على الاقتصاد المصري، حيث تعد القاهرة أكبر مستورد عالمي للقمح الروسي.
ومن المتوقع أن يؤدي القرار الروسي المتعلق بفرض رسوم بنحو 40 دولارا لكل طن إلى ارتفاع في تكلفة استيراد القمح وزيادة الضغط على الميزانية العامة للدولة.
وشكلت الشحنات القادمة من الموانئ الروسية بين 55 و60 في المئة من إجمالي واردات القمح المصري في السنوات الماضية، بسبب تنافسية الأسعار والجودة العالية والاستقرار النسبي في الإمدادات مقارنة ببعض المصادر الأخرى، مثل أوكرانيا ورومانيا وفرنسا والهند.
وتفرض هذه الزيادة أعباء إضافية على الموازنة العامة للدولة، حيث تستورد مصر سنويا ما يفوق 10 ملايين طن من القمح، حيث بلغت خلال العام الماضي 14 مليون طن.
وإذا استمرت القاهرة في استيراد الكمية نفسها، فإن إجمالي الرسوم الجديدة سيصل إلى 600 مليون دولار سنويا، ما يؤثر على مخصصات الدعم الحكومي ويضغط على موارد الدولة التي تعتمد على القمح في إنتاج الخبز المدعم للملايين من المواطنين.
ومع ارتفاع تكلفة استيراد القمح قد تضطر القاهرة إلى إعادة النظر في أسعار الخبز المدعم وسياسات توزيعه، بما ينعكس على الفئات الأقل دخلا في بلد يصل عدد سكانه إلى 110 ملايين نسمة، فضلا عن عشرة ملايين من المهاجرين.
وربما تقترب إعادة النظر في أسعار الخبز بشكل عام، خاصة مع أنباء قرب إقرار حزمة اجتماعية جديدة سوف يتم الإعلان عنها قريبا، وقد تكون سخية مقارنة بسابقتها.
كما أن هذا القرار الروسي يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية التي تعتمد على القمح، مثل المخبوزات والمكرونة، ما يزيد الضغوط التضخمية على المستهلكين.
وقال عبدالغفار السلاموني نائب رئيس غرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية إن “القرار الروسي يفتح الباب أمام الحكومة لضرورة تنويع مصادر استيراد القمح بشكل أكبر.”
ورجّح أن تلجأ مصر إلى زيادة استيراد القمح من فرنسا ورومانيا وكندا والهند، مع مراعاة أن الأسعار في هذه الدول لن تكون منخفضة بسبب تكاليف الشحن.
وقال لـ”العرب” إن القاهرة “تسعى منذ فترة إلى زيادة إنتاجها المحلي من القمح عبر مشاريع التوسع الزراعي، مثل الدلتا الجديدة، وتحفيز المزارعين عبر تقديم حوافز مالية ومساعدتهم بتقنيات زراعية حديثة، ما يدعم وفرة القمح وربما تقليل الاستيراد في المستقبل.”
وشهد محصول القمح المصري زيادة ملحوظة في المساحات المزروعة هذا الموسم، حيث بلغت 3.3 مليون فدان، بزيادة 150 ألف فدان عن العام الماضي، ما يعكس جهود الخطط الزراعية الهادفة إلى تقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن العلاقات التجارية بين البلدين شهدت تعاونا طويل الأمد في استيراد القمح، وقد تلجأ القاهرة إلى التفاوض مع موسكو للحصول على استثناءات أو تخفيضات على الرسوم المفروضة، خاصة أن روسيا تعتمد على السوق المصرية كأحد أكبر المشترين لصادراتها من القمح.
ويعكس فرض رسوم على صادرات القمح تحولا في روسيا نحو حماية سوقها الداخلية من التقلبات العالمية وضمان استقرار الأسعار المحلية، واستخدام صادراتها الزراعية كأداة ضغط اقتصادي، في ظل عقوبات غربية فرضت عليها بعد الحرب في أوكرانيا.
وستكون لهذا القرار تأثيرات واسعة على الأسواق العالمية، ويتأثر العديد من الدول المستوردة للقمح الروسي، مثل تركيا ودول شمال أفريقيا، ما يؤدي إلى إعادة تشكيل خارطة التجارة الزراعية في السنوات المقبلة.
وتوقع عضو جمعية مستثمري الإسكندرية عبدالمجيد حسن استمرار استيراد القمح الروسي، على الرغم من الرسوم الجديدة، ما يزيد من الأعباء على الموازنة المصرية، مطالبا بمزيج من زيادة الإنتاج المحلي وتنويع الموردين لمواجهة الخطوة الروسية.
وأوضح لـ”العرب” أن القرار الروسي قد يساهم في رفع الأسعار العالمية للقمح، ويضيف تحديا جديدا أمام الحكومة المصرية لتأمين الاحتياجات بأسعار معقولة.
وتفرض الخطوة الروسية على مصر الاستمرار في تطوير صوامع التخزين بطريقة حديثة، كي تساعد في تقليل الهدر وتحسين كفاءة إدارة المخزون من القمح.
القرار الروسي يضيف تحديا جديدا أمام الحكومة المصرية لتأمين الاحتياجات بأسعار معقولة
وجاء القرار الروسي عقب خطوة مفاجئة قامت بها مصر في ديسمبر الماضي، حيث نقلت مسؤولية مشتريات القمح من هيئة السلع التموينية، وهي الجهة الحكومية المعتادة لشراء الحبوب، إلى جهاز مستقبل مصر، التابع للجيش، كمستورد حصري.
وقام الجهاز بتسليم الهيئة التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية نحو 900 ألف طن قمح في يناير الماضي، ضمن السعي لزيادة الاحتياطي لتكفي الاحتياجات لنحو 6 أشهر.
ومن المتوقع أن يؤدي فرض الرسوم الجمركية إلى جعل صادرات روسيا من القمح أقل تنافسية مقارنة بدول أخرى، إذ تؤثر هذه الزيادة على مشتريات الدول المستوردة، خاصة مصر التي تعتمد على القمح الروسي بنسبة كبيرة.
ويرى محللون أنه إذا لاحظت موسكو انخفاضا في طلب الدول المستوردة فقد تلجأ إلى خفض الرسوم أو تقديم تسهيلات للحفاظ على حصتها بالسوق.
وتقوم دول أخرى مثل أوكرانيا أو الولايات المتحدة بتعزيز صادراتها لسد الفجوة التي يتركها تراجع الصادرات الروسية من القمح.
وأكد المحللون أن استمرار هذا القرار قد يؤدي، على المدى الطويل، إلى إعادة تشكيل خارطة تجارة القمح في العالم، وتزيد تبعا لذلك الاستثمارات في الزراعة المحلية في بعض الدول المستوردة بهدف تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية.
وهذا الخيار قد يكون من المستبعد تنفيذه فترة طويلة، لأن الأمن الغذائي العالمي يتأثر بارتفاع أسعار القمح، ما تنتج عنه زيادة في معدلات الفقر والجوع في الدول المعتمدة على الاستيراد.
كما أن ثمة احتمالا لحدوث اضطرابات اجتماعية بسبب ارتفاع أسعار الخبز، كما حدث في أزمات غذائية سابقة، وهو ما تتحسب منه مصر حاليا، وتحاول حكومتها تحاشي التداعيات السلبية للخطوة الروسية.