رسائل العشاق المهجورين

قبل أن يتساءل الشاعر بلند الحيدري في قصيدة شهيرة له "ساعي البريد/ ماذا تريد" كان الحمام الزاجل اختراعا عباسيا استلمه أمويو الأندلس ليكون وسيلتهم في إيصال الرسائل. كان الحمام متقنا في صنع خرائطه في الفضاء معتمدا كما يقول العلماء على حاسة الشم.
وعلينا أن نصدق ذلك ما دام ساعي بريد الشاعر التشيلي بابلو نيرودا قد تمكن من كتابة الشعر لأنه صار صديقا لنيرودا أولا وثانيا لأنه يحب فتاة تعمل في حانة أمها.
بقوة الحب يمكن للعاشق أن يكتب مشاعره على أشياء كثيرة.
فريد الأطرش يقول "اكتب ع أوراق الشجر" أما فيروز فإنها تقول "بكتب اسمك يا حبيبي ع الحور العتيق".
يسمّي المصريون الرسالة جوابا.
ومن أجمل (الجوابات) هناك جواب بعثه عبدالحليم حافظ عام 1960 إلى حبيبته في فيلم "البنات والصيف" المأخوذ عن رواية لإحسان عبدالقدوس.
كتب عبدالحليم "مشتاق لعينيك مشتاق لك/مشتاق وأنا لسه مقابلك/وف عز الشوق يا حبيبي وف عز الليل بكتبلك”. وتستحضر نجاة الصغيرة الحمام الزاجل فتقول "على طرف جناحك يا حمام/حربطلك مكتوبي/وملاه أشواقي وحنيني توصلها لمحبوبي"، وكما يبدو أن نجاة قد أهملت حقيقة أن الرسالة كانت تُربط بقدم الطائر وليس بجناحه.
وبعكس عبدالحليم حافظ الذي كتب رسالته بهدوء كان فهد بلان قد خاطب مكتوبه الذي كتبه إلى حبيبته وهو يقول “واشرح لها عن حالتي/روحي عليلة لأجلها”، وبالرغم من كل ذلك الصراخ فإن الانتظار قد يطول من غير أن يحقق المكتوب غرضه. فلا جواب ولا رد فعل.
وفي ذلك تقول فيروز "كتبنا وما كتبنا ويخسارة ما كتبنا/كتبنا مية مكتوب ولهلا ما جاوبنا".
قبل الماسنجر والشات وبرامج الدردشة والأس أم أس كان نزار قباني قد كتب قصيدته “رسالة من تحت الماء” وغناها عبدالحليم حافظ ليعلن فيها فشل كل تجاربه الغرامية السابقة إذ يقول “الموج الأزرق في عينيك يناديني نحو الأعمق/وأنا ما عندي تجربة في الحب ولا عندي زورق/إني أتنفس تحت الماء إني أغرق".
ولو تُرك الأمر للعراقية هيفاء حسين لاستمر ساعي البريد في عمله واستمر الحبر وهو يخط كلماته في سطور مبللة بالدموع فهي تقول "رسالة للولف مني لاوديها/قطعة من العتب والله لسويها/زين أدري حبيبي لو قراها/كل ساعة يعيد النظر بيها/قطعة من العتب والله لسويها”.