رسالة قيس سعيّد تؤتي ثمارها: القضاة منقسمون بشأن تمديد الإضراب

تونس - لم تحسم هياكل القضاء في تونس الخميس أمرها بشأن استمرار الإضراب من عدمه، حيث طغت الانقسامات على النقاشات في الكواليس بشأن ذلك، ما يؤشر على أن الرسالة التي بعثت بها السلطات بدأت تعطي ثمارها، خاصة بعد قرار اقتطاع رواتب القضاة المضربين عن العمل.
وعقدت الخميس جمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة مؤتمرا صحافيا بالعاصمة تونس حول نتائج الإضراب ومبرراته، دون أن توضحا ما إذا سيستمر، وسط حديث متصاعد عن التباين في الكواليس حول تمديد الإضراب الذي شجبه الرئيس قيس سعيّد في وقت سابق، وطالب بالخصم من رواتب القضاة المضربين.
واكتفى رئيس نقابة القضاة أيمن شطيبة خلال المؤتمر بالقول إن “النقابة مع محاسبة القضاة، لكن مع توفير الضمانات القانونية التي تستوجبها المحاكمة العادلة”.

وتابع شطيبة مستدركا “لكن الإعفاء بجرة قلم يعني اليوم أن القاضي أصبح غير مؤتمن على وظيفته. وذهب رئيس النقابة إلى أبعد من ذلك بتبرير الإضراب قائلا إنه نابع من إرادة القضاة ولا تقف خلفه أي جهة سياسية أو حزبية، موضحا "نحن كقضاة لا نستثمر في المعارك السياسية الموجودة بالساحة الوطنية، ولا نريد أن يقع استثمار الإضراب في المعارك السياسية والحزبية”.
وبدت هذه التصريحات تراجعا عن التصعيد مع السلطات الذي جد إثر عزل رئيس الجمهورية لـ57 قاضيا بتهم مختلفة، من بينها التستر على قضايا ذات صبغة إرهابية، وفساد وتحرش جنسي وغير ذلك من التهم. وطالب الرئيس التونسي بخصم أيام العمل من إضراب القضاة المعلن في محاكم البلاد على مدى أسبوع قابل للتجديد الاثنين، في مؤشر على تصاعد التوتر بين الرئاسة والسلطة القضائية.
ودعا قيس سعيّد وزيرة العدل ليلى جفال إلى خصم أيام العمل واتخاذ إجراءات أخرى حتى “لا يتم المساس بمصالح المتقاضين". وألغيت الجلسات على نطاق واسع في أغلب محاكم البلاد منذ الاثنين، ردا على قرار الرئيس التونسي عزل 57 قاضيا.
وكان مراقبون قد توقعوا أن يقابل قيس سعيّد تصعيد القضاة بإجراءات حازمة، مستبعدين أن يبدي أي تراجع في معركة "تطهير القضاء"، كونها بوابة رئيسية لتنفيذ الإصلاحات السياسية من ناحية، ولأنها جزء من معركته في الحرب على الفساد التي يكسب بها تعاطف الشارع التونسي من ناحية ثانية.
ويقود الرئيس التونسي المسار الانتقالي في تونس بقرارات يرى المراقبون أنها جريئة لتفكيك مخلفات العشرية الماضية، التي قادت فيها حركة النهضة الإسلامية السلطة، والتي يتهمها خصومها باختراق الجهاز القضائي وبقية أجهزة الدولة، وهي تهم تحاول الحركة التبرؤ منها.
وفيما بدت تصريحات رئيس نقابة القضاة تميل إلى التخفيف من حدة التصعيد، واصلت جمعية القضاة في نهجها، ما يعكس تباينا يرجعه مراقبون إلى قرار الخصم من رواتب القضاة.
وقال رئيس الجمعية أنس الحمادي إن "القضاة يخوضون اليوم تحركات نضالية فرضت عليهم من قبل السلطة التنفيذية ومن قبل رئيس الجمهورية، الذي عمد إلى وضع اليد على مؤسسات السلطة القضائية واغتيالها من خلال إعفاء 57 قاضيا، خارج كل المعايير الدستورية والقانونية والمعايير الدولية لاستقلال القضاء".
وتابع الحمادي أن "الإضراب ناجح في رابع أيامه وبنسبة 99 في المئة في كافة المحاكم، لم يحصل هذا في تاريخ القضاء، حيث سجلنا وعيا عميقا بخطورة المرحلة ودقة ما يمر به القضاء من أجل سلطة قضائية مستقلة".
وواجه إضراب القضاة انتقادات لاذعة، حيث اعتبر عميد المحامين إبراهيم بودربالة أن “قرار دخول القضاة في إضراب لمدة أسبوع، “مرفوض وغير صائب، وتتعيّن مراجعته في أقرب وقت ممكن”.
خصم أيام الانقطاع عن العمل بالنسبة إلى القضاة المضربين يرسل إشارة صريحة مفادها أن الدولة قوية ولن تخضع للابتزاز
وأضاف بودربالة أن “دور المؤسسة القضائية هو بعث الطمأنينة للمتقاضين ولعموم المواطنين”، مشددا على أن هناك نقائص تتعلق أساسا بالزمن القضائي وتنفيذ الأحكام يجب تلافيها.
وتشهد تونس مسارا انتقاليا دشنه الرئيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، عندما اتخذ سلسلة من القرارات جمد بمقتضاها عمل البرلمان المنحل وأقال الحكومة السابقة المدعومة من حركة النهضة برئاسة هشام المشيشي، قبل أن يعلن عن خارطة طريق مفصلة.
وسيتم في الخامس والعشرين من يوليو المقبل إجراء استفتاء شعبي على مسودة دستور جديد، تمهيدا لانتخابات تشريعية مبكرة ستُجرى في السابع عشر من ديسمبر القادم، وذلك رغم الضغوط التي يواجهها قيس سعيّد من قبل الخارج ومن قبل خصومه في الداخل.
ويواصل الاتحاد العام التونسي للشغل التصعيد في الداخل مع الرئيس سعيّد، لينضم بذلك إلى عدة جبهات تحاول اللعب على وتر المظلومية واستعادة أجواء المعارضة خلال عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي لإحراج سعيّد. وقال الأمين العام للنقابة نورالدين الطبوبي الخميس في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن "الاتحاد أصبح اليوم مستهدفا من قبل السلطة".