رسائل قيادة البعث السوري إلى "الرفاق": لا مكان لمن يرفض التغيير

عقوبات تطال "بعثيين" لعجزهم عن رفع مستوى وعيهم العقائدي والسياسي.
الاثنين 2024/06/10
رسائل لاحتواء الداخل واسترضاء الخارج

تتوالى الرسائل التي يوجهها النظام السوري إلى الداخل والخارج عن عزمه على إحداث تحول في البلاد، وأن أحد محركات هذا التحول هو محاربة الفساد والفاسدين، ولن تكون هناك استثناءات في هذه المواجهة، بما يشمل ذلك "الرفاق".

دمشق - أصدرت القيادة المركزية لحزب البعث الحاكم في سوريا قرارا يقضي بمعاقبة أعضاء للحزب في مجلس الشعب، وحرمانهم من الترشح للانتخابات المنتظر إجراؤها في يوليو المقبل.

وتزامن القرار مع صدور أمر رئاسي الأحد يقضي بعزل قاضيين، وذلك للمرة الثانية خلال أيام قليلة.

وفاجأت الخطوة “الرفاق” والمتابعين للشأن السوري، حيث إنه لم يسبق أن تم اتخاذ هكذا إجراءات عقابية داخل حزب البعث منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. ونص قرار “القيادة المركزية” على معاقبة 19 نائبا في مجلس الشعب، من خلال تخفيض مستوى عضويتهم العاملة في البعث لمدة عام كامل، كما أقر القرار بحرمانهم من الترشح مجددا لعضوية مجلس الشعب ضمن قوائم الحزب الحاكم في البلاد.

وقالت “القيادة المركزية” إن القرار المتخذ بحق الأعضاء، جاء نتيجة لما وصفته بـ”عدم القدرة على رفع مستوى وعيهم العقائدي والتنظيمي والسياسي”، استنادا إلى “مذكرة مكتب التنظيم المركزي في الحزب، وكتب لجنة الرقابة والتفتيش والشعبة الحزبية في مجلس الشعب، المتضمنة موضوع بعض الرفاق في شعبة المجلس وعدم التزامهم بتعليمات القيادة”.

◄ مجلس الشعب السوري رفع الحصانة عن العضو فؤاد علداني للسماح بملاحقته قضائيا ومحاكمته
مجلس الشعب السوري رفع الحصانة عن العضو فؤاد علداني للسماح بملاحقته قضائيا ومحاكمته

ولم تقدم القيادة المركزية تفسيرات واضحة عن دواعي اتخاذ هكذا قرار، لكن بعض المصادر تحدثت عن أنه في علاقة برفض النواب المعاقبين التصويت على قرار يقضي برفع الحصانة عن واحد من أعضاء المجلس التشريعي، متهم في قضايا فساد.

ورفع مجلس الشعب السوري في مارس الماضي الحصانة عن العضو فؤاد علداني، للسماح بملاحقته قضائيا ومحاكمته بعد إدانته بالقضية الجمركية رقم 1064 الخاصة بملف تهريب المحروقات وما تسبب به من هدر لمليارات من الليرة السورية.

وواجه علداني المنحدر من محافظة إدلب شمال غرب سوريا، تهما تتعلق بتهريب المازوت، والتسبب بهدر كمية 300 ألف لتر مازوت في أراض زراعية تهربا من ملاحقة الجمارك، وتغريمه “مبدئيا” بعشرين مليار ليرة سورية (الدولار يناهز 14 ألف ليرة).

ويحاول نظام الرئيس بشار الأسد الإيحاء بتغير في أسلوبه، عبر تفعيل مبدأ المحاسبة بحق قيادات وأعضاء في مؤسسات رسمية تلاحقها تهم الفساد.

ويقول متابعون إن العقوبات الصادرة بحق الأعضاء البعثيين، هي رسالة بأنه لن يكون هناك غطاء للفساد أو التجاوزات.

واعتبر الأمين العام المساعد لحزب البعث إبراهيم الحديد أنّ الرئيس الأسد “يقود حزب البعث إلى صيغة متطورة من الديمقراطية في العمل الحزبي”.

وذكر الحديد على هامش اجتماع ضم عددا من مسؤولي الحزب، أن لا مكان في أسرة البعث إلا للرفيق البعثي الخلوق.

وتشكل الولاءات الأمنية والحزبية وأيضا الطائفية، أحد الأسباب الرئيسية في تفشي الفساد الذي ضرب كل القطاعات في سوريا، وشكل ذلك دافعا رئيسيا لاندلاع الاحتجاجات الشعبية في العام 2011، والتي تحولت لاحقا إلى حرب أهلية.

ويتولى عدد من النوّاب الواردة أسماؤهم في قائمة العقوبات التي أصدرها حزب البعث مناصب عليا في مؤسسات حكومية ونقابات، من بينهم نقيب المهندسين السوريين غياث قطيني، ونقيب الفنانين السوريين محسن غازي الذي أعلن قبل فترة عن ترشحه لعضوية مجلس الشعب للمرة الثالثة عبر “الاستئناس الحزبي” عن فرع محافظته حماة، بعد أن كان عضوا لدورتين تشريعيتين. وورد في المادة الأولى من القرار “فرض عقوبة تخفيض مستوى العضوية العاملة مدة عام بحق الرفاق أعضاء مجلس الشعب”، المذكورين في القائمة المرفقة.

