رحيل غريب عسقلاني الكاتب الفلسطيني الذي كرس تجربته لوطنه

غزة (فلسطين) – توفي في مدينة غزة يوم الثلاثاء الكاتب والروائي الفلسطيني إبراهيم عبدالجبار الزنط، والشهير باسم غريب عسقلاني، بعد صراع مرير مع المرض، عن عمر يناهز 74 عاما.
واختار الروائي اسمه الأدبي لأنه ولد في مدينة عسقلان لذا فهو عسقلاني، وهو غريب لأنه هاجر مع أسرته أثناء النكبة.
ونعت وزارة الثقافة والاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الروائي المناضل غريب عسقلاني.
وقال وزير الثقافة عاطف أبوسيف في بيان النعي إنه “برحيل غريب عسقلاني تفقد الحركة الوطنية الثقافية رمزا من رموزها وعلما من أعلامها الذين أسسوا للوعي الإبداعي وأثروا المشهد الثقافي بفكرهم وإبداعهم الخلاق، منذ وقت مبكر وفي فترة كانت تمر بها البلاد باحتلالها الثاني، فكتب عسقلاني أوجاع البلاد وهمّ العباد”.
وأضاف “إن عسقلاني وهو يرحل عنا اليوم ترك إرثه بين الأجيال التي تتلمذت على يديه مربيا ومعلما في مدارس غزة ومبدعا في صالوناتها الثقافية وموجها في نصائحه للأجيال من خلال دوره الأصيل في الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين؛ كي يظل رمح الثقافة شاهرا في مواجهة رواية النقيض وولادة كما أرادها غريب عسقلاني”.
وختم أبوسيف بقوله “سيظل أستاذ الجيل غريب عسقلاني حاضرا بيننا، ونحن الشهود على ما قدمه للأجيال من إرث إبداعي كبير وكثير”.
بدوره نعى الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الروائي عسقلاني بعد مسيرة حافلة في حقل الأدب والتعليم.
وجاء في بيانه “يغيب عن المشهد الدنيوي والأدبي اليوم واحد من الكبار الذين مشوا سيرة الألم والوجع الأيوبي الفلسطيني”، مضيفا “إبراهيم الزنط الذي غاب اسم صريح لحماية الرواية، من قمع المحتل، وسطوته”.
وولد عسقلاني في الرابع من أبريل 1948 في مدينة المجدل، وكان سادس إخوته العشرة لوالد يعمل تاجرا للحبوب والمواد التموينية. وقد كابد التهجير منذ طفولته، وقد لجأت عائلته في عام نكبة فلسطين (1948) إلى مخيم الشاطئ بمدينة غزة، وكان عمره آنذاك أقل من سنة.
وقد انعكست حياته المليئة بالهجرات على منجزه الأدبي، فقد نشأ وتلقى دراسته الابتدائية في مدرسة هاشم بن عبد مناف (الهاشمية) ودرس الإعدادية في مدرسة غزة الجديدة للاجئين بمخيم الشاطئ، لينهي دراسته الثانوية في مدرسة فلسطين عام 1965.
وقد غادر الكاتب غزة ليلتحق بكلية الزراعة في جامعة أسيوط، ثم انتقل إلى جامعة الإسكندرية، ونال شهادة البكالوريوس في “الاقتصاد الزراعي” عام 1969م، بتقدير جيد جدا. ولسنوات رفضت قوات الاحتلال السماح له بالعودة إلى القطاع بعد نكسة حزيران سنة 1967. فسافر إلى الأردن وانخرط في صفوف حركة فتح عام 1970، وبعد ذلك انتقل إلى سوريا وعمل في مؤسسة “استثمار حوض الفرات” شمال سوريا.
وعاد عسقلاني إلى الوطن بعد اغتراب قسري، بواسطة طلب “جمع شمل العائلات”. وبعد توقيع اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية عمل عسقلاني في وزارة الثقافة الفلسطينية، مديرا للإبداع الأدبي، وناطقا إعلاميا لمعرض فلسطين الدولي للكتاب، ومديرا لدائرة الإعلام الثقافي، ومشاركا في الكثير من النشاطات الثقافية في فلسطين وخارجها، ومثل فلسطين في موسم ربيع الثقافة الفلسطينية في باريس عام 1997.
أعمال عديدة خلد فيها الكاتب رحلة الفلسطينيين مع الاحتلال والمقاومة بأساليب متنوعة كرسته واحدا من أبرز الأقلام الفلسطينية الملتزمة، وقد صدرت له عدة روايات نذكر من بينها “رواية الطوق” و”زمن الانتباه” و”زمن دحموس الأغبر” و”عودة منصور اللداوي” و”أزمنة بيضاء” و”هل رأيت ظل موتي” وغيرها.
وفي القصة صدرت له “الخروج عن الصمت” و”مجموعة حكايات عن براعم الورد” و”عزف على وتر قديم” و”العزف على الوتر الثامن” وغيرها من القصص التي حملت على غرار رواياته هاجس الفلسطيني.
وقد شارك عسقلاني بقصص قصيرة في أكثر من مجموعة مشتركة باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وكذلك في موسوعة الأدب الفلسطيني الحديث في الولايات المتحدة الأميركية باللغتين العربية والإنجليزية، الصادرة عن مؤسسة (بروتا)، والتي تشرف عليها الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي.
ونجح غريب عسقلاني رغم تكوينه العلمي أكاديميا في أن يخط تجربة أدبية مختلفة رفعته إلى نخبة الكتاب الفلسطينيين الذين واجهوا الاحتلال بأقلامهم وقدموا روائع شعرية وسردية في الرواية أو القصة القصيرة كانت بمثابة لسان حال الفلسطينيين وفتحت نوافذ لهم للعبور بآمالهم وآلامهم إلى المجتمعات العربية وإلى مختلف أنحاء العالم للتعريف بقضيتهم وثقافتهم.
تجربة عسقلاني المميزة جعلت الرئيس الفلسطيني محمود عباس يقلده وسام الثقافة والعلوم والفنون “مستوى الابتكار” عام 2016، وذلك نظير أعماله التي كرسها لخدمة وطنه وشعبه.