رحيل عبدالقدير خان أبوالقنبلة النووية الباكستانية المتهم بنشر تكنولوجيا السلاح النووي

انتهت الأحد مسيرة عبدالقدير خان الرجل الذي ينظر إليه بأنه أبوالقنبلة النووية الباكستانية، والذي توفي بعد معاناة مع المرض لأكثر من شهرين إثر إصابته بفايروس كورونا المستجدّ. وتنقسم الآراء حول هذا العالم الباكستاني حيث يرى فيه مؤيدوه بطلا قوميا في حين يتهمه منتقدوه بتسريب تقنيات نووية إلى إيران وكوريا الشمالية وليبيا.
إسلام أباد – توفي عالم الذرة الباكستاني عبدالقدير خان عن 85 عاما، بعد أن أمضى السنوات الأخيرة من حياته تحت حراسة مشددة، حيث تعتبره بلاده بطلا قوميا لأنه جعل من باكستان أول بلد مسلم يمتلك القنبلة النووية ما ساهم في تعزيز نفوذها في مواجهة الهند، العدوة اللدودة المسلحة نوويا. لكن الغرب اعتبره خائنا لتقاسم تكنولوجيا بشكل غير قانوني مع دول نووية مارقة.
وقد أثار خبر وفاة خان موجة من الحزن والإشادة بإرثه في إسلام أباد، إذ نعاه الرئيس عارف علوي في تغريدة على تويتر وكتب “بحزن بالغ تلقيت خبر وفاة الدكتور عبدالقدير خان الذي جمعتني به علاقة شخصية منذ عام 1982. لقد ساعد أمتنا في تحقيق سياسة الردع النووي، وشعبنا الممتن له لن ينسى أبداً ما قدّمه لأجل ذلك”.
عبدالقدير خان قاد أيضا مجهودات خيرية لصالح بلاده مثل حملته لمكافحة الأميّة
وكتب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان على تويتر “أشعر بحزن شديد لوفاة الدكتور عبدالقدير خان”، مشيرا إلى أن العالم كان محبوبا في باكستان بسبب “مساهمته الحيوية في تحويلنا إلى دولة نووية”. وأضاف “بالنسبة إلى شعب باكستان، كان رمزا وطنيا”.
ووصف زعيم المعارضة شهباز شريف وفاته بأنها “خسارة فادحة للوطن” مغردا “فقدت الأمة اليوم خيّرا حقيقيا خدم الوطن بالقلب والروح”.
واعتبر وزير الدفاع برويز ختك وفاة خان “خسارة كبيرة لباكستان. البلاد سوف تكرم خدماته للأمة إلى الأبد، والأمة مدينة له بشدة لإسهاماته في تعزيز قدراتنا الدفاعية”.
مسيرة ثرية
ولد خان في الأول من أبريل 1936 في مدينة بوبال الهندية، قبل 11 عاما من التقسيم الدموي للإمبراطورية البريطانية الهندية الذي أدى إلى ولادة باكستان والهند في 14 و15 أغسطس 1947.
وهاجر الشاب إلى كراتشي (جنوب باكستان) حيث حصل على دبلوم علمي عام 1960 قبل أن يتابع دراسته في علم المعادن في ألمانيا، ثم تأهيلا علميا في بلجيكا وهولندا.
في سبعينات القرن الماضي، عيّن في مختبر مسؤولا عن تطوير أجهزة للطرد المركزي تستخدم في الصناعة النووية لحساب الكونسورسيوم البريطاني الألماني الهولندي “يورينكو”.
ثم عاد إلى باكستان في العام 1976، ورفّعه رئيس الوزراء حينذاك ذوالفقار علي بوتو ليتولى رئاسة برنامجها النووي المدني، خصوصا بفضل وثائق مصدرها مجموعة “يورينكو”.
وتحول خان إلى بطل قومي في مايو 1998 عندما أصبحت جمهورية باكستان الإسلامية رسميا قوة نووية عسكرية، عبر تجارب أجريت بعد أيام من اختبارات قامت بها الهند، المنافسة الأبدية.
لكنه وجد نفسه في وقت لاحق في قلب جدل عندما اتُهم بنقل تقنيات بشكل غير قانوني إلى إيران وكوريا الشمالية وليبيا. وخضع بحكم الأمر الواقع لإقامة مراقبة في العاصمة إسلام أباد منذ 2004.
وأصيب خان بسرطان البروستات في 2006 وتعافى بعد عملية جراحية. وقضت محكمة في 2009 برفع الإقامة المراقبة عنه لكنه بقي يخضع لحماية شديدة جدا، وملزم بإبلاغ السلطات مسبقا بكل تحركاته.
وفي 2012، قرر دخول معترك السياسة وأنشأ حزبا يسمى “حركة إنقاذ باكستان” تمهيدا للانتخابات التشريعية التي جرت في 2013. لكنه أخفق في تأمين انتخاب أي مرشح للحزب ما دفعه إلى حل الحزب بعد فترة وجيزة.
