رسائل سعودية وراء تكريم موسيقار مصري مسيحي

هيئة الترفيه السعودية تبعث برسائل تتجاوز الحدود الفنية.
الجمعة 2023/03/10
انفتاح فني سعودي يتخطى تعقيدات السياسة

القاهرة - حمل الحفل الذي أقامته هيئة الترفيه بالسعودية مساء الخميس لتكريم الموسيقار المصري هاني شنودة الكثير من الرسائل التي تتجاوز الحدود الفنية، فالحفل الذي حضره فنانون ومطربون كبار من مصر لم يخل من إشارات سياسية تتعلق بالتسامح والانفتاح والحرية أرادت الرياض تأكيدها.

وكان يمكن أن يمر الاحتفاء بالفنان المصري بصورة عادية، غير أن الحشد الكبير واهتمام المنظمين وديانة هاني شنودة نفسه منحت المناسبة مزايا نوعية أضفت عليها طبيعة خاصة في مصر والسعودية.

وجمعت الرياض مع الموسيقار المصري فنانين يصعب أن يلتقوا في حفل واحد، حيث دعت هيئة الترفيه المطربين محمد منير وعمرو دياب وأحمد عدوية، بجانب آخرين من مجالات فنية مختلفة، في سابقة لم تتكرر منذ زمن في القاهرة.

وأوحى الاهتمام السعودي بالفنانين المصريين بضرورة الفصل بين السياسة والفن، فالأولى لها تعقيداتها ودهاليزها ومشاكلها، بينما الثانية قادرة على تقريب المسافات.

القيادة السعودية تمنح لهيئة الترفيه مساحة واسعة للحركة والدعم المادي، وهو ما جعلها تضاعف أنشطتها الفنية ولا تقف عند إشكالية منافسة مصر أو غيرها

ومهما حدث من تباين بين القاهرة والرياض في وجهات النظر حول قضايا سياسية معينة ستظل العلاقات الشعبية بعيدة عن التأثر بها، خاصة أن المهرجانات الفنية التي تقيمها السعودية متعددة ومتنامية ويمثل الفنانون المصريون جزءا أصيلا فيها.

ويؤكد احتفاء الرياض بهاني شنودة أنها تقدر الفن المصري ولا تنسى من أسهموا بجهود كبيرة في دعمه على مدار سنوات طويلة من دون أن تخلو هذه الطريقة من مغزى خفي قد يفهم منه البعض أن السعودية التي طرقت باب الموسيقى متأخرة تكنّ تقديرا كبيرا للنجوم في أي دولة، فلم يحصل شنودة على التقدير الذي يستحقه في مصر، على الرغم من موهبته الكبيرة، فقد أعاده الحفل السعودي إلى الواجهة.

ويشير تكريم فنان مصري مسيحيّ الديانة أن السعودية عازمة على مواجهة المتشددين على أراضيها إلى أقصى مدى وكسر شوكتهم في المجتمع، فالحفل الكبير الذي أقيم للموسيقار شنودة يعزز توجهات هيئة الترفيه ويدعم مسارها وعزيمتها ويؤكد أنها غير عابئة بأي انتقادات توجه لها من قبل الرافضين لمهرجاناتها الفنية.

كما أن استمرار الحفلات الفنية وتنوعها وتعددها وتلاحقها يدعم قدرتها على الانفتاح ورغبتها في أن يكون هذا السلاح ركيزة لمساعدة السعودية في توجهاتها الحديثة الساعية للتطوير وتغيير نمط حياة تقليدية عاشت في كنفها المملكة عقودا طويلة.

وتمنح القيادة السعودية لهيئة الترفيه مساحة واسعة للحركة والدعم المادي، وهو ما جعلها تضاعف أنشطتها الفنية ولا تقف عند إشكالية منافسة مصر أو غيرها، فقد أصبح الفن لا موطن له، وتسعى للاستثمار في هذا المعنى باستقطاب كثير من النجوم العرب كي تتمكن من تكوين نخبتها الفنية والصعود بها، الأمر الذي يحتاج إلى وقت.

ويقول متابعون إن القاهرة لا تمانع في استفادة السعودية من الفنانين وتكريمهم والاحتفاء بهم، ففي النهاية هذا رصيد للقوة الناعمة المصرية وتأكيد على أهميتها على الساحة العربية، وأن ذهابهم إلى السعودية أو أي من الدول العربية يفتح بابا لتوطيد العلاقات الشعبية ويمحو فكرة أن الخلاف السياسي يمكن أن يؤثر عليها.

ويضيف هؤلاء المتابعون أنه يوجد ما يشبه الاتفاقات الضمنية بين مصر والسعودية لمحاصرة الخلافات الكبيرة والصغيرة، بما لا يجعلها ترخي بظلال سلبية على الأطر الشعبية بمستوياتها المتباينة، فكل دولة على يقين بحتمية تسوية أي خلاف سياسي استنادا إلى الأطر الإستراتيجية المتينة التي تحكم العلاقات بين البلدين.

الاهتمام السعودي بالفنانين المصريين يوحي بالفصل بين السياسة ومشاكلها والفن القادر على تقريب المسافات

وإذا كانت السعودية ترى أن الفن مدخل جيد لتعزيز خطتها في التغيير والانفتاح والحداثة، فإن هناك رصيدا مصريا متراكما في هذا المجال من الواجب توظيفه في شكل جيد من التعاون بدلا من المنافسة التي يمكن أن تضر الجميع.

ومع تزايد الحديث عن وجود خلاف بين القاهرة والرياض وقبول البلدين مواجهته بالصمت إلى حين معالجته، إلا أن ذلك لن يقلص التعاون في مجالات أخرى.

وربما يكون اهتمام الرياض الظاهر باحتفالية هاني شنودة من الوسائل التي تخفف شعبيا ما شاع في بعض الأوساط حول رغبتها في تقويض دور الفن المصري وسعيها لسحب البساط من تحته وربما تشويهه.

وينفي شكل الاحتفالية والشخص المحتفى به والحاضرون من الفنانين والفنانات المصريين هذا الأمر، وقد تذيب المناسبة الكثير من الجليد الذي تراكم مؤخرا على الصعيد الشعبي، وهو ما لم يكن معتادا من قبل، فلم يتورط مواطنون على نطاق كبير بالدخول على خط أي من الخلافات السياسية سابقا، لكن في المرة الأخيرة، والتي لا تزال معالمها مستمرة، أخذ التراشق منحى لافتا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويمكن أن يخفف الاحتفال بموسيقار مصري كبير في السعودية جانبا من الاحتقان الشعبي، وأن الطريقة التي أخرج بها الحفل والردود الإيجابية عليه في القاهرة تشيران إلى أنه كان حفلا فنيا بطعم سياسي، المستهدف منه كسب ود الشعب المصري أولا.

2