رحيل مفاجئ للمغنية السورية ميادة بسيليس

ألقى الحزن بظلاله الكئيبة على الوسط الفني في سوريا والعالم العربي بعد رحيل الفنانة ميادة بسيليس صاحبة الموهبة الاستثنائية في عالم الغناء، والتي مثلت برفقة زوجها الموسيقي سمير كويفاتي مشروعا فنيّا استثنائيا في عالم فني شابه التسرّع والإثارة والأغاني الهابطة، بينما رسّخت الفنانة مشروعها على استعادة رقيّ الفن والفنان، وهو ما نجحت فيه باقتدار.
دمشق- نعت وزارة الثقافة السورية المغنية ميادة بسيليس التي توفيت الأربعاء عن عمر ناهز 54 عاما بعد صراع مع مرض عضال.
وشكل خبر وفاتها صدمة كبيرة للجمهور السوري، بعد أقل من شهر من إعلان زوجها الموسيقي سمير كويفاتي، نبأ إصابتها بالسرطان، طالبا من جمهورها الدعاء لها حتى تستقر حالتها الصحية.
رحيل مفاجئ
نعى بسيليس الآلاف من أصدقائها ومحبيها ومتابعيها، بينهم الفنان أيمن زيدان الذي وصفها بـ”الأيقونة المبدعة” وكتب زيدان على صفحته الشخصية على فيسبوك “لنزداد ألما وحرقة في هذه الأيام السيئة، أيقونة الفن السوري النجمة ميادة بسيليس في ذمة الله.. قلوبنا مع الأستاذ سمير كويفاتي والعائلة. العزاء لهم ولنا بنجمتنا التي ارتقت إلى السماء”. وأضاف “تهزمني الكلمات وأنا أشيّع قطعة من القلب”.
كذلك نعاها فنانون آخرون مثل باسم ياخور الذي كتب على فيسبوك:
كما كتب المقدم التلفزيوني السوري مصطفى الآغا على تويتر “رحيل محزن وصادم لنجمة الغناء السوري ميادة بسيليس بعد صراع مع مرض السرطان.. هزمها المرض ولكنها ستبقى في الذاكرة دائما وأبدا”.
ونعاها كذلك عدد من الفنانين السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي منهم المغنية نانسي زعبلاوي والممثل عباس النوري والمخرجة واحة الراهب والإذاعي جورج غرام وغيرهم ممن كان رحيل الفنانة الاستثنائية بمثابة الصدمة لهم.
التأثير الكبير الذي تركه فقد الفنانة يعود إلى أهميتها كفنانة مختلفة صوتا وأداء وحضورا عن السائد، فنانة تذكر بجيل الكبار وبالفن الملتزم بقضايا الإنسان بعيدا عن السطحية والركض وراء الشهرة والإثارة.
اختارت بسيليس طريقا مختلفا في عالم الغناء، طريق يقوم على دقة اللحن وجزالة الكلمة والاختيارات الدقيقة والمدروسة للمواضيع، إضافة إلى إعادة تأدية أهم الأغاني التراثية السورية والعربية بروح أخرى مجددة.

الراحلة ميادة بسيليس اختارت طريقا مختلفا في عالم الغناء يقوم على دقة اللحن وجزالة الكلمة
وكانت الفنانة السورية الراحلة علامة مضيئة في الخارطة الموسيقية السورية باشتغالها في منطقة غنائية شديدة الثراء والخصوبة، هي مزيج من الترتيل الكنسي والطهرانية وخفر العشق. تجربة نوعية اخترقت الساحة الغنائية السورية بخطوات مدروسة صنعها بمهارة رفيق دربها الموسيقار سمير كويفاتي، بكلمات وألحان تنأى عن أغاني الملاهي والأعراس والدبكة.
لم تكن بسيليس سليلة القدود الحلبية وحدها كي تركن إلى الموروث، فها هي أغنية تخترق الأذن والوجدان بسلّم موسيقي آخر، يتطلّع إلى حداثة مفارقة تجاور مناخات زياد الرحباني حيناً وتبتعد عنها طوراً، أغنية محكومة بجغرافيا مغلقة، لكنها تمكّنت من عبور الحدود نحو مهرجانات نوعية في مختلف عواصم العالم، نظراً لخصوصيتها وتمرّدها على السائد. وإذا بالتطريب يذهب إلى أماكن قصيّة لا تخضع للتسليع والموضة. تكمن أهمية هذه التجربة إذاً، في مخاطبة ذائقة مختلفة وسط فوضى الساحة الفنية العربية.
مسيرة استثنائية
عرفت ميادة بسيليس بتقديمها سلسلة من الأغاني على مدار أكثر من خمس وعشرين سنة، أبرزها أغنية “كذبك حلو”، إضافة إلى تقديم أغاني العديد من المسلسلات والأفلام السورية والعربية.
