رد إثيوبيا على تحذيرات مصر لم يتأخر: بدء تشغيل التوربين الثاني لسد النهضة

رسالة مصرية لمجلس الأمن الدولي تحذر من حدوث تصدعات في سد "السرج".
الجمعة 2022/08/12
آبي أحمد يتجاهل التحذيرات المصرية

القاهرة - ردت الحكومة الإثيوبية عمليا على رسالة جديدة وجهتها مصر إلى مجلس الأمن الدولي أخيرا حذرت فيها من حدوث تصدعات في السد الرخامي المعروف بـ”السرج”، وأعلنت رسميا بدء تشغيل التوربين الثاني لسد النهضة في توليد الطاقة الكهربائية، وأن الوحدة التاسعة في السد تبدأ إنتاج الكهرباء بطاقة 270 ميغاواطا، وتولد العاشرة حاليا نفس القدر ليصبح الإجمالي 540 ميغاواطا.

وخفف الرد الإثيوبي من التوقعات والتكهنات التي أثارها الكشف عن الرسالة المصرية لمجلس الأمن في هذا التوقيت بشأن حديث التصدعات الذي يدغدغ مشاعر المواطنين، بعد أن تراجع رهانهم على حل أزمة سد النهضة تفاوضيا، ولم تقدم لهم الحكومة المصرية أدلة قوية تثبت قدرتها على تغيير الدفة لصالحها.

وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، من موقع سد النهضة، الخميس، تدشين الملء الثالث لبحيرة السد من منطقة قوبا بإقليم بني شنقول قمز بغرب إثيوبيا، قائلا “تم تخزين 22 مليار متر مكعب من المياه في بحيرة سد النهضة من غير إلحاق الضرر بدولتي المصب”.

نادر نورالدين: الصور الجوية أثبتت بالفعل وجود شروخ في السد

وحذرت القاهرة في رسالة لمجلس الأمن نشرتها وسائل إعلام محلية الأربعاء، من وجود شقوق تمتد في الواجهة الخرسانية للسد الفرعي المرتبط بسد النهضة الإثيوبي “السرج”، مؤكدة أن هذا الأمر “مثير للجزع بشكل خاص بسبب فشل إثيوبيا في الامتثال لواجب إجراء دراسات الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي المطلوبة”.

وركز الخطاب المصري على قرار إثيوبيا الانفرادي للملء الثالث لسد النهضة، بعد تلقي القاهرة رسالة حول اعتزام أديس أبابا استئناف ملء السد في موسم الأمطار الحالي، من دون أن يشرح بطريقة علمية طبيعة الشقوق أو التصدعات.

وتمادت إثيوبيا في التحدي وتصميمها على المضي في تصوراتها الفردية وهي غير عابئة بالتحركات المصرية، حيث أكد مدير مشروع سد النهضة كيفل هورو أن إجمالي عملية البناء المدني وصل إلى 95 في المئة، وبلغت الأعمال الكهربائية 61 في المئة، والجهود جارية لاستكمال المشروع خلال العامين ونصف العام المقبلين.

وكانت القاهرة وجهت خطابا سابقا لمجلس الأمن قبل نهاية يوليو الماضي، أعربت فيه عن رفضها التام لاستمرار إثيوبيا في ملء السد في غياب التوقيع على اتفاق مُلزم مع كل من مصر والسودان، والتفاهم حول عمليات الملء والتشغيل.

ويقول مراقبون إن الحكومة المصرية فقدت الكثير من الأوراق لتغيير الموقف الإثيوبي، ولم ينتصر المجتمع الدولي والقوى الكبرى لرؤيتها، ولم تحقق وساطة الاتحاد الأفريقي نجاحا ملموسا، وحتى أسلوب التهديد الذي جرى التلميح له سابقا في الخطاب المصري لم يردع إثيوبيا.

ويضيف المراقبون أن الرهان يميل إلى استثمار مسألة التصدعات في السد الركامي الفرعي المساند لسد النهضة، ومحاولة الاستفادة من بعض الدراسات التي حذرت من احتمال حدوث تشققات في سد السرج بفعل عوامل التعرية، ما يؤثر على سد النهضة، واستخدامها كدليل على أن إثيوبيا قامت بعمل يمثل خطورة على دولتي المصب.

واستضافت وسائل إعلام مصرية مؤخرا أستاذ إدارة المياه والتنمية المستدامة بجامعة آخن الألمانية هاني سويلم، والذي تحدث بطريقة علمية أشارت إلى وجود تشققات في الواجهة الخرسانية لسد السرج، وهو السد المكمل أو المساعد لسد النهضة.

وأجرى سويلم مقارنة لصورتين للسد بين عامي 2020 و2022، عبر تطبيق خرائط غوغل، لتأكيد استنتاجه حول وجود تشققات بسبب التغيرات المناخية، من دون أن يقطع بوجود خطورة حقيقية على سد النهضة، ولم ينف أو يؤكد فرضية انهيار سد السرج في المستقبل.

وطالب خبراء مصريون إثيوبيا والشركة الإيطالية المنفذة للمشروع بإصدار بيان يعرض الدراسات الفنية التي تثبت سلامة السد، وتقديم شرح لما يتردد حول تأثير التشققات، ومناشدة المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان التدخل لضمان التجميد الفوري لوقف أعمال البناء والملء لمنع المخاطر المحتملة.

وكشف أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة نادر نورالدين عن قيام باحثين مصريين يقيمون في الولايات المتحدة بمشاركة وزير الري المصري محمد عبدالعاطي بدراسة صور جوية تثبت وجود تشققات خطيرة في كل من السد الأصلي الأسمنتي “النهضة” والسد الجانبي الركامي “السرج”، وأن القاهرة طالبت أديس أبابا رسميا بالرد على هذه الصور، لكن الأخيرة تجاهلت الأمر واعتبرته بمثابة ضغط سياسي يمارس عليها.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن إثيوبيا ردت بطريقة عملية هذا العام على البحث المصري، بعد أن زادت عملية تخزين الملء الثالث ليصل إلى 14 مليار متر مكعب بدلا من 10 مليارات، ما يعني حجز 22 مليار متر مكعب الأسبوع المقبل أمام السدين الأسمنتي والركامي، وهو ما يثبت عدم وجود تصدعات أو شروخ.

إثيوبيا تتمادى في التحدي وتصمم على المضي في تصوراتها الفردية وهي غير عابئة بالتحركات المصرية

وأوضح نورالدين أن الصور الجوية أثبتت بالفعل وجود شروخ، لكن يبدو أن إثيوبيا عالجتها عبر الشركة الإيطالية المنفذة للمشروع وأرجأت التخزين إلى هذا العام بدلا من العام الماضي، وذلك لا يعني أن معدلات آمان السد مرتفعة لأنها مازالت عند 1.5 من عشرة، وعلى أديس أبابا المراجعة كي لا يتسبب السد في كارثة لاحقا.

وانتهت إثيوبيا في نوفمبر 2019 من بناء سد السرج الخرساني، ويعرف بأنه الاحتياطي لسد النهضة الرئيسي، وهو تطور اعتبرته الحكومة في حينه “علامة فارقة في المشروع بأكمله”.

وكان تشييد سد السرج خطوة مهمة في مسيرة سد النهضة، ومن دونه لن تتمكن إثيوبيا من تخزين 74 مليار متر مكعب من المياه، وينحصر دوره في احتجاز المياه وتخزينها، وقررت الحكومة الإثيوبية بناءه لزيادة سعة تخزين سد النهضة.

وتبلغ السعة التخزينية لسد النهضة نحو 18.5 مليار متر مكعب، يرفعها سد السرج المكمل إلى 74 مليار متر مكعب، بزيادة 55.5 مليار متر مكعب.

والسرج سد ركامي بين جبلين يقع غرب سد النهضة، وبه حوالي 30 ألف حاجز بلاستيكي تحت الأرض لمنع تسرب المياه منه، وارتفاعه 50 مترا وطوله 5.2 كيلومتر، ويغطي مساحة 33 ألف كيلومتر، بينما يصل ارتفاع سد النهضة إلى 595 مترا، وطوله 1800 متر، ومساحة البحيرة خلفه تبلغ 150 كيلومترا.

2