رستم غزالي كلمة سر نظام الأسد في لبنان

السبت 2015/03/28
رستم غزالي تولى مهام أمنية كبرى على علاقة بالملف اللبناني

تعدد الروايات وكثرتها حول المصير الذي انتهى إليه اللواء رستم غزالي رئيس شعبة الأمن السياسي في سوريا أعادت هذه الشخصية التي لمع نجمها أثناء السنوات الأخيرة من حقبة السيطرة السورية على لبنان، ما جعلها تتصدر واجهة الأحداث بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، باعتباره أحد المتهمين بتنفيذ تلك الجريمة، عندما كان الأمن السوري هو الآمر الناهي على الساحة اللبنانية أثناء تلك المرحلة.

المختارون في النظام

قضية غزالي تطرح مسألة هامة، تتعلق بالكيفية التي كان يختار فيها حافظ الأسد شخصياته العسكرية والأمنية والسياسية، والأسس التي كان يعتمدها في هذا الاختيار، الذي يخضع لحسابات خاصة تتعلق بوضعه الاجتماعي وبسجله الأخلاقي، تسمح له بالسيطرة على تلك الشخصيات، والتحكم بها أو التخلص منها متى يشاء دون أن يحسب لذلك أيّ حساب، خاصة بعد أن يتيح لها فرصة الفساد المالي والأخلاقي والتكسب، لذلك لم يكن اختيار رستم غزالي للعب هذا الدور الأمني الخطير في لبنان حالة معزولة عن هذه الاستراتيجية، التي اعتمدها الأسد الاب ومن بعده وريثه الابن.

ينحدر رستم غزالي (وليس الغزالة كما يرد أحيانا) من قرية صغيرة تسمى قرفا، وتسكنها عائلة غزالي التي لجأ إليها والده، واندمج مع سكانها بعد أن تزوج من إحدى النساء، ما جعل العائلة مجهولة الأصل تحمل لقب غزالي كسائر أبناء القرية. هذا الوضع الاجتماعي للأسرة جعلها من أفقر العائلات في البلدة، الأمر الذي دفع رستم بعد حصوله على الشهادة الإعدادية إلى الانتساب إلى مدرسة الاتصالات في دمشق، نظرا لكونها تقدم تعويضا ماديا رمزيا للطالب، وتضمن له العمل بعد التخرج مباشرة.

عمل بعد التخرج من مدرسة الاتصالات السلكية واللاسلكية موظفا لبيع الطوابع البريدية، وجمع الرسائل في مركز البريد المركزي بدمشق في مطلع السبعينات، وأثناء تلك الفترة التي كان يسكن فيها في غرفة متواضعة في حارة “النَوَر” بمنطقة التجارة قبل أن تتم إزالتها وبناء مجمعات سكنية حديثة، تقدم إلى امتحان الشهادة الثانوية الفرع الأدبي كطالب حر، ونجح ليتقدم بعدها على الفور إلى الكلية العسكرية التي تخرج منها كضابط في منتصف السبعينات.

غزالي ومن خلال موقعه في مركز المخابرات السورية في عنجر اللبنانية، الذي كانت تدار منه شؤون لبنان السياسية والأمنية، كان يظهر أقصى درجات الولاء في تنفيذ سياسات النظام وتعليماته، ما أمن له فرصة الظهور والتقرب من رموز النظام، وفي مقدمتهم بشار الأسد مع بداية استلامه إدارة الملف اللبناني

من الحزب إلى عنجر

عمل في البداية بحكم وضعه الحزبي كعضو عامل في حزب البعث ضابطا للتوجيه السياسي، ثم جرى نقله لصالح شعبة المخابرات العسكرية أثناء عملية التوسع الكبيرة التي كان يقوم بها النظام لأجهزته الأمنية في تلك الفترة. هذا الوضع الجديد فتح أمامه فرصة الظهور والصعود السريع في الموقع الوظيفي داخل شعبة المخابرات بسبب الولاء الكبير الذي كان يبديه للنظام والحماس الزائد لتأكيد إخلاصه وتفانيه في خدمته. لقد وجد رستم غزالي في موقعه الجديد فرصة لم يكن يحلم بها، ما جعله يتفانى في خدمة النظام لتعزيز موقعه لكن نجمه لم يلمع إلا بعد عمله في جهاز الأمن والاستطلاع في لبنان. كان هذا الجهاز يتمتع بسلطات أشبه ما تكون بسلطة الانتداب على لبنان، وقد عمل غزالي من خلال موقعه في مركز المخابرات السورية في عنجر الذي كانت تدار منه شؤون لبنان السياسية والأمنية، على إظهار أقصى درجات الولاء في تنفيذ سياسات النظام وتعليماته، ما أمّن له فرصة الظهور بعد أن أتاح له هذا الموقع فرصة التقرب من رموز النظام، وفي مقدمتهم بشار الأسد مع بداية استلامه إدارة الملف اللبناني.

وجود شخصيات أمنية كبيرة مسؤولة عن الملف اللبناني مثل غازي كنعان وجامع جامع جعله يبقى في الظل، لكن ذلك أتاح له بالمقابل أن يتواصل مع الشخصيات القيادية السورية المسؤولة عن الملف اللبناني، كما سمح له أن يظهر قدرته في التشبيح، التي حاول فيما يبدو بشار الأسد أن يوظفها لتأكيد مدى الحزم والقوة التي ستحافظ عليها السياسية السورية في لبنان في عهده، لكي لا يظن اللبنانيون أن موت الأسد الأب سوف يضعف تلك السياسية مع مجيء الابن ذي الخبرة السياسية المحدودة. من هنا جاء اختيار بشار الأسد له خليفة لغازي كنعان الذي استدعاه لتسلم شعبة الأمن السياسي، التي ستكون نهاية دور رستم غزالي فيها.

اتسمت سياسة النظام في تلك المرحلة الحرجة من الحياة السياسية اللبنانية المضطربة بسبب التباينات الكبيرة في السياسة والتوجهات بين الرئيس إميل لحود وبين الرئيس الحريري بالتشبيح والابتزاز السياسي والمادي الذي كان غزالي أبرز وجوهه وأخطرها، من حيث التسلط والجشع والإرهاب الذي كان يمارسه على القيادات اللبنانية. لذلك لم يكن مستغربا تورطه مع أشقائه الذين استخدمهم لهذه الغاية في قضية إفلاس بنك المدينة، ومن ثمة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، التي ما تزال أصابع الاتهام توجه إليه تخطيطا وتنفيذا بالتعاون مع قيادات من حزب الله.

نظام الأسد يتبع من أجل اختيار هذا النوع من الشخصيات حسابات خاصة تتعلق بوضع المسؤول الاجتماعي وبسجله الأخلاقي، تسمح للنظام بالسيطرة على من يختاره، والتحكم به أو التخلص منه دون أن يحسب لذلك أي حساب، خاصة بعد أن تتاح لها فرصة الفساد المالي والأخلاقي

ملف الحريري

بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 جرى نقله للعمل في فرع ريف دمشق للمخابرات العسكرية لكي يظل قريبا مما يحدث في لبنان. التقته لجنة التحقيق الدولية أكثر من مرة لكن اسمه لم يظهر كأحد المتهمين في جريمة اغتيال الحريري رغم التسريبات غير الرسمية، التي تحدثت أكثر من مرة عن وجود اسمه في لائحة المتهمين مع شخصيات سورية أخرى. صعد نجم غزالي مرة جديدة مع صدور قرار بشار الأسد بتعيينه رئيسا لشعبة الأمن السياسي وترفيعه إلى رتبة لواء. رغم ذلك لم يتمتع بتلك الشهرة الكبيرة خلال سنوات الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد، كما كان الحال عليه في لبنان رغم الولاء المطلق والإخلاص الكبير الذي كان يظهره للنظام، إذ جاء اختياره لهذا الموقع لاعتبارات عدة أهمها أنه ينحدر من محافظة درعا التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة، لتأكيد وجود ولاءات له داخل هذه المحافظة، كما فعل عند اختياره لرئيس الوزراء الحلقي ولوزير الإعلام الزعبي، رغم انعدام خبرتهما، وعدم تمتعهما بشخصية قيادية تؤهلهما لهذه المواقع، في مرحلة بلغ فيها الصراع بين النظام وجماهير السوريين المطالبة بحريتها والخلاص من الاستبداد والفساد درجة كاد فيها النظام يسقط لولا الدعم العاجل الذي تلقاه من حلفائه الإيرانيين والروس.

رستم غزالي شخصية لا تتمتع بأي خبرة سياسية أو دهاء أمني، وكان رصيده الوحيد هو تفانيه في خدمة النظام والدفاع عنه، بعد أن ارتبطت مصالحه وحياته به، إضافة إلى كونه شخصية سنية يحتاجها النظام كواجهة من جهة، ولاستخدامها في كسب المؤيدين وتشكيل كتائب مسلحة من أبناء منطقته للدفاع عن النظام، ولإظهار أنه ما زال يتمتع بشعبية بين أبناء هذه المحافظة الثائرة. لكن رستم الذي اعتقد أن ثقة رأس النظام الكبيرة به تؤهله للدخول في مناكفات مع شخصيات أمنية أخرى، جعلته يتورط في صدام مع رئيس شعبة المخابرات العسكرية وفيق شحادة، وانتهت نهاية مأساوية، ربما كانت حياته كما يشاع هي الثمن بعد أن تم الاعتداء عليه من قبل عناصر الأخير بصورة مهينة، ما دفع الأسد لإعفاء اللواء شحادة من منصبه وتعيين شخصية أمنية بديلة في رئاسة جهاز المخابرات العسكرية.

حتى الآن لم تتضح خلفيات هذا الصدام وكيفية تطوره إلى هذه الدرجة من العنف، وإن كان البعض يتحدث عن خلاف بين غزالي وقيادات من حزب الله بشأن استخدامها للقصر الخاص به الواقع على أوتستراد درعا قريبا من قريته قرفا، لكن ذلك لا يفسر دخول وفيق شحادة على خط الأزمة، مع أن الكثيرين كانوا يتوقعون له نهاية مأساوية لا تقل أهمية عن هذه النهاية، على عادة النظام، لكي تدفن معه أسرار حقبة الهيمنة السورية على لبنان وفي مقدمتها جريمة اغتيال رفيق الحريري.

12