رسالة تسامح على ضفاف "النهر الخالد"

حفل الإفطار الذي أقيم مؤخرا على ضفاف النيل بمحافظة المنيا جنوب مصر، يكتسي ثوب التحدي للعنف الطائفي، حيث كان يقيمه مسيحيون ينتمون إلى الطائفة الإنجيلية، ليتزامن مع افتتاح المركب العائم المعروف باسم “الذهبية” الذي أحرقته عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، عقب ثورة 30 يونيو 2013.
الخميس 2016/06/16
الألفة والتعايش قدرا مسيحيي مصر ومسلميها

القاهرة - المركب الذي يحمل اسم “الذهبية الجديدة” وكان يجمع شمل عدد كبير من المسلمين والمسيحيين في إفطار رمضاني، ليس فقط تأكيدا لوحدتهم، بقدر ما كان رسالة للمتطرفين، مفادها أن النسيج الوطني المصري سيظل على تماسكه.

المركب العائم القائم منذ الأربعينات لم يكن بمنأى عن أيادي جماعة الإخوان الإرهابية، فقد تحول إلى كتلة متفحمة في 14 أغسطس 2013، أثناء أعمال الشغب التي تلت فض اعتصامي رابعة بالقاهرة والنهضة بالجيزة.

الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة المصرية أخذت على عاتقها عملية إصلاح وتجديد الباخرة، لكنها فشلت في ذلك نظرا لتآكلها تماما، الأمر الذي حال دون التجديد.

أكد نبيل نجيب سلامة رئيس المكتب الإعلامي للهيئة الإنجيلية لـ”العرب” أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعد بإصلاح كل ما دمره الإخوان من ممتلكات قبطية، وقامت القوات المسلحة بمنح الكنيسة الإنجيلية مركبا جديدا، أطلق عليه “نيو ويتنس الذهبية”.

رأت الهيئة القبطية الإنجيلية أنّ هذه المبادرة، كانت بمثابة لفتة جميلة، وقد تم تدشينها بمائدة إفطار رمضانية جمعت المسلمين والمسيحيين.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الموائد الرمضانية التي كانت تقيمها الكنيستان الأرثوذكسية والإنجيلية تحت شعار “الوحدة الوطنية”، قد توقفت بعد ثورة 25 يناير 2011 وما تلاها من أحداث.

حفل الإفطار الذي أقامته الهيئة الإنجيلية حضره حلمي النمنم وزير الثقافة، وأحمد زكي بدر وزير التنمية المحلية، وأندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية، وصلاح نصر محافظ المنيا، بالإضافة إلى العديد من المفكرين والكتاب والإعلاميين وأعضاء البرلمان والقيادات الدينية، المسيحية والإسلامية، والنشطاء في المجتمع المدني.

أكد القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية أن افتتاح الباخرة “الذهبية” حدث مهم، ورسالة للعالم بأن الدولة المصرية أعادت ما دمره الإرهاب الأسود.

رصدت “العرب” تنامي الدور التنموي والمدني للطائفة الإنجيلية تجاه المسلمين قبيل شهر رمضان، تحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي، فقام المعنيون والمكلفون من قبل الطائفة الإنجيلية بحصر شامل للفقراء في البعض من القرى المصرية وتقديم مساعدات مالية وعينية لهم.

البابا شنودة كان قد أمر بتوجيه ميزانية موائد الوحدة الوطنية لإقامة "موائد الرحمن" بالقاهرة والمحافظات

يحدث هذا في ظل غياب واضح للكنيسة الأرثوذكسية، وحتى تصريحات المسؤولين فيها لم تحسم استعادة الدور الذي اضطلعت به لما يزيد عن عشرين عاما، بإقامة موائد إفطار تجمع المسلمين والأقباط معا.

القمص بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قال إن مائدة الوحدة الوطنية التي كان يقيمها الراحل البابا شنودة لن تنظم هذا العام أيضا في مقر الكاتدرائية بالعباسية، لكن الكنيسة لن تمنع الأساقفة من تنظيم موائد إفطار في محافظاتهم، والقرار النهائي يعود إلى البابا تواضروس الثاني.

جدير بالذكر أن الكنيسة الأرثوذكسية اعتادت على تنظيم حفل إفطار جماعي في مقرها بالكاتدرائية المرقسية في العباسية وسط القاهرة منذ عام 1985، وكانت أشهر الموائد الكنسية في رمضان، من حيث الاهتمام الإعلامي وحضور كبار المسؤولين والعديد من الأئمة والشيوخ ونجوم الفن والسياسة.

يذكر وقتها أنّ الراحل البابا شنودة كان قد أمر بتوجيه ميزانية موائد الوحدة الوطنية لإقامة “موائد الرحمن” بالقاهرة والمحافظات، ناصحا الأساقفة وأثرياء الأقباط، بالتبرع بما كانوا يخصصونه لموائد الوحدة، لفقراء البلاد.

التوقف النهائي لهذه الموائد بدأ عام 2011 بعد أحداث ثورة يناير، وتشابك السياسة مع الدين ثم صعود نجم التيار الإسلامي، حين تولى الإخوان مقاليد الحكم، وهو ما أفسد اللحمة الوطنية التقليدية في نظر الكثير من المراقبين.

وقال مهتمون بالشأن القبطي لـ”العرب” إنّ التوقف النهائي عن إقامة موائد الوحدة الوطنية ليس بمنأى عن صعود نجم الإسلاميين المتشددين، حيث طلبوا من الكنائس الأموال التي تصرفها على تلك الموائد ليتولوا توزيعها على الفقراء بمعرفتهم، الأمر الذي ساهم في تقليصها تماما، ناهيك عن ازدياد دعوات إلى تحريم الإفطار على موائد يعدها أقباط في مصر، أطلقها سلفيون ومتطرفون.

وأوضح الناشط القبطي ويصا بشر لـ”العرب” بقوله “من الصعب إقامة تلك الموائد في ظل الاحتقان الذي شهدته مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، وحتى الآن لم يتعاف قطاع من الأقباط مما أصاب كنائسهم، على يد متطرفين”.

ويبدو أن الباخرة “الذهبية” تخلصت من عقدة المتشددين والمتطرفين والمزايدين باسم الدين، واستطاعت الاستمرار صامدة مرة أخرى لتجمع شمل المسلمين والمسيحيين على مائدتها، في أبهى مظاهر الانفتاح والتسامح واللحمة الوطنية.

13