◄ الرئيس بشار الأسد يقرر عزل قاضيين في النيابة العامة التمييزية، بعد مرور أيام قليلة على اتخاذه قرارا مشابها

ونصت المادة الثانية على “تكليف الرفاق أمناء الفروع الحزبية واللجنة العليا للانتخابات، بشطب أسماء المرشحين منهم من جداول الاستئناس الحزبي حاليا، تنفيذا لقرار القيادة المركزية بشأن شروط الترشح”.

ويخضع المرشحون عن حزب البعث في الانتخابات التشريعية لما يُسمى “الاستئناس الحزبي” لاختيار قائمة نهائية تخوض الاستحقاق باسم الحزب.

ويراهن النظام السوري على الانتخابات المنتظرة في التسويق لمرحلة جديدة في البلاد، ما جعله يفضل الدفع بوجوه جديدة للمشاركة في الاستحقاق. لكن مراقبين يتشككون في ذلك معتبرين أن المجلس المقبل لن يحيد عن الدور المنوط به منذ عقود.

وهذا الاستحقاق هو الرابع منذ اندلاع الصراع السوري، والذي تعثرت مساعي تسويته سياسيا، في وقت تحاول فيه دمشق كسر عزلتها الدبلوماسية عربيا ودوليا.

وتُجرى الانتخابات التشريعية في سوريا مرة كل أربع سنوات. ودائما ما يفوز حزب البعث بغالبيّة المقاعد البالغة 250. ولا يمكن للمقيمين في مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة والملايين من اللاجئين في الخارج المشاركة في الاقتراع.

ويقول المراقبون إن المهمة الرئيسية للمجلس المقبل ستكون تعديل الدستور، بما يمكن الرئيس الأسد من الترشح مرة أخرى في عام 2028.

إبراهيم الحديد: الرئيس الأسد يقود حزب البعث إلى صيغة متطورة من الديمقراطية في العمل الحزبي
إبراهيم الحديد: الرئيس الأسد يقود حزب البعث إلى صيغة متطورة من الديمقراطية في العمل الحزبي

وكان مجلس الشعب عدل في العام 2000 الدستور مخفضا سن الترشح من الأربعين إلى الرابعة والثلاثين حتى يتمكن من ترشيح بشار الأسد لرئاسة الجمهورية.

وعلق المعارضون للنظام آمالا كبيرة على تشكيل اللجنة الدستورية في العام 2019، على أمل وضع دستور جديد للبلاد أو إدخال تعديلات جوهرية على الدستور القائم، لكن سرعان ما تبددت تلك الآمال مع تراجع الملف السوري من سلم أولويات المجتمع الدولي.

ويقول المراقبون إن الرئيس السوري يعتقد أن اتخاذ بعض الإجراءات سواء في علاقة بمحاربة الفساد أو في إعادة هيكلة للقوى العسكرية والأمنية بما يخفف من حجم الانتقادات في ما يتعلق بالانتهاكات، من شأنه أن يبعث برسائل إيجابية للداخل عن وجود تغيير وأيضا يعزز مساعيه لكسر عزلته الدولية.

ويرى المراقبون أن مثل تلك الخطوات مهمة لكنها تبقى ترقيعية، ولا ترقى إلى مطالب الداخل والخارج، الذي يتمسك بحل للأزمة وفق القرارات الأممية لاسيما القرار 2445.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” الأحد أن الرئيس الأسد أصدر المرسوم رقم 120 القاضي بتنفيذ عقوبة العزل التي فرضها مجلس القضاء الأعلى بحق كل من القاضيين شذا نزار نصور، قاض في النيابة العامة التمييزية من المرتبة الثالثة والدرجة الثالثة، وعبدالرحمن عبد الرزاق القطيني، قاض في النيابة العامة التمييزية من المرتبة الرابعة والدرجة الأولى. ونص المرسوم على تصفية حقوق القاضيين المعزولين وفقا للقوانين النافذة.

وكان الأسد أصدر في الثاني من شهر يونيو الجاري مرسومين بعزل قاضيين آخرين في محافظتي درعا والسويداء جنوبيّ سوريا، وذلك بعد قرارات مماثلة شملت قضاة في دمشق وحلب وحمص.

وكغيره من الأسلاك يعاني سلك القضاء في سوريا من تفشي الفساد بشكل كبير، ويقول نشطاء إن العيد من القضاة يوظفون مركزهم الوظيفي من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وهذا الأمر ألحق أضرارا كبيرة بالآلاف من السوريين.

وبحسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، تحتل سوريا المرتبة الـ178، ضمن “مؤشر الفساد الذي تصدره المنظمة سنويا”.

 

اقرأ أيضا:

        • احتجاجات السويداء مستمرة رغم الضغوط المتزايدة

2