في مدينة حلب السورية ولدت ميادة في 1 يناير 1967، وبرزت موهبتها في الغناء منذ الصغر ولمع صوتها في أداء الترانيم الدينية المسيحية، كما سجلت حضورا مبكرا في عالم الفن بعمر التاسعة عبر إذاعة حلب.إلا أن بدايتها الحقيقية كانت عندما بلغت من العمر 22 عاما، إذ أعلنت عن نفسها جيدا من خلال غناء عدد من الأعمال الفلكلورية والوطنية. لتقدم بعد ذلك على امتداد مشوارها 14 ألبوما غنائيا كان أولها ألبوم “قاتلي بالهجر”، إضافة إلى أغاني المسلسلات التلفزيونية.
سنة 1986 قدمت مجموعتها الأولى “يا قاتلي بالهجر”، تبعتها سنة 1990 بتقديم مجموعتها الثانية بعنوان “خلقت جميلة”، وتوالت مجموعاتها الغنائية التي نذكر من بينها “أبانا” (ترانيم دينيّة) 1993، “بقلبي في حكي”، “شجرة العيد” (أغاني ميلاديّة)، “حنين”، “مريميا”، كما قدمت مجموعة أغاني وطنية باسم “أجراس بيت لحم”.
وعندما أدرك صناع الدراما تأثير صوتها على الجمهور، تمت الاستعانة بها في غناء شارات ما يقرب من 10 مسلسلات درامية أبرزها “جواد الليل”، “أيام الغضب”، “أبناء القهر”، “نساء صغيرات”. شاركت في العديد من المهرجانات الموسيقية وقدمت حفلات غنائية في سوريا والمغرب ومصر والولايات المتحدة وغيرها.
وأحيت بسيليس عدداً كبيراً من الحفلات داخل سوريا وخارجها، بينها حفلة في مجمع “قصر الفنون الجميلة” في مينة سان فرانسيسكو الأميركية، وأخرى في دار الأوبرا في مدريد بإسبانيا ودار الأوبرا المصرية .
ومن أشهر أغانيها نذكر “بلقبي في حكي” و“راح دايما أهواك” و“خليني على قدي” و“أحسنلك تروح” و“شو تأملت” و“مين قالك”.
وحصدت الراحلة عبر مسيرتها الفنية عدداً من الجوائز المحلية والعربية منها الأورنينا الذهبية ثلاث مرات والجائزة الأولى في مهرجان الموسيقى العربية في الدار البيضاء والجائزة الذهبية لأفضل أغنية مصورة والذهبية في مهرجان القاهرة وغيرها. والجائزة الذهبية لأفضل أغنية عربية 1999عن أغنية “كذبك حلو”.
تميزت بسيليس بحفاظها على وقار الفنان، فرغم جمالها الشديد كانت تعتمد فقط على موهبتها الطربية، ولم تلجأ ذات يوم لتصوير كليبات غنائية مثيرة طمعا في المزيد من الشهرة والانتشار، لذا اجتذبت حب وثقة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج.
عرفت ميادة بسيليس بتقديمها سلسلة من الأغاني على مدار أكثر من خمس وعشرين سنة، أبرزها أغنية "كذبك حلو"
حرصت ميادة على تطوير أدواتها بين الحين والآخر، كما شهدت اختياراتها الفنية تنوعا كبيرا، واستقبل الجمهور أغلب أعمالها بترحاب شديد. بمرور الأيام والتجارب، أصبحت ميادة مطربة من العيار الثقيل، وتجربة فنية فريدة من نوعها في عالم فني مليء بالابتذال كانت هي نقطة الضوء بأعمالها الجادة.
في عام 2010 صدر لها ألبوم بعنوان “إلى أمي وأرضي” وهو عمل تأخر موعد صدوره كثيرا ولكنه كان في المستوى الذي أمله واعتاده جمهور ميادة منها.
مشروع فني استثنائي سواءً في تجديده أو في تطوّره المستمر مجافيا للخارطة الحلبية الغارقة في منطقة القدود جيلاً وراء جيل، هكذا خضعت مغامرة الثنائي ميادة بسيليس وسمير كويفاتي إلى مفاهيم مختلفة، نجحت في خط منجز موسيقي فريد من نوعه، ينافس بشدة المشروع “الرحباني الفيروزي” وتمكن من أن يكون مستوى فنيا عاليا وراقيا يرقى بالذائقة العربية إلى أبعد من حدود الأغنية الاستهلاكية.
لم تمض حياة ميادة هادئة كما اعتادت، وتسرب إليها الخوف والقلق، عندما غافلها مرض السرطان واحتل جسدها، وبعد رحلة علاج قصيرة ماتت صاحبة الصوت العذب في 17 مارس 2021، وتركت في قلب عشاقها مساحة كبيرة من الحزن والألم.