رد فعل مبالغ فيه على استقبال القاهرة حماد يكشف ارتباك الدبيبة

القاهرة – بالغ رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة في رد فعله على استقبال القاهرة رئيس الحكومة الموازية أسامة حماد، سواء من خلال بيان وزارة الخارجية أو تسريب معلومات لم تثبت صحتها بشأن طرد دبلوماسيين مصريين من طرابلس تم وصفهم بأنهم “عناصر من المخابرات”.
وتعكس هذه المبالغة ارتباك الدبيبة واستشعاره مؤشرات تهدد بقاءه على رأس الحكومة. وبدأت المياه السياسية والأمنية تتحرك سريعا من تحت قدمي الدبيبة بشكل أكبر مما كان يتوقع، حيث رفعت القاهرة مستوى تعاونها مع أسامة حماد عقب مطالبات بإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن ودعم اختيار رئيس حكومة موحدة.
ومثّل فقدان محمد تكالة على رأس المجلس الأعلى للدولة، وعودة خالد المشري في انتخابات جرت مؤخرا بينهما، ضربة جديدة يمكن أن تؤثر تداعياتها على خارطة التحالفات التي اعتمد عليها الدبيبة لتسيير المرحلة الانتقالية.
وزادت التحديات أمام الرجل بالتزامن مع احتداد الأزمات الأمنية بين الجماعات والميليشيات القريبة منه في طرابلس، وتهديدات من قبل الجيش الوطني الليبي بالسيطرة على منطقة غدامس ومطارها في جنوب غرب ليبيا.
وبعد أن اطمأن الدبيبة إلى إصلاح علاقاته مع مصر وشعوره بإعادة الاعتراف به، فوجئ باستقبال رئيس حكومتها مصطفى مدبولي غريمه أسامة حماد في مدينة العلمين الجديدة، بشمال غرب القاهرة، بما أفرغ لقاءاته في القاهرة في يوليو الماضي من مضامينها السياسية، وأعاد علاقته بمصر إلى نقطة التوتر السابقة.
وأعربت وزارة الخارجية التي يشرف عليها الدبيبة عن “استيائها ورفضها للتصرف الدبلوماسي الذي أقدمت عليه الحكومة المصرية من خلال استقبالها بشكل رسمي لأجسام موازية لا تحظى بأي اعتراف دولي”، ووصفت الخطوة بأنها “خروج عن وحدة الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى حالة الانقسام والاحتراب”.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن قلق الدبيبة من زيارة حماد ينبع من خوفه أن تزيد القاهرة تحركاتها الإقليمية والدولية لفتح ملف اختيار رئيس جديد للحكومة والسعي لإجراء الانتخابات المؤجلة، وإحداث حراك بين قوى ليبية بدأت تتخذ حياله مواقف سلبية، حيث اتسع نطاق التململ في مصراتة، وتصاعدت حدة المناوشات بين الميليشيات في طرابلس، ويمكن في أي لحظة أن تقترب قوات قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر من غدامس وتسيطر عليها.
الدبيبة قلق من زيارة حماد خوفا من إمكانية أن تزيد القاهرة تحركاتها الإقليمية لفتح ملف اختيار رئيس جديد للحكومة
وأضافت المصادر ذاتها أن سبب انزعاج الدبيبة ليس الزيارة في حد ذاتها، حيث يعلم طبيعة العلاقة بين أسامة حماد والقاهرة، وإنما رسائلها السياسية؛ إذ تعكس تفاهمات ضمنية بين مصر وتركيا التي تعد من أكبر الداعمين له، وتؤشر على أن فرص التضحية به من قبل أنقرة لن تكون بعيدة في سبيل رغبتها في تحاشي وقوع صدام جديد مع القاهرة.
وأكدت المصادر أن الوضع السياسي والأمني والعسكري المهتز في طرابلس يقلل من نجاح الدبيبة في معاقبة مصر اقتصاديا وتعطيل مشاريعها المنتشرة في ربوع ليبيا؛ فلم يعد متحكما في ميزانية الدولة أو مسيطرا على الجهات التي تتعامل مع الشركات المصرية، ما يمكّن القاهرة من زيادة الضغوط عليه في الفترة المقبلة، وإحراجه أمام القوى الإقليمية والدولية التي وفرت له دعما خلال الفترة الماضية.
واستنكر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح طلب حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة من مسؤولين في المخابرات المصرية مغادرة الأراضي الليبية، واصفا هذا التصرف بـ”غير المسؤول”، ومعتبرا أن هذه الخطوة لا تمثل الشعب الليبي ولا تعكس العلاقات الوثيقة بين مصر وليبيا، وأن محاولات خلق خلافات لن تنجح في تعكير صفو هذه العلاقات.
وقال نائب وزير الخارجية الليبي سابقا مصطفى الزائدي إن زيارة أسامة حماد إلى مصر جاءت في توقيت مهم جدا، حيث تواجه منطقة الشرق الأوسط أوضاعا مضطربة، قد تتمخض عنها تطورات تسمح بالتفكير جديّا في حلحلة الأزمة الليبية، ووقف الاستقطاب الحاصل فيها، والذي يمكن أن ينفتح على صراعات أخرى في المنطقة.
وأوضح لـ”العرب” أن مصر تلعب دورا رئيسيا في السعي نحو إيجاد تسوية سياسية مناسبة، ولديها ثقة في العديد من المكونات في الشرق والغرب، بعيدا عن الضجة التي تحاول حكومة الدبيبة إحداثها بسبب زيارة حماد، ما يجعلها في وضعية سياسية جيدة لتحريك مفاصل حل الأزمة المستفحلة، والتي يؤدي استمرارها إلى تهديدات إقليمية خطيرة.
ولفت إلى أن العلاقة بين مصر والشرق والجنوب الليبي مهمة في هذا التوقيت، لأن القاهرة لها مشاركات تنموية مهمة في ليبيا، وكان من المستغرب أن تكون لمصر “علاقات مع حكومة الدبيبة التي انتهت مدتها قبل عامين، وفي الوقت ذاته لا توطد علاقاتها مع الحكومة التي شكلها مجلس النواب، ما جعل زيارة أسامة حماد نقلة نوعية يمكن أن تتمخض عن نتائج إيجابية على مستوى أدوات تسهيل الحل السياسي”.
وشدد مصطفى الزائدي على أن الدبيبة يعتمد على ما يسميه “الاعتراف الدولي” بحكومته، وإذا صممت مصر على رحيله فإن حكومته من الناحية الواقعية والإستراتيجية سوف تسقط، لذلك ليس أمامه بدائل سوى إحداث ضجة، لكنها بلا فائدة حقيقية، لافتا إلى أن العلاقات الجيدة بين القاهرة والقوى المختلفة في غرب ليبيا وشرقها -بعد فتح مجالات للتعاون مؤخرا- تبرهن على عمق الحضور المصري.
وتم الأحد خلال لقاء مدبولي – حماد بحث أوجه التعاون على عدة أصعدة، أبرزها تأمين الحدود المشتركة بين مصر وليبيا، ودعم مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، وتفعيل عدد من الاتفاقيات وتشكيل لجان وزارية من الدولتين للإشراف عليها.
ونقل بيان صدر عن رئيس صندوق إعمار ليبيا بلقاسم خليفة حفتر، المرافق لحماد، تأكيد الرغبة في مشاركة المزيد من الشركات المصرية المتخصصة في إعادة الإعمار، والتوسع في المشاريع الخدمية والتنموية، وتسهيل حركة دخول البضائع بين الدولتين.
وتوجد حكومتان في ليبيا منذ نحو عامين، إحداهما يرأسها الدبيبة ومقرها العاصمة طرابلس وتدير منها غرب البلاد، والثانية حكومة حماد، ومقرها في مدينة بنغازي، وتدير شرق البلاد ومدنا في الجنوب.