قوة باكستانية
تمثلت مساهمة عبدالقدير خان الحيوية في البرنامج النووي الباكستاني في شراء مخطط لأجهزة الطرد المركزي التي تحول اليورانيوم إلى وقود يستخدم في صنع الأسلحة للمواد الانشطارية النووية، وهو ما جعل بلاده أول قوة إسلامية تمتلك سلاحا نوويا يحميها من تهديدات الخارجية.
وقد دانه القضاء الهولندي في 1983 بتهمة سرقة المخطط أثناء عمله في المجموعة الأنجليزية الهولندية الألمانية للهندسة النووية “يورينكو” وإعادتها إلى باكستان عام 1976. لكن الحكم ألغي في الاستئناف.
وتعدّ التجارب النووية الست التي قامت بها باكستان في مايو 1998 بمثابة تأشيرة دخول باكستان إلى النادي النووي، وأصبح عبدالقدير خان بسببها بطل باكستان وأطلقت عليه الصحافة لقب “أبوالقنبلة الذرية الإسلامية”، وامتلأت شوارع المدن الباكستانية بصوره، وقاد مجهودات خيرية لصالح بلاده مثل حملته لمكافحة الأميّة.
ومنذ 1981، تم تغيير اسم مؤسسة الأبحاث الذرية الرئيسية في باكستان قرب إسلام أباد ليصبح “مختبر خان للأبحاث” تكريما له.
وفي تلك الفترة، نال خان 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات قومية مختلفة، ونشر حوالي 150 بحثًا علميًا في مجلات علمية عالمية، كما مُنح عام 1989 “وسام هلال الامتياز”.
وفي العام 1996 نال “نيشان الامتياز”، وهو أعلى وسام مدني تمنحه دولة باكستان، تقديرًا لإسهاماته المهمّة في العلوم والهندسة.
وأكد خان في 1998 أن باكستان كانت منذ العام 1978 قادرة على إنتاج اليورانيوم المخصّب ومنذ 1984 قادرة على إجراء تفجير نووي. وأكد في الوقت نفسه أن إسلام أباد “لم ترغب يوما في صنع أسلحة ذرية لكنها اضطرت لذلك” لضرورات الردع في مواجهة الهند.
لكن نجم خان بدأ يخفت في مارس 2001. فتحت ضغط الولايات المتحدة، أقصاه الجنرال برويز مشرف الذي كان قد تولى السلطة في انقلاب في أكتوبر 1999، من إدارة “مختبر خان للأبحاث”.
وفتحت السلطات الباكستانية تحقيقات في ديسمبر 2003 بشأن حوالي عشرة علماء ومسؤولين عن البرنامج النووي لكشف نشاطات محتملة لنقل تكنولوجيا إلى الخارج.
وفي فبراير 2004، فرضت على خان إقامة مراقبة بعدما ثبت أنه كان مشاركا في عمليات نقل تكنولوجيا نووية إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية في تسعينات القرن العشرين.
واعترف الرجل الذي يعتبره البعض “بطلا قوميا” ويرى فيه آخرون “عالم معادن ينشر” السلاح النووي، في فبراير 2004 على شاشة التلفزيون بأنه شارك في نشاطات انتشار التكنولوجيا النووية لكنه تراجع عن أقواله في وقت لاحق.
ونتيجة لذلك، حصل على عفو من الرئيس مشرف.
ويعتبر خان أنه “أنقذ البلاد” لأول مرة عندما جعل باكستان دولة نووية و”أنقذتها مجددا عندما اعترفت (بالذنب) وتحملت كل اللوم”، حسب تصريح له في مقابلة مع وكالة فرانس برس عام 2008 ورغم الجدل الذي طال الحياة المهنية لخان لم يؤثر ذلك على شعبيته داخليا حيث بقي خان يتمتع بشعبية في باكستان، وكان يكتب بانتظام منشورات للمجموعة الإعلامية “جانغ” يشيد فيها بتعليم العلوم. وتحمل العديد من المدارس والجامعات والمؤسسات الخيرية اليوم اسمه.
ودفن العالم الباكستاني في مسجد الملك فيصل التاريخي في إسلام أباد بناء على طلبه. وأقيمت له “مراسم الشرف الكاملة”.
وحضر الآلاف من الأشخاص وزعماء بارزون مدنيون وعسكريون وسياسيون جنازة خان، وتم بث موكب جنازته على الهواء مباشرة، عبر محطات البث الوطنية والخاصة.
وفي كلمة لوداع العالم الذي عزز قوة باكستان، ذكّر رئيس الوزراء الباكستاني بأن العالم النووي “حظي بحب الأمة، لإسهاماته الحاسمة في جعلنا دولة نووية”.