رسالة تحد.. صحيفة "الوطن" الجزائرية تصدر من جديد

القائمين على المنبر الإعلامي يوجهون نداءً عاجلا إلى السلطات لاستعادة حقوق الصحيفة.
الجمعة 2022/08/19
احتمالات كئيبة تنتظر «الوطن»

الجزائر - عادت صحيفة الوطن الجزائرية الناطقة بالفرنسية إلى الظهور في أكشاك بيع الصحف، رغم استمرار أزمتها المالية الخانقة، وذلك بعد أسبوعين من الغياب عن قرائها.

ووجه مسؤولو الصحيفة نداءً عاجلاً إلى السلطات لاستعادة حقوق الصحيفة وإقامة نظام عادل في سوق الإعلانات في البلاد.

وتمثل العودة تحديا لموظفيها، الذين قرروا العودة إلى العمل على الرغم من عدم استلام رواتبهم لمدة 5 أشهر. وأشادت “الوطن” في افتتاحيتها التي وقعها مديرها العام محمد طاهر المسعودي بموظفيها الذين اتخذوا، حسب قوله، قرارًا حكيمًا وشجاعًا بالعودة إلى العمل، مقتنعين بأن العدالة ستتحقق لهم من خلال رفع التجميد عن حسابات الجريدة في البنك لدفع رواتبهم.

الصحيفة اتهمت أعداء الصحافة الحرة ودوائر الفساد ومعسكر الإسلاميين الراديكاليين بالتواطؤ ضدها

وبحسب المسعودي، فإن هذا الوضع مرتبط بتجميد حسابات الشركة من قبل البنك الرئيسي في الجزائر، وهو “بنك القرض الشعبي الجزائري”، بسبب قرض لبناء مقر جديد للصحيفة لم تشغله قط.

ويطالب البنك الصحيفة بسداد متأخرات الديون الضريبية التي تعود إلى فترة وباء كورونا، عندما سمحت السلطات للشركات بتأجيل دفع ضرائبها، “دون تأخير”.

وقال مدير النشر “رفضت سلطات الضرائب منحنا جدول سداد على النحو المنصوص عليه في القانون”.

وجاء طلب سداد هذا الدين الضريبي على رأس مشكلة أخرى. إذ أن الإدارة، التي كررت لعدة سنوات أنها تعاني “نقصا في الموارد المالية” بعد نضوب موارد الدعاية الخاصة بتعليق “أحادي الجانب” لاتفاقية موقعة مع الوكالة الوطنية للنشر والإعلان (ANEP)، وهي هيئة عامة تحتكر إعلانات الدولة، كان عليها اللجوء إلى قرض مصرفي آخر لدفع رواتب الموظفين.

لكن تراجع النشاط في يناير دفع البنك إلى تقليص مبلغ هذه السلفة المالية. واستنكر المسعودي هذا القرار الذي اتخذه البنك، بما أن الوطن “ميسورة” إذ للجريدة “دخل مرتبط بمبيعاتها” و”أصول” تسمح لها بسداد ديونها في حالة حدوث مشاكل في السيولة النقدية. وقد حاولت الإدارة بيع الأرض والمبنى الجديد، لكن بسبب حساباتها المجمدة لم تستطع إجراء أي عملية.

وكان المسعودي قد أعلن مؤخرًا، أن المؤسسة تتجه نحو الإغلاق إذا استمرت الأزمة المالية، وحمّل السلطات مسؤولية وضع الصحيفة تحت ضغوط هائلة.

وأعلنت الصحيفة في افتتاحيتها الأربعاء إصرارها على المقاومة قائلة إن طريقها عبر 32 عامًا من الوجود تخللته المزالق والعقبات من جميع الأنواع، مؤكدة تعرضها للابتزاز من خلال الإعلانات والتهديدات الإرهابية وسجن الصحافيين والمضايقات القضائية ووقف الطباعة وتفتيش حساباتها ثلاث مرات من قبل سلطات الضرائب، لكنها في كل مرة “تمكنت من التغلب على العقبات”.

واتهمت الافتتاحية بعض الأطراف بالمشاركة في زوال الصحيفة. وقالت إن من بين هؤلاء أعداء الصحافة الحرة والديمقراطية، ثم دوائر الفساد وكذلك معسكر الإسلاميين الراديكاليين ورعاة الإرهاب. وأشارت إلى أن هؤلاء، لحسن الحظ، يمثلون إلى حد كبير أقلية في مجتمع يعتبر المكاسب الديمقراطية من خلال التعددية السياسية وحرية الصحافة الواردة في الدستور غير قابلة للتفاوض.

وتبنت صحيفة الوطن منذ تأسيسها في مطلع تسعينات القرن الماضي خطا ناقدا للسلطة، وللتيارين الإسلامي والمحافظ حينها، خاصة لمّا هيمن الإسلاميون في جبهة الإنقاذ المنحلة على نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية العام 1991، وجرى توقيفها قبل الدور الثاني.

البنك الرئيسي في الجزائر يطالب الصحيفة بسداد متأخرات الديون الضريبية التي تعود إلى فترة وباء كورونا

وفي عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، شكلت “الوطن” نفسها كصحيفة معارضة تعتبر ضراوتها حالة نموذجية في العالم العربي. وقد مكنتها المكاسب المالية غير المتوقعة، من اكتساب الوسائل اللازمة للحفاظ على استقلاليتها، إذ أسست مطبعتها الخاصة بالشراكة مع صحيفة ”الخبر” الناطقة باللغة العربية. وفي عام 2010، بدأت الصحيفة في بناء برج مكاتب في الجزائر العاصمة، كرمز لازدهارها المالي. ولكن بسبب “عدم احترام معايير البناء”، فإن المقر، وهو مبنى زجاجي يطل على خليج الجزائر، ظل مهجورا.

في الواقع، منذ عام 2014، دفعت “الوطن” ثمن حملتها ضد الولاية الرابعة لبوتفليقة، وحرمت الصحيفة من إعلانات الدولة. ومع استقالة بوتفليقة في ربيع 2019، عادت الإعلانات الحكومية إلى الصحيفة. لكن ذلك لم يدم طويلا، فقد حسم مقال تحدث عن قضايا فساد لأبناء قائد الجيش السابق أحمد قايد صلاح، مصير الصحيفة.

يذكر أنه في أبريل الماضي، توقفت صحيفة “ليبرتي” التي تعتبر من أعرق الصحف الجزائرية، بعد قرار مالكها رجل الأعمال الثري يسعد ربراب إغلاقها إثر صفقة مع السلطات الجزائرية، منهيا بذلك مسيرتها التي امتدت ثلاثة عقود.

لم تعد غرف الأخبار في الجزائر اليوم تحتسب عدد العناوين التي تختفي، دون أن يثير ذلك أدنى عاطفة. وبينما كانت الصحف الناطقة بالفرنسية على قدم المساواة مع الصحف الصادرة باللغة العربية، فإنها تمثل الآن ثلث العناوين الموجودة في البلاد وعددها 149 عنوانا. وانخفض تداولها بنسبة 50 إلى 60 في المئة في بضع سنوات. وتظهر التقارير الأخيرة احتمالات أكثر كآبة من أي وقت